تواصل معنا حمّل

AlkitabAlmuqaddas.org

كِتَابُ التَّكْوِينِ ٥
العهد الجديد
العهد القديم
كِتَابُ التَّكْوِينِ
فيما بين ١٤٢٠–١٢٢٠ ق. م. وبوحي من الروح القدس قام موسى بتدوين هذا الكتاب ليكون سجلاً إلهياً، ووثيقة مقدسة لكيفية نشوء العالم. إن ذات لفظة «تكوين» في اللغة العبرانية تعني «الأصل» أو «البدء». يؤكد لنا هذا الكتاب أن الله هو خالق الكون ومن جملته الإنسان الذي أقره الله في أفضل مكان وأحاطه بخير الأجواء والظروف. ثم يعرض إلى كيفية دخول الخطيئة في حياة الإنسان وما أسفرت عنه من نكبات وكيف رسم الله خطة خلاص الإنسان الضائع. وأفرد موسى، بوحي إلهي، صفحات من هذا السِّفر وصف فيها بداية التاريخ البشري ونشوء الفنون والحرف وظهور اللهجات واللغات، ومواطن الأمم الأصلية. ثم يتركز الحديث حول بداية التاريخ العبراني منذ عهد إبراهيم، وابنه إسحاق وحفيده يعقوب، وينتهي الكتاب بقصة بيع يوسف وحمله إلى مصر وانتقال يعقوب وأفراد عائلته إلى هناك بعد أن استدعاه يوسف للسكنى قريباً منه.
تتلخص الفكرة الرئيسية التي تسري في صفحات هذا الكتاب حول رحمة الله. فمع أن الله قد خلق كل شيء على أفضل صورة، ثم جاءت خطيئة الإنسان فشوهت جمال إبداعه، فإن الله على الرغم من ذلك، لم ييأس من الإنسان بل سعى إلى خلاصه. وينصب التشديد على سيادة الله المطلقة، وكيف أنه يوجه سير التاريخ لصالح شعبه المؤمن به في كل أمة وقبيلة ولسان.

١
بدء الخليقة
١ فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، ٢ وَإِذْ كَانَتِ الأَرْضُ مُشَوَّشَةً وَمُقْفِرَةً وَتَكْتَنِفُ الظُّلْمَةُ وَجْهَ الْمِيَاهِ، وَإِذْ كَانَ رُوحُ اللهِ يُرَفْرِفُ عَلَى سَطْحِ الْمِيَاهِ، ٣ أَمَرَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ». فَصَارَ نُورٌ، ٤ وَرَأَى اللهُ النُّورَ فَاسْتَحْسَنَهُ وَفَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّلامِ. ٥ وَسَمَّى اللهُ النُّورَ نَهَاراً، أَمَّا الظَّلامُ فَسَمَّاهُ لَيْلاً. وَهَكَذَا جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ، فَكَانَ الْيَوْمَ الأَوَّلَ.
٦ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ يَحْجُزُ بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ». ٧ فَخَلَقَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْمِلُهَا السُّحُبُ وَالْمِيَاهِ الَّتِي تَغْمُرُ الأَرْضَ. وَهَكَذَا كَانَ. ٨ وَسَمَّى اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. ثُمَّ جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ الْيَوْمَ الثَّانِي.
٩ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ: «لِتَتَجَمَّعِ الْمِيَاهُ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَهَكَذَا كَانَ. ١٠ وَسَمَّى اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضاً وَالْمِيَاهَ الْمُجْتَمِعَةَ بِحَاراً. وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ. ١١ وَأَمَرَ اللهُ: «لِتُنْبِتِ الأَرْضُ خُضْرَةً، وَشَجَراً مُثْمِراً فِيهِ بِزْرُهُ الَّذِي يُنْتِجُ ثَمَراً كَجِنْسِهِ فِي الأَرْضِ». وَهَكَذَا كَانَ. ١٢ فَأَنْبَتَتِ الأَرْضُ كُلَّ أَنْوَاعِ الأَعْشَابِ وَالْبُقُولِ الَّتِي تَحْمِلُ بُزُوراً مِنْ جِنْسِهَا، وَالأَشْجَارَ الَّتِي تَحْمِلُ أَثْمَاراً ذَاتَ بُذُورٍ حَسَبَ نَوْعِهَا. وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ. ١٣ وَجَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ.
١٤ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ: «لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ لِتُفَرِّقَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، فَتَكُونَ عَلَامَاتٍ لِتَحْدِيدِ أَزْمِنَةٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينَ. ١٥ وَتَكُونَ أَيْضاً أَنْوَاراً فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ لِتُضِيءَ الأَرْضَ». وَهَكَذَا كَانَ. ١٦ وَخَلَقَ اللهُ نُورَيْنِ عَظِيمَيْنِ، النُّورَ الأَكْبَرَ لِيُشْرِقَ فِي النَّهَارِ، وَالنُّورَ الأَصْغَرَ لِيُضِيءَ فِي اللَّيْلِ، كَمَا خَلَقَ النُّجُومَ أَيْضاً. ١٧ وَجَعَلَهَا اللهُ فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ لِتُضِيءَ الأَرْضَ، ١٨ لِتَتَحَكَّمَ بِالنَّهَارِ وَبِاللَّيْلِ وَلِتُفَرِّقَ بَيْنَ النُّورِ وَالظَّلامِ. وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ. ١٩ وَجَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ الْيَوْمَ الرَّابِعَ.
٢٠ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ: «لِتَمْتَلِئِ الْمِيَاهُ بِشَتَّى الْحَيَوَانَاتِ الْحَيَّةِ وَلْتُحَلِّقِ الطُّيُورُ فَوْقَ الأَرْضِ عَبْرَ فَضَاءِ السَّمَاءِ». ٢١ وَهَكَذَا خَلَقَ اللهُ الْحَيَوَانَاتِ الْمَائِيَّةَ الضَّخْمَةَ، وَالْكَائِنَاتِ الْحَيَّةَ الَّتِي امْتَلأَتْ بِها الْمِيَاهُ، كُلًّا حَسَبَ أَجْنَاسِهَا، وَأَيْضاً الطُّيُورَ وَفْقاً لأَنْوَاعِهَا. وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ. ٢٢ وَبَارَكَهَا اللهُ قَائِلاً: «انْتِجِي، وَتَكَاثَرِي وَامْلإِي مِيَاهَ الْبِحَارِ. وَلْتَتَكَاثَرِ الطُّيُورُ فَوْقَ الأَرْضِ». ٢٣ ثُمَّ جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ الْيَوْمَ الْخَامِسَ.
٢٤ ثُمَّ أَمَرَ اللهُ: «لِتُخْرِجِ الأَرْضُ كَائِنَاتٍ حَيَّةً، كُلًّا حَسَبَ جِنْسِهَا، مِنْ بَهَائِمَ وَزَوَاحِفَ وَوُحُوشٍ وَفْقاً لأَنْوَاعِهَا». وَهَكَذَا كَانَ. ٢٥ فَخَلَقَ اللهُ وُحُوشَ الأَرْضِ، وَالْبَهَائِمَ وَالزَّوَاحِفَ، كُلًّا حَسَبَ نَوْعِهَا. وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ. ٢٦ ثُمَّ قَالَ اللهُ: «لِنَصْنَعِ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا، كَمِثَالِنَا، فَيَتَسَلَّطَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ، وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ، وَعَلَى الأَرْضِ، وَعَلَى كُلِّ زَاحِفٍ يَزْحَفُ عَلَيْهَا». ٢٧ فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. ٢٨ وَبَارَكَهُمُ اللهُ قَائِلاً لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَتَكَاثَرُوا وَامْلَأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا. وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ، وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَتَحَرَّكُ عَلَى الأَرْضِ». ٢٩ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ أَصْنَافِ النَّبَاتَاتِ ذَاتِ الْبُذُورِ الْمُنْتَشِرَةِ عَلَى كُلِّ سَطْحِ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ يَحْمِلُ ثَمَراً فِيهِ بُذُورٌ، لِتَكُونَ لَكُمْ طَعَاماً. ٣٠ أَمَّا الْعُشْبُ الأَخْضَرُ فَقَدْ جَعَلْتُهُ طَعَاماً لِوُحُوشِ الأَرْضِ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ وَالْحَيَوَانَاتِ الزَّاحِفَةِ، وَلجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ». وَهَكَذَا كَانَ.
٣١ وَرَأَى اللهُ مَا خَلَقَهُ فَاسْتَحْسَنَهُ جِدّاً. ثُمَّ جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ الْيَوْمَ السَّادِسُ.
٢
١ وَهَكَذَا اكْتَمَلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ بِكُلِّ مَا فِيهَا. ٢ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَتَمَّ اللهُ عَمَلَهُ الَّذِي قَامَ بِهِ، فَاسْتَرَاحَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ مَا عَمِلَهُ. ٣ وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ اسْتَرَاحَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْخَلْقِ.
آدم وحواء
٤ هَذَا وَصْفٌ مَبْدَئِيٌّ لِلسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ. ٥ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ نَبَتَ بَعْدُ فِي الأَرْضِ شَجَرٌ بَرِّيٌّ وَلَا عُشْبٌ بَرِّيٌّ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلَهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَرْسَلَ مَطَراً عَلَى الأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِنْسَانٌ لِيَفْلَحَهَا، ٦ إلَّا أَنَّ ضَبَاباً كَانَ يَتَصَاعَدُ مِنَ الأَرْضِ فَيَسْقِي سَطْحَهَا كُلَّهُ. ٧ ثُمَّ جَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ مِنْ تُرَابِ الأَرْضِ وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ، فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً. ٨ وَأَقَامَ الرَّبُّ الإِلَهُ جَنَّةً فِي شَرْقِيِّ عَدْنٍ وَوَضَعَ فِيهَا آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ. ٩ وَاستَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلَهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ بَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ، وَلَذِيذَةٍ لِلأَكْلِ، وَغَرَسَ أَيْضاً شَجَرَةَ الْحَيَاةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ. ١٠ وَكَانَ نَهْرٌ يَجْرِي فِي عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْقَسِمَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَنْهارٍ: ١١ الأَوَّلُ مِنْهَا يُدْعَى فِيشُونَ، الَّذِي يَلْتَفُّ حَوْلَ كُلِّ الْحَوِيلَةِ حَيْثُ يُوْجَدُ الذَّهَبُ. ١٢ وَذَهَبُ تِلْكَ الأَرْضِ جَيِّدٌ، وَفِيهَا أَيْضاً الْمُقْلُ وَحَجَرُ الْجَزْعِ. ١٣ وَالنَّهْرُ الثَّانِي يُدْعَى جِيحُونَ الَّذِي يُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ. ١٤ وَالنَّهْرُ الثَّالِثُ يُدْعَى حِدَّاقِلَ وَهُوَ الْجَارِي فِي شَرْقِيِّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابِعُ هُوَ الْفُرَاتُ.
١٥ وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفْلَحَهَا وَيَعْتَنِيَ بِها. ١٦ وَأَمَرَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلا: «كُلْ مَا تَشَاءُ مِنْ جَمِيعِ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ، ١٧ وَلَكِنْ إِيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لأَنَّكَ حِينَ تَأْكُلُ مِنْهَا حَتْماً تَمُوت».
١٨ ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَبْقَى آدَمُ وَحِيداً. سَأَصْنَعُ لَهُ مُعِيناً مُشَابِهاً لَهُ». ١٩ وَكَانَ الرَّبُّ الإِلَهُ قَدْ جَبَلَ مِنَ التُّرَابِ كُلَّ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ الْفَضَاءِ وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى بِأَيِّ أَسْمَاءَ يَدْعُوهَا، فَصَارَ كُلُّ اسْمٍ أَطْلَقَهُ آدَمُ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ حَيٍّ اسْماً لَهُ. ٢٠ وَهَكَذَا أَطْلَقَ آدَمُ أَسْمَاءَ عَلَى كُلِّ الطُّيُورِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْبَهَائِمِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لِنَفْسِهِ مُعِيناً مُشَابِهاً لَهُ. ٢١ فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ، ثُمَّ تَنَاوَلَ ضِلْعاً مِنْ أَضْلَاعِهِ وَسَدَّ مَكَانَهَا بِاللَّحْمِ، ٢٢ وَعَمِلَ مِنْ هَذِهِ الضِّلْعِ امْرَأَةً أَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. ٢٣ فَقَالَ آدَمُ: «هَذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. فَهِيَ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِئٍ أُخِذَتْ». ٢٤ لِهَذَا، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَتْرُكُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَصِيرَانِ جَسَداً وَاحِداً. ٢٥ وَكَانَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ عُرْيَانَيْنِ، وَلَمْ يَخْجَلَا مِنْ ذَلِكَ.
٣
سقوط الإنسان
١ وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَمْكَرَ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي صَنَعَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ، فَسَأَلَتِ الْمَرْأَةَ: «أَحَقّاً أَمَرَكُمَا اللهُ أَلَّا تَأْكُلَا مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» ٢ فَأَجَابَتِ الْمَرْأَةُ: «يُمْكِنُنَا أَنْ نَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ كُلِّهَا، ٣ مَاعَدَا ثَمَرَ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا، فَقَدْ قَالَ اللهُ: لَا تَأْكُلَا مِنْهُ وَلَا تَلْمَسَاهُ وَإلَّا تَمُوتَا». ٤ فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا، ٥ بَلْ إِنَّ اللهَ يَعْرِفُ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلانِ مِنْ ثَمَرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا فَتَصِيرَانِ مِثْلَهُ، قَادِرَيْنِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ». ٦ وَعِنْدَمَا شَاهَدَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ لَذِيذَةٌ لِلْمَأْكَلِ وَشَهِيَّةٌ لِلْعُيُونِ، وَمُثِيرَةٌ لِلنَّظَرِ قَطَفَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، ثُمَّ أَعْطَتْ زَوْجَهَا أَيْضاً فَأَكَلَ مَعَهَا، ٧ فَانْفَتَحَتْ لِلْحَالِ أَعْيُنُهُمَا، وَأَدْرَكَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ، فَخَاطَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ مِنْ أَوْرَاقِ التِّينِ.
٨ ثُمَّ سَمِعَ الزَّوْجَانِ صَوْتَ الرَّبِّ الإِلَهِ وَهُوَ يَمْشِي فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَآ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ الإِلَهِ بَيْنَ شَجَرِ الْجَنَّةِ. ٩ فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟» ١٠ فَأَجَابَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَاخْتَبَأْتُ خِشْيَةً مِنْكَ لأَنِّي عُرْيَانٌ». ١١ فَسَأَلَهُ: «مَنْ قَالَ لَكَ إِنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا؟» ١٢ فَأَجَابَ آدَمُ: «إِنَّهَا الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا رَفِيقَةً لِي. هِيَ الَّتِي أَطْعَمَتْنِي مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ، فَأَكَلْتُ». ١٣ فَسَأَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ الْمَرْأَةَ: «مَاذَا فَعَلْتِ؟» فَأَجَابَتْ: «أَغْوَتْنِي الْحَيَّةُ فَأَكَلْتُ». ١٤ فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هَذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ بَيْنَ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ، عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ، وَمِنَ التُّرَابِ تَأْكُلِينَ طَوَالَ حَيَاتِكِ، ١٥ وَأُثِيرُ عَدَاوَةً دَائِمَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ نَسْلَيْكُمَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَلْدَغِينَ عَقِبَهُ».
١٦ ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: «أُكَثِّرُ تَكْثِيراً أَوْجَاعَ مَخَاضِكِ فَتُنْجِبِينَ بِالآلَامِ أَوْلَاداً، وَإِلَى زَوْجِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَتَسَلَّطُ عَلَيْكِ». ١٧ وَقَالَ لِآدَمَ: «لأَنَّكَ أَذْعَنْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ، وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا، فَالأَرْضُ مَلْعُونَةٌ بِسَبَبِكَ وَبِالْمَشَقَّةِ تَقْتَاتُ مِنْهَا طَوَالَ عُمْرِكَ. ١٨ شَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ، وَأَنْتَ تَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. ١٩ بِعَرَقِ جَبِينِكَ تَكْسَبُ عَيْشَكَ حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ، فَمِنْ تُرَابٍ أُخِذْتَ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».
٢٠ وَسَمَّى آدَمُ زَوْجَتَهُ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ. ٢١ وَكَسَا الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ رِدَاءَيْنِ مِنْ جِلْدٍ صَنَعَهُمَا لَهُمَا.
٢٢ ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «هَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا، يُمَيِّزُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَقَدْ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَتَنَاوَلُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ وَيَأْكُلُ، فَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ». ٢٣ فَأَخْرَجَهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفْلَحَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْ تُرَابِهَا. ٢٤ وَهَكَذَا طَرَدَ اللهُ الإِنْسَانَ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ، وَأَقَامَ مَلائِكَةَ الْكَرُوبِيمِ وَسَيْفاً نَارِيًّا مُتَقَلِّباً شَرْقِيَّ الْجَنَّةِ لِحِرَاسَةِ الطَّرِيقِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى «شَجَرَةِ الْحَيَاةِ».
٤
قايين وهابيل
١ وَعَاشَرَ آدَمُ حَوَّاءَ زَوْجَتَهُ فَحَبِلَتْ، وَوَلَدَتْ ابْناً أَسْمَتْهُ قَايِينَ إِذْ قَالَتْ: «اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ». ٢ ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَخَاهُ هَابِيلَ، وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِياً لِلْغَنَمِ. أَمَّا قَايِينُ فَقَدْ عَمِلَ فِي فِلَاحَةِ الأَرْضِ. ٣ وَحَدَثَ بَعْدَ مُرُورِ أَيَّامٍ أَنْ قَدَّمَ قَايِينُ مِنْ ثِمَارِ الأَرْضِ قُرْبَاناً لِلرَّبِّ، ٤ وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضاً مِنْ خَيْرَةِ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَأَسْمَنِهَا. فَتَقَبَّلَ الرَّبُّ قُرْبَانَ هَابِيلَ وَرَضِيَ عَنْهُ. ٥ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ قَايِينَ وَلَمْ يَرْضَ عَنْهُ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ جِدّاً وَتَجَهَّمَ وَجْهُهُ كَمَداً. ٦ فَسَأَلَ الرَّبُّ قَايِينَ: «لِمَاذَا اغْتَظْتَ؟ لِمَاذَا تَجَهَّمَ وَجْهُكَ؟ ٧ لَوْ أَحْسَنْتَ فِي تَصَرُّفِكَ أَلَا يُشْرِقُ وَجْهُكَ فَرَحاً؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنِ التَّصَرُّفَ، فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيئَةٌ تَنْتَظِرُكَ، تَتَشَوَّقُ أَنْ تَتَسَلَّطَ عَلَيْكَ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَتَحَكَّمَ فِيهَا».
٨ وَعَادَ قَايِينُ يَتَظَاهَرُ بِالْوُدِّ لأَخِيهِ هَابِيلَ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا مَعاً فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ هَجَمَ عَلَى أَخِيهِ هَابِيلَ وَقَتَلَهُ. ٩ وَسَأَلَ الرَّبُّ قَايِينَ: «أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟» فَأَجَابَ: «لَا أَعْرِفُ. هَلْ أَنَا حَارِسٌ لأَخِي؟» ١٠ فَقَالَ الرَّبُّ لَهُ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ إِنَّ صَوْتَ دَمِ أَخِيكَ يَصْرُخُ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. ١١ فَمُنْذُ الآنَ، تَحِلُّ عَلَيْكَ لَعْنَةُ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا وَابْتَلَعَتْ دَمَ أَخِيكَ الَّذِي سَفَكَتْهُ يَدُكَ. ١٢ عِنْدَمَا تَفْلَحُهَا لَنْ تُعْطِيَكَ خَيْرَهَا، وَتَكُونُ شَرِيداً وَطَرِيداً فِي الأَرْضِ». ١٣ فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: «عُقُوبَتِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُحْتَمَلَ. ١٤ هَا أَنْتَ الْيَوْمَ قَدْ طَرَدْتَنِي عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، وَمِنْ أَمَامِ حَضْرَتِكَ أَخْتَفِي، وَأَكُونُ شَرِيداً طَرِيداً فِي الأَرْضِ، وَيَقْتُلُنِي كُلُّ مَنْ يَجِدُنِي». ١٥ فَقَالَ الرَّبُّ لَهُ: «سَأُعَاقِبُ كُلَّ مَنْ يَقْتُلُكَ بِسَبْعَةِ أَضْعَافِ الْعُقُوبَةِ الَّتِي عَاقَبْتُكَ بِها». وَوَسَمَ الرَّبُّ قَايِينَ بِعَلَامَةٍ تَحْظُرُ عَلَى مَنْ يَلْقَاهُ اغْتِيَالَهُ. ١٦ وَهَكَذَا خَرَجَ قَايِينُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ شَرْقِيَّ عَدْنٍ.
١٧ وَعَاشَرَ قَايِينُ زَوْجَتَهُ فَحَبِلَتْ وَأَنْجَبَتِ ابْناً دَعَاهُ «حَنُوكَ». وَكَانَ قَايِينُ آنَئِذٍ يَبْنِي مَدِينَةً فَسَمَّاهَا «حَنُوكَ» عَلَى اسْمِ ابْنِهِ. ١٨ ثُمَّ وَلَدَ حَنُوكُ عِيرَادَ، وَوَلَدَ عِيرَادُ مَحُويَائِيلَ، وَوَلَدَ مَحُويَائِيلُ مَتُوشَائِيلَ، وَوَلَدَ مَتُوشَائِيلُ لَامَكَ. ١٩ وَتَزَوَّجَ لَامَكُ امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ، وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ. ٢٠ وَوَلَدَتْ عَادَةُ كُلًّا مِنْ «يَابَالَ» أَوَّلِ رُعَاةِ الْمَوَاشِي وَسَاكِنِي الْخِيَامِ. ٢١ وَأَخِيهِ يُوبَالَ أَوَّلِ الْعَازِفِينَ بِالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ. ٢٢ وَوَلَدَتْ صِلَّةُ «تُوبَالَ قَايِينَ» أَوَّلَ صَانِعِي آلَاتِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ. كَمَا وَلَدَتْ «نَعْمَةَ» أُخْتَ تُوبَالَ قَايِينَ. ٢٣ وَقَالَ لَامَكُ لِزَوْجَتَيْهِ: «يَا عَادَةُ وَصِلَّةُ، اسْمَعَا قَوْلِي، يَا زَوْجَتَيْ لَامَكَ أَصْغِيَا لِكَلَامِي: إِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً جَرَحَنِي وَشَابّاً كَسَرَنِي. ٢٤ فَإِنْ كَانَ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، فَإِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِلَامَكَ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ ضِعْفاً».
٢٥ وَعَاشَرَ آدَمُ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ مَرَّةً أُخْرَى فَأَنْجَبَتْ لَهُ ابْناً أَسْمَتْهُ «شِيثاً» إِذْ قَالَتْ: «قَدْ عَوَّضَنِي اللهُ نَسْلاً آخَرَ عِوَضاً عَنْ هَابِيلَ الَّذِي قَتَلَهُ قَايِينُ». ٢٦ وَوُلِدَ لِشِيثٍ أَيْضاً ابْنٌ سَمَّاهُ أَنُوشَ وَعَنْدَئِذٍ ابْتَدَأَ النَّاسُ يَدْعُونَ بِاسْمِ الرَّبِّ.
٥
من آدم إلى نوح
١ هَذَا سِجِلٌّ بِمَوَالِيدِ آدَمَ. يَوْمَ خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ، صَنَعَهُ اللهُ عَلَى مِثَالِهِ. ٢ وَقَدْ خَلَقَهُ ذَكَراً وَأُنْثَى. وَيَوْمَ خَلَقَهُ، بَارَكَهُ وَسَمَّاهُ آدَمَ. ٣ كَانَ عُمْرُ آدَمَ مِئَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ وَلَداً كَشَبَهِهِ وَمِثَالِهِ، وَسَمَّاهُ شِيثاً. ٤ وَعَاشَ آدَمُ بَعْدَ مَوْلِدِ شِيثٍ ثَمَانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ٥ وَمَاتَ آدَمُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَثَلَاثُونَ سَنَةً.
٦ كَانَ عُمْرُ شِيثٍ مِئَةً وَخَمْسَ سَنَوَاتٍ عِنْدَمَا أَنْجَبَ أَنُوشَ. ٧ وَعَاشَ شِيثٌ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَ مِئَةٍ وَسَبْعَ سَنَوَاتٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ٨ وَمَاتَ شِيثٌ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَاثْنَتَا عَشَرَةَ سَنَةً.
٩ وَكَانَ عُمْرُ أَنُوشَ تِسْعِينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ قِينَانَ. ١٠ وَعَاشَ أَنُوشُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَ مِئَةٍ وَخَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ١١ وَمَاتَ أَنُوشُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَخَمْسُ سَنَوَاتٍ.
١٢ وَكَانَ عُمْرُ قِينَانَ سَبْعِينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ مَهْلَلْئِيلَ. ١٣ وَعَاشَ قِينَانُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَ مِئَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ١٤ وَمَاتَ قِينَانُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَعَشْرُ سَنَوَاتٍ.
١٥ وَكَانَ عُمْرُ مَهْلَلْئِيلَ خَمْساً وَسِتِّينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ يَارَدَ، ١٦ وَعَاشَ مَهْلَلْئِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَ مِئَةٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ١٧ وَمَاتَ مَهْلَلْئِيلُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانِيَ مِئَةٍ وَخَمْسٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً.
١٨ وَكَانَ عُمْرُ يَارَدَ مِئَةً وَاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ أَخْنُوخَ. ١٩ وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ٢٠ وَمَاتَ يَارَدُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَاثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً.
٢١ وَكَانَ عُمْرُ أَخْنُوخَ خَمْساً وَسِتِّينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ مَتُوشَالَحَ. ٢٢ ثُمَّ عَاشَ أَخْنُوخُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِئَةِ سَنَةٍ سَارَ فِيهَا مَعَ اللهِ. وَوُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ٢٣ وَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ أَخْنُوخَ ثَلَاثَ مِئَةٍ وَخَمْساً وَسِتِّينَ سَنَةً. ٢٤ وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، ثُمَّ تَوَارَى مِنَ الْوُجُودِ، لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ إِلَيْهِ.
٢٥ وَكَانَ عُمْرُ مَتُوشَالَحَ مِئَةً وَسَبْعاً وَثَمَانِينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ لَامَكَ. ٢٦ وَعَاشَ مَتُوشَالَحُ بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعَ مِئَةٍ وَاثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ٢٧ وَمَاتَ مَتُوشَالَحُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَتِسْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً.
٢٨ كَانَ عُمْرُ لَامَكَ مِئَةً وَاثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً عِنْدَمَا أَنْجَبَ ابْناً، ٢٩ سَمَّاهُ نُوحاً قَائِلاً: «هَذَا يُعَزِّينَا عَنْ أَعْمَالِنَا وَمَشَقَّةِ أَيْدِينَا فِي الأَرْضِ الَّتِي لَعَنَهَا الرَّبُّ». ٣٠ وَعَاشَ لَامَكُ خَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْساً وَتِسْعِينَ سَنَةً بَعْدَ وِلَادَةِ نُوحٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وبَنَاتٌ ٣١ وَمَاتَ لَامَكُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سَبْعُ مِئَةٍ وَسَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً.
٣٢ كَانَ عُمْرُ نُوحٍ خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ عِنْدَمَا أَنْجَبَ سَاماً وَحَاماً وَيَافَثَ.
٦
فساد العالم
١ وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَتَكَاثَرُونَ عَلَى سَطْحِ الأَرْضِ وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، ٢ انْجَذَبَتْ أَنْظَارُ أَبْنَاءِ اللهِ إِلَى بَنَاتِ النَّاسِ فَرَأَوْا أَنَّهُنَّ جَمِيلاتٌ فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ مِنْهُنَّ زَوْجَاتٍ كَمَا طَابَ لَهُمْ. ٣ فَقَالَ الرَّبُّ: «لَنْ يَمْكُثَ رُوحِي مُجَاهِداً فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ. هُوَ بَشَرِيٌّ زَائِغٌ، لِذَلِكَ لَنْ تَطُولَ أَيَّامُهُ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَطْ». ٤ وَفِي تِلْكَ الْحِقَبِ، كَانَ فِي الأَرْضِ جَبَابِرَةٌ، وَبَعْدَ أَنْ دَخَلَ أَبْنَاءُ اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَلَدْنَ لَهُمْ أَبْنَاءً، صَارَ هَؤُلَاءِ الأَبْنَاءُ أَنْفُسُهُمُ الْجَبَابِرَةَ الْمَشْهُورِينَ مُنْذُ الْقِدَمِ.
٥ وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ فِكْرِ قَلْبِهِ يَتَّسِمُ دَائِماً بِالإِثْمِ، ٦ فَمَلأَ قَلبَهُ الأَسَفُ وَالْحُزْنُ لأَنَّهُ خَلَقَ الإِنْسَانَ. ٧ وَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالزَّوَاحِفِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي خَلَقْتُهُ». ٨ أَمَّا نُوحٌ فَقَدْ حَظِيَ بِرِضَى الرَّبِ.
نوح والطوفان
٩ وَهَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ نُوحٍ: كَانَ نُوحٌ صَالِحاً كَامِلاً فِي زَمَانِهِ، وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ. ١٠ وَأَنْجَبَ نُوحٌ ثَلَاثَةَ أَبْنَاءٍ هُمْ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ. ١١ وَإِذْ سَادَ الشَّرُّ الأَرْضَ أَمَامَ اللهِ وَعَمَّهَا الظُّلْمُ، ١٢ نَظَرَ اللهُ وَإذَا بِها فَاسِدَةٌ لأَنَّ كُلَّ بَشَرٍ عَلَى الأَرْضِ قَدْ سَلَكَ فِي طَرِيقِ الإِثْمِ.
١٣ فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «قَدْ أَزِفَتْ نِهَايَةُ الْبَشَرِ جَمِيعاً أَمَامِي، لأَنَّهُمْ مَلَأُوا الأَرْضَ ظُلْماً. لِذَلِكَ سَأُبِيدُهُمْ مَعَ الأَرْضِ. ١٤ ابْنِ لَكَ فُلْكاً مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ، وَاجْعَلْ فِيهِ غُرَفاً تَطْلِيهَا بِالزِّفْتِ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. ١٥ اصْنَعْهُ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ: لِيَكُنْ طُولُهُ ثَلَاثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ (نَحْوَ مِئَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِتْراً)، وَعَرْضُهُ خَمْسِينَ ذِرَاعاً (نَحْوَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِتْراً وَنِصْفِ الْمِتْرِ) وَارْتِفَاعُهُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعاً (نَحْوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِتْراً وَنِصْفِ الْمِتْرِ). ١٦ وَاجْعَلْ لَهُ نَافِذَةً عَلَى انْخِفَاضِ ذِرَاعٍ (نَحْوَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنْتِمِتْراً) مِنَ السَّقْفِ، وَبَاباً تُقِيمُهُ فِي جَانِبِهِ. وَلْيَكُنْ لِلْفُلْكِ طَوَابِقُ سُفْلِيَّةٌ وَمُتَوَسِّطَةٌ وَعُلْوِيَّةٌ. ١٧ فَهَا أَنَا أُغْرِقُ الأَرْضَ بِطُوفَانٍ مِنَ الْمِيَاهِ لأُبِيدَ كُلَّ كَائِنٍ حَيٍّ فِيهَا مِمَّنْ تَحْتَ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا عَلَى الأَرْضِ لَابُدَّ أَنْ يَمُوتَ. ١٨ وَلَكِنِّي سَأُقِيمُ مَعَكَ عَهْداً، فَتَدْخُلُ أَنْتَ مَعَ بَنِيكَ وَامْرَأَتِكَ وَنِسَاءِ بَنِيكَ إِلَى الْفُلْكِ. ١٩ وَتَأْخُذُ مَعَكَ فِي الْفُلْكِ زَوْجَيْنِ، ذَكَراً وَأُنْثَى، مِنْ كُلِّ كَائِنٍ حَيٍّ ذِي جَسَدٍ، لاسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. ٢٠ تُدْخِلُ مَعَكَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ صَنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَالزَّوَاحِفِ عَلَى الأَرْضِ، حِفَاظاً عَلَى اسْتِمْرَارِ بَقَائِهَا.
٢١ وَتَدَّخِرُ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَتَخْزُنُهُ عِنْدَكَ لِيَكُونَ لَكَ وَلَهَا غِذَاءً». ٢٢ وَفَعَلَ نُوحٌ تَمَاماً حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ الرَّبُّ بِهِ.
٧
الأمر بالدخول إلى الفلك
١ وَقَالَ الرَّبُّ لِنُوحٍ: «هَيَّا ادْخُلْ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ جَمِيعاً إِلَى الْفُلْكِ لأَنِّي وَجَدْتُكَ وَحْدَكَ صَالِحاً أَمَامِي فِي هَذَا الْجِيلِ. ٢ خُذْ مَعَكَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ سَبْعَةَ ذُكُورٍ وَسَبْعَ إِنَاثٍ، وَاثْنَيْنِ، ذَكَراً وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الأُخْرَى غَيْرِ الطَّاهِرَةِ. ٣ وَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الطُّيُورِ سَبْعَةَ ذُكُورٍ وَسَبْعَ إِنَاثٍ لاسْتِبْقَاءِ نَسْلِهَا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. ٤ فَإِنِّي بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أُمْطِرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، لَيْلاً وَنَهَاراً، فَأَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ كُلَّ مَخْلُوقٍ حَيٍّ». ٥ وَفَعَلَ نُوحٌ بِمُوْجِبِ كُلِّ مَا أَمَرَهُ الرَّبُّ بِهِ.
٦ وَكَانَ عُمْرُ نُوحٍ سِتَّ مِئَةِ سَنَةٍ عِنْدَمَا حَدَثَ طُوفَانُ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ. ٧ فَدَخَلَ نُوحٌ إِلَى الْفُلْكِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَبْنَائِهِ وَزَوْجَاتِهِمْ (لِيَنْجُوا) مِنْ مِيَاهِ الطُّوفَانِ. ٨ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانَاتُ الطَّاهِرَةُ وَغَيْرُ الطَّاهِرَةِ، وَالطُّيُورُ وَالزَّوَاحِفُ، ٩ دَخَلَتْ مَعَ نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، ذَكَراً وَأُنْثَى، كَمَا أَمَرَ اللهُ نُوحاً.
الطوفان
١٠ وَمَا إِنِ انْقَضَتِ الأَيَّامُ السَّبْعَةُ حَتَّى فَاضَتِ الْمِيَاهُ عَلَى الأَرْضِ ١١ فَفِي سَنَةِ سِتِّ مَئَةٍ مِنْ عُمْرِ نُوحٍ، فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ، تَفَجَّرَتِ الْمِيَاهُ مِنَ اللُّجَجِ الْعَمِيقَةِ فِي بَاطِنِ الأَرْضِ، وَهَطَلَتْ أَمْطَارُ السَّمَاءِ الْغَزِيرَةُ، ١٢ وَاسْتَمَرَّ هَذَا الطُّوفَانُ عَلَى الأَرْضِ لَيْلاً وَنَهَاراً مُدَّةَ أَرْبَعِينَ يَوْماً. ١٣ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي بَدَأَ فِيهِ الطُّوفَانُ دَخَلَ نُوحٌ وَزَوْجَتُهُ وَأَبْنَاؤُهُ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ وَزَوْجَاتُهُمُ الثَّلَاثُ إِلَى الْفُلْكِ. ١٤ وَدَخَلَ مَعَهُمْ أَيْضاً مِنَ الْوُحُوشِ وَالْبَهَائِمِ وَالزَّوَاحِفِ وَالطُّيُورِ وَذَوَاتِ الأَجْنِحَةِ كُلٍّ حَسَبَ أَصْنَافِهَا؛ ١٥ مِنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ أَقْبَلَتْ إِلَى الْفُلْكِ، وَدَخَلَتْ مَعَ نُوحٍ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، ١٦ ذَكَراً وَأُنْثَى دَخَلَتْ، مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. ثُمَّ أَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ بَابَ الْفُلْكِ.
١٧ وَدَامَ الطُّوفَانُ أَرْبَعِينَ يَوْماً عَلَى الأَرْضِ، وَطَغَتِ الْمِيَاهُ وَرَفَعَتِ الْفُلْكَ فَوْقَ الأَرْضِ، ١٨ وَتَكَاثَرَتِ الْمِيَاهُ عَلَى الأَرْضِ وَطَغَتْ جِدّاً، فَكَانَ الْفُلْكُ يَطْفُو فَوْقَ الْمِيَاهِ. ١٩ وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ جِدّاً فَوْقَ الأَرْضِ حَتَّى أَغْرَقَتْ جَمِيعَ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ كُلِّهَا. ٢٠ وَبَلَغَ ارْتِفَاعُهَا خَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعاً (نَحْوَ سَبْعَةِ أَمْتَارٍ) عَنْ أَعْلَى الْجِبَالِ، ٢١ فَمَاتَ كُلُّ كَائِنٍ حَيٍّ يَتَحَرَّكُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ طُيُورٍ وَبَهَائِمَ وَوُحُوشٍ وَزَوَاحِفَ وَكُلِّ بَشَرٍ ٢٢ مَاتَ كُلُّ مَا يَحْيَا وَيَتَنَفَّسُ عَلَى الْيَابِسَةِ. ٢٣ وَبَادَ مِنْ عَلَى سَطْحِ الأَرْضِ كُلُّ كَائِنٍ حَيٍّ سَوَاءٌ مِنَ النَّاسِ أَمِ الْبَهَائِمِ أَمِ الزَّوَاحِفِ أَمِ الطُّيُورِ، كُلُّهَا أُبِيدَتْ مِنَ الأَرْضِ، وَلَمْ يَبْقَ سِوَى نُوحٍ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ. ٢٤ وَظَلَّتِ الْمِيَاهُ طَامِيَةً عَلَى الأَرْضِ مُدَّةَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْماً.
٨
تناقص المياه
١ ثُمَّ افْتَقَدَ اللهُ نُوحاً وَمَا مَعَهُ فِي الْفُلْكِ مِنْ وُحُوشٍ وبَهَائِمَ، فَأَرْسَلَ رِيحاً عَلَى الأَرْضِ فَتَقَلَّصَتِ الْمِيَاهُ ٢ وَانْسَدَّتْ يَنَابِيعُ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَاحْتَبَسَ الْمَطَرُ. ٣ وَتَرَاجَعَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ تَدْرِيجِيًّا. وَبَعْدَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْماً نَقَصَتِ الْمِيَاهُ. ٤ وَاسْتَقَرَّ الْفُلْكُ عَلَى جِبَالِ أَرَارَاطَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ لِلطُّوفَانِ. ٥ وَظَلَّتِ الْمِيَاهُ تَتَنَاقَصُ تَدْرِيجِيًّا حَتَّى الشَّهْرِ الْعَاشِرِ. وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ بَدَتْ قِمَمُ الْجِبَالِ.
٦ وَبَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً أُخْرَى فَتَحَ نُوحٌ النَّافِذَةَ الَّتِي كَانَ قَدْ عَمِلَهَا فِي الْفُلْكِ. ٧ وَأَطْلَقَ غُرَاباً، فَخَرَجَ وَظَلَّ يَحُومُ مُتَرَدِّداً إِلَى الْفُلْكِ حَتَّى جَفَّتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ. ٨ ثُمَّ أَطْلَقَ نُوحٌ حَمَامَةً مِنَ الْفُلْكِ لِيَرَى إِنْ كَانَتِ الْمِيَاهُ قَدْ تَقَلَّصَتْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، ٩ وَلَكِنَّ الْحَمَامَةَ لَمْ تَجِدْ مَوْضِعاً تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ رِجْلُهَا فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فِي الْفُلْكِ، لأَنَّ الْمِيَاهَ كَانَتْ مَازَالَتْ تَغْمُرُ سَطْحَ الأَرْضِ، فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا، وَأَدْخَلَهَا عِنْدَهُ إِلَى الْفُلْكِ. ١٠ وَانْتَظَرَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخْرَى ثُمَّ عَادَ فَأَطْلَقَ الْحَمَامَةَ مِنَ الْفُلْكِ، ١١ فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ عِنْدَ الْمَسَاءِ تَحْمِلُ فِي مِنْقَارِهَا وَرَقَةَ زَيْتُونٍ خَضْرَاءَ، فَأَدْرَكَ نُوحٌ أَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ تَنَاقَصَتْ عَنِ الأَرْضِ. ١٢ فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخْرَى ثُمَّ أَطْلَقَ الْحَمَامَةَ فَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْمَرَّةَ.
١٣ وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَالسِّتِّ مِئَةٍ مِنْ عُمْرِ نُوحٍ، جَفَّتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ، فَرَفَعَ نُوحٌ سَقْفَ الْفُلْكِ وَتَطَلَّعَ حَوْلَهُ، فَرَأَى أَنَّ سَطْحَ الأَرْضِ قَدْ أَخَذَ فِي الْجَفَافِ. ١٤ وَلَكِنَّ الأَرْضَ لَمْ تَجِفَّ تَمَاماً إِلّا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي.
١٥ وَخَاطَبَ اللهُ نُوحاً قَائِلا: ١٦ «اخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَبَنُوكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ، ١٧ وَأَخْرِجْ كُلَّ مَا مَعَكَ مِنَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ، مِنْ طُيُورٍ وَبَهَائِمَ وَكُلِّ مَا يَزْحَفُ عَلَى الأَرْضِ لِتَتَوَالَدَ وَتَتَكَاثَرَ عَلَى الأَرْضِ». ١٨ وَخَرَجَ نُوحٌ وَبَنُوهُ وَامْرَأَتُهُ وَزَوْجَاتُ بَنِيهِ مَعَهُ. ١٩ وَكَذَلِكَ خَرَجَتْ مَعَهُ كُلُّ الْحَيَوَانَاتِ، وَالزَّوَاحِفِ وَالطُّيُورِ، وَكُلُّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، كُلٌّ مِنْهَا كَجِنْسِهَا.
٢٠ وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ ثُمَّ اخْتَارَ بَعْضاً مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ وَقَرَّبَهَا مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ. ٢١ فَتَقَبَّلَهَا الرَّبُّ بِرِضًى، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: «لَنْ أَلْعَنَ الأَرْضَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ أَهْوَاءَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرَةٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ وَلَنْ أُقْدِمَ عَلَى إِهْلاكِ كُلِّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ. ٢٢ وَتَكُونُ كُلُّ أَيَّامِ الأَرْضِ مَوَاسِمَ زَرْعٍ وَحَصَادٍ وَبَرْدٍ وَحَرٍّ وَصَيْفٍ وَشِتَاءٍ وَنَهَارٍ وَلَيْلٍ، لَنْ تَبْطُلَ أَبَداً».
٩
عهد الله مع نوح
١ وَبَارَكَ اللهُ نُوحاً وَأَبْنَاءَهُ قَائِلاً لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَتَكَاثَرُوا وَامْلَأُوا الأَرْضَ، ٢ لِتَخْشَكُمْ وَتَرْهَبْكُمْ كُلُّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا يَتَحَرَّكُ عَلَى الأَرْضِ، وَسَمَكُ الْبَحْرِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ خَاضِعَةً لَكُمْ. ٣ وَلْيَكُنْ كُلُّ حَيٍّ مُتَحَرِّكٍ طَعَاماً لَكُمْ، فَتَأْكُلُونَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا تَأْكُلُونَ الْبُقُولَ الْخَضْرَاءَ الَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ. ٤ وَلَكِنْ لَا تَأْكُلُوا لَحْماً بِدَمِهِ. ٥ وَأُطَالِبُ أَنَا بِدَمِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أُطَالِبُ بِهِ، وَمِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَيْضاً أُطَالِبُ الأَخَ بِنَفْسِ أَخِيهِ الإِنْسَانِ. ٦ فَسَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِسَفْكِ دَمِهِ لأَنَّ اللهَ خَلَقَ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. ٧ أَمَّا أَنْتُمْ فَأَثْمِرُوا وَتَكَاثَرُوا وَتَوَالَدُوا فِي الأَرْضِ».
٨ وَخَاطَبَ الرَّبُّ نُوحاً وَأَبْنَاءَهُ مَعَهُ قَائِلاً: ٩ «هَا أَنَا أقْطَعُ عَهْدِي مَعَكُمْ وَمَعْ ذُرِّيَّتِكُمْ، ١٠ وَمَعْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمْ، مِنْ طُيُورٍ وَبَهَائِمَ، وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ الَّتِي خَرَجَتْ مَعَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ، مَعْ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ عَلَى الأَرْضِ. ١١ أقْطَعُ عَهْدِي مَعَكُمْ بِأَنْ لَا يُبِيدَ الطُّوفَانُ كُلَّ ذِي جَسَدٍ ثَانِيَةً، وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ طُوفَانٌ لِيَقْضِيَ عَلَى الْحَيَاةِ فِي الأَرْضِ». ١٢ وَقَالَ الرَّبُّ: «وَهَذِهِ هِيَ عَلامَةُ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ الَّذِي أُقِيمُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمْ: ١٣ أَضَعُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ عَلامَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ. ١٤ فَيَكُونُ عِنْدَمَا أُخَيِّمُ بِالسَّحَابِ فَوْقَ الأَرْضِ، وَتَظْهَرُ الْقَوْسُ، ١٥ أَنِّي أَذْكُرُ عَهْدِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ مِنْ ذَوَاتِ الْجَسَدِ، فَلا تَتَحَوَّلُ الْمِيَاهُ إِلَى طُوفَانٍ يُبِيدُ كُلَّ حَيَاةٍ. ١٦ وَتَكُونُ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، فَأُبْصِرُهَا، وَأَذْكُرُ الْعَهْدَ الأَبَدِيَّ الْمَقْطُوعَ بَيْنِي وَبَيْنَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ عَلَى الأَرْضِ». ١٧ وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «هَذِهِ هِيَ عَلامَةُ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ حَيٍّ عَلَى الأَرْضِ».
أبناء نوح
١٨ أَمَّا أَبْنَاءُ نُوحٍ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ مِنَ الْفُلْكِ فَكَانُوا: سَاماً وَحَاماً وَيَافَثَ. وَحَامٌ هُوَ أَبُو الْكَنْعَانِيِّينَ. ١٩ هَؤُلاءِ كَانُوا أَبْنَاءَ نُوحٍ الثَّلاثَةَ الَّذِينَ تَفَرَّعَتْ مِنْهُمْ شُعُوبُ الأَرْضِ كُلِّهَا.
٢٠ وَاشْتَغَلَ نُوحٌ بِالْفِلاحَةِ وَغَرَسَ كَرْماً، ٢١ وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خَيْمَتِهِ، ٢٢ فَشَاهَدَ حَامٌ أَبُو الْكَنْعَانِيِّينَ عُرْيَ أَبِيهِ، فَخَرَجَ وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ اللَّذَيْنِ كَانَا خَارِجاً. ٢٣ فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ رِدَاءً وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا الْقَهْقَرِيَّ إِلَى دَاخِلِ الْخَيْمَةِ، وَسَتَرَا عُرْيَ أَبِيهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدِيرَا بِوَجْهَيْهِمَا نَحْوَهُ فَيُبْصِرَا عُرْيَهُ. ٢٤ وَعِنْدَمَا أَفَاقَ نُوحٌ مِنْ سُكْرِهِ وَعَلِمَ مَا فَعَلَهُ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ ٢٥ قَالَ: «لِيَكُنْ كَنْعَانُ مَلْعُوناً، وَلْيَكُنْ عَبْدَ الْعَبِيدِ لإِخْوَتِهِ». ٢٦ ثُمَّ قَالَ: «تَبَارَكَ اللهُ إِلَهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ. ٢٧ لِيُوْسِعِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي خِيَامِ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ».
٢٨ وَعَاشَ نُوحٌ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثَلاثَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، ٢٩ ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً.
١٠
سجل سلالات الشعوب
١ هَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ سَامٍ وَحَامٍ وَيَافَثَ أَبْنَاءِ نُوحٍ، وَمَنْ وُلِدَ لَهُمْ مِنْ بَعْدِ الطُّوفَانِ.
أبناء يافث
٢ أَبْنَاءُ يَافَثَ: جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَايُ وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشَكُ وَتِيرَاسُ. ٣ وَأَبْنَاءُ جُومَرَ: أَشْكَنَازُ وَرِيفَاثُ وَتُوجَرْمَةُ. ٤ وَأَبْنَاءُ يَاوَانَ: أَلِيشَةُ وَتَرْشِيشُ وَكِتِّيمُ وَدُودَانِيمُ. ٥ وَتَفَرَّعَ مِنْ هَؤُلاءِ سُكَّانُ الْجَزَائِرِ وَتَفَرَّقُوا فِي مَنَاطِقِهِمْ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وَأُمَمِهِمْ، وَلُغَاتِهِمْ.
أبناء حام
٦ وَأَبْنَاءُ حَامٍ: كُوشٌ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطُ وَكَنْعَانُ. ٧ وَأَبْنَاءُ كُوشٍ: سَبَا، وَحَوِيلَةُ، وَسَبْتَةُ وَرَعْمَةُ وَسَبْتَكَا. وَأَبْنَاءُ رَعْمَةَ: سَبَا وَدَدَانُ. ٨ وَأَنْجَبَ كُوْشُ نِمْرُودَ الَّذِي مَا لَبِثَ أَنْ أَصْبَحَ عَاتِياً فِي الأَرْضِ. ٩ كَانَ صَيَّاداً عَاتِياً أَمَامَ الرَّبِّ، لِذَلِكَ يُقَالُ: «كَنِمْرُودَ جَبَّارُّ صَيْدٍ أَمَامَ الرَّبِّ». ١٠ وَقَدْ تَكَوَّنَتْ مَمْلَكَتُهُ أَوَّلَ الأَمْرِ مِنْ بَابِلَ وَأَرَكَ وَأَكَّدَ وَكَلْنَةَ فِي أَرْضِ شِنْعَارَ. ١١ وَمِنْ تِلْكَ الأَرْضِ خَرَجَ أَشُّورُ وَبَنَى مُدُنَ نِينَوَى وَرَحُبُوتَ عَيْرَ وَكَالَحَ، ١٢ وَرَسَنَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَ نِينَوَى وَكَالَحَ. وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْكَبِيرَةُ. ١٣ وَمِنْ مِصْرَايِمَ تَحَدَّرَتْ هَذِهِ الْقَبَائِلُ: اللُّودِيُّونَ وَالْعَنَامِيُّونَ، وَاللهَابِيُّونَ وَالنَّفْتُوحِيُّونَ ١٤ وَالْفَتْرُوسِيُّونَ وَالْكَسْلُوحِيُّونَ. وَمِنْهُمْ تَحَدَّرَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَالْكَفْتُورِيُّونَ. ١٥ وَأَنْجَبَ كَنْعَانُ صِيدُونَ ابْنَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ حِثًّا، ١٦ وَمِنْهُ تَحَدَّرَتْ قَبَائِلُ الْيَبُوسِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ، ١٧ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْعَرْقِيِّينَ وَالسِّينِيِّينَ، ١٨ وَالأَرْوَادِيِّينَ وَالصَّمَارِيِّينَ وَالْحَمَاتِيِّينَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ انْتَشَرَتِ الْقَبَائِلُ الْكَنْعَانِيَّةُ ١٩ فِي الأَرَاضِي الْوَاقِعَةِ بَيْنَ صِيدُونَ وَغَزَّةَ مُرُوراً بِجَرَارَ، وَبَيْنَ صِيدُونَ وَلاشَعَ مُرُوراً بِسَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأَدْمَةَ وَصَبُويِيمَ. ٢٠ كَانَ هَؤُلاءِ هُمُ الْمُنْحَدِرُونَ مِنْ حَامٍ بِحَسَبِ قَبَائِلِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ وَشُعُوبِهِمْ.
أبناء سام
٢١ وَأَنْجَبَ سَامٌ، أَخُو يَافَثَ الأَكْبَرُ، أَبْنَاءً. وَمِنْهُ تَحَدَّرَ جَمِيعُ بَنِي عَابِرَ. ٢٢ أَمَّا أَبْنَاءُ سَامٍ فَهُمْ: عِيلامُ وَأَشُّورُ وَأَرْفَكْشَادُ وَلُودُ وَأَرَامُ ٢٣ وَأَبْنَاءُ أَرَامَ: عُوصُ، وَحُولُ، وَجَاثَرُ وَمَاشُ. ٢٤ وَأَنْجَبَ أَرْفَكْشَادُ شَالَحَ، وَوَلَدَ شَالَحُ عَابِرَ. ٢٥ وَوُلِدَ لِعَابِرَ ابْنَانِ: اسْمُ أَحَدِهِمَا فَالَجُ (وَمَعْنَاهُ انْقِسَامٌ) لأَنَّ أَهْلَ الأَرْضِ انْقَسَمُوا فِي أَيَّامِهِ. وَاسْمُ أَخِيهِ يَقْطَانُ. ٢٦ وَأَنْجَبَ يَقْطَانُ أَلْمُودَادَ وَشَالَفَ وَحَضَرْمَوْتَ وَيَارَحَ، ٢٧ وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقْلَةَ، ٢٨ وَعُوبَالَ وَأَبِيمَايِلَ وَشَبَا، ٢٩ وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ وَيُوبَابَ. وَهَؤُلاءِ جَمِيعُهُمْ أَبْنَاءُ يَقْطَانَ. ٣٠ وَقَدِ اسْتَوْطَنُوا فِي الأَرَاضِي الْوَاقِعَةِ بَيْنَ مِيشَا وَالتِّلالِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ جَبَلِ سَفَارَ. ٣١ هَؤُلاءِ هُمُ الْمُنْحَدِرُونَ مِنْ سَامٍ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ وَشُعُوبِهِمْ.
٣٢ هَذِهِ هِيَ الْقَبَائِلُ الْمُنْحَدِرَةُ مِنْ أَبْنَاءِ نُوحٍ حَسَبَ شُعُوبِهِمْ، وَمِنْهُمُ انْتَشَرَتِ الأُمَمُ فِي الأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ.
١١
برج بابل
١ وَكَانَ أَهْلُ الأَرْضِ جَمِيعاً يَتَكَلَّمُونَ أَوَّلاً بِلِسَانٍ وَاحِدٍ وَلُغَةٍ وَاحِدَةٍ. ٢ وَإِذِ ارْتَحَلُوا شَرْقاً وَجَدُوا سَهْلاً فِي أَرْضِ شِنْعَارَ فَاسْتَوْطَنُوا هُنَاكَ. ٣ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنَصْنَعْ طُوباً مَشْوِيًّا أَحْسَنَ شَيٍّ». فَاسْتَخْدَمُوا الطُّوبَ بَدِيلاً لِلْحِجَارَةِ بِالطُّوبِ، وِالْحُمْرَ بَدِيلاً للطِّينِ. ٤ ثُمَّ قَالُوا: «لِنُشَيِّدْ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً يَبْلُغُ رَأْسُهُ السَّمَاءَ، فَنُخَلِّدَ لَنَا اسْماً لِئَلّا نَتَشَتَّتَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ كُلِّهَا». ٥ وَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَشْهَدَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ شَرَعَ بَنُو الْبَشَرِ فِي بِنَائِهِمَا. ٦ فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنْ كَانُوا، كَشَعْبٍ وَاحِدٍ يَنْطِقُونَ بِلُغَةٍ وَاحِدَةٍ، قَدْ عَمِلُوا هَذَا مُنْذُ أَوَّلِ الأَمْرِ، فَلَنْ يَمْتَنِعَ إِذاً عَلَيْهِمْ أَيُّ شَيْءٍ عَزَمُوا عَلَى فِعْلِهِ. ٧ هَيَّا نَنْزِلْ إِلَيْهِمْ وَنُبَلْبِلْ لِسَانَهُمْ، حَتَّى لَا يَفْهَمَ بَعْضُهُمْ كَلامَ بَعْضٍ». ٨ وَهَكَذَا شَتَّتَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى سَطْحِ الأَرْضِ كُلِّهَا، فَكَفُّوا عَنْ بِنَاءِ الْمَدِينَةِ، ٩ لِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْمَدِينَةُ «بَابِلَ» لأَنَّ الرَّبَّ بَلْبَلَ لِسَانَ أَهْلِ كُلِّ الأَرْضِ، وَبِالتَّالِي شَتَّتَهُمْ مِنْ هُنَاكَ فِي أَرْجَاءِ الأَرْضِ كُلِّهَا.
من سام إلى أبرام
١٠ وَهَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ سَامٍ. لَمَّا كَانَ سَامٌ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ وَلَدَ أَرْفَكْشَادَ بَعْدَ الطُّوفَانِ بِسَنَتَيْنِ. ١١ وَعَاشَ سَامٌ بَعْدَ ذَلِكَ خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ١٢ وَعِنْدَمَا بَلَغَ أَرْفَكْشَادُ خَمْساً وَثَلاثِينَ سَنَةً مِنَ الْعُمْرِ وَلَدَ شَالَحَ. ١٣ وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاثَ سَنَوَاتٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ١٤ وَكَانَ شَالَحُ فِي الثَّلاثِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وَلَدَ عَابِرَ. ١٥ وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاثَ سَنَوَاتٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ١٦ وَكَانَ عُمْرُ عَابِرَ أَرْبَعاً وَثَلاثِينَ سَنَةً عِنْدَمَا وَلَدَ فَالَجَ. ١٧ وَعَاشَ عَابِرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ١٨ وَكَانَ عُمْرُ فَالَجَ ثَلاثِينَ سَنَةً عِنْدَمَا وَلَدَ رَعُوَ. ١٩ وَعَاشَ فَالَجُ بَعْدَ ذَلِكَ مِئَتَيْنِ وَتِسْعَ سِنِينَ وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ٢٠ وَكَانَ عُمْرُ رَعُوَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ سَنَةً عِنْدَمَا وَلَدَ سَرُوجَ. ٢١ وَعَاشَ رَعُو بَعْدَ ذَلِكَ مِئَتَيْنِ وَسَبْعَ سِنِينَ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ٢٢ وَكَانَ عُمْرُ سَرُوجَ ثَلاثِينَ سَنَةً عِنْدَمَا وَلَدَ نَاحُورَ. ٢٣ وَعَاشَ سَرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ مِئَتَيْ سَنَةٍ، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ٢٤ وَكَانَ عُمْرُ نَاحُورَ تِسْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً عِنْدَمَا وَلَدَ تَارَحَ. ٢٥ وَعَاشَ نَاحُورُ بَعْدَ ذَلِكَ مِئَةً وَتِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وُلِدَ لَهُ فِيهَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ. ٢٦ وَعِنْدَمَا بَلَغَ تَارَحُ السَّبْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ أَنْجَبَ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ.
سلسلة نسب أبرام
٢٧ وَهَذَا هُوَ سِجِلُّ مَوَالِيدِ تَارَحَ: وَلَدَ تَارَحُ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ. وَوَلَدَ هَارَانُ لُوطاً. ٢٨ وَمَاتَ هَارَانُ قَبْلَ تَارَحَ أَبِيهِ فِي أَرْضِ مَوْلِدِهِ فِي أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ. ٢٩ وَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ. وَكَانَ اسْمُ زَوْجَةِ أَبْرَامَ سَارَايَ، وَاسْمُ زَوْجَةِ نَاحُورَ مِلْكَةَ بِنْتَ هَارَانَ الَّذِي أَنْجَبَ مِلْكَةَ وَيِسْكَةَ. ٣٠ وَكَانَتْ سَارَايُ عَاقِراً لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ. ٣١ وَأَخَذَ تَارَحُ ابْنَهُ أَبْرَامَ وَحَفِيدَهُ لُوطاً بْنَ هَارَانَ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ زَوْجَةَ ابْنِهِ أَبْرَامَ، وَارْتَحَلَ بِهِمْ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. ٣٢ لَكِنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى حَارَانَ وَاسْتَقَرُّوا فِيهَا. وَهُنَاكَ مَاتَ تَارَحُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ مِئَتَانِ وَخَمْسُ سِنِينَ.
١٢
دعوة أبرام
١ وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اتْرُكْ أَرْضَكَ وَعَشِيرَتَكَ وَبَيْتَ أَبِيكَ وَاذْهَبْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ، ٢ فَأَجْعَلَ مِنْكَ أُمَّةً كَبِيرَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً (لِكَثِيرِينَ). ٣ وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَأَلْعَنُ لاعِنِيكَ، وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ». ٤ فَارْتَحَلَ أَبْرَامُ كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ، وَرَافَقَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ فِي الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا غَادَرَ حَارَانَ. ٥ وَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ زَوْجَتَهُ وَلُوطاً ابْنَ أَخِيهِ وَكُلَّ مَا جَمَعَاهُ مِنْ مُقْتَنَيَاتٍ وَكُلَّ مَا امْتَلَكَاهُ مِنْ نُفُوسٍ فِي حَارَانَ، وَانْطَلَقُوا جَمِيعاً إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى أَنْ وَصَلُوهَا.
٦ فَشَرَعَ أَبْرَامُ يَتَنَقَّلُ فِي الأَرْضِ إِلَى أَنْ بَلَغَ مَوْضِعَ شَكِيمَ إِلَى سَهْلِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ آنَئِذٍ يَقْطُنُونَ تِلْكَ الأَرْضَ. ٧ وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «سَأُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ لِذُرِّيَّتِكَ». فَبَنَى أَبْرَامُ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ. ٨ وَانْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيلٍ حَيْثُ نَصَبَ خِيَامَهُ مَا بَيْنَ بَيْتِ إِيلٍ غَرْباً وَعَايَ شَرْقاً وَشَيَّدَ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ وَدَعَا بِاسْمِهِ. ٩ ثُمَّ تَابَعَ أَبْرَامُ ارْتِحَالَهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ.
أبرام في مصر
١٠ وَعَمَّتْ تِلْكَ الْبِلادَ مَجَاعَةٌ، فَانْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ فِيهَا لأَنَّ الْمَجَاعَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً فِي الأَرْضِ. ١١ وَمَا إِنِ اقْتَرَبَ مِنْ تُخُومِ مِصْرَ حَتَّى قَالَ لِزَوْجَتِهِ سَارَايَ: «أَنَا أَعْرِفُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ، ١٢ فَمَا إِنْ يَرَاكِ الْمِصْرِيُّونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذِهِ هِيَ زَوْجَتُهُ فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَحْيُونَكِ. ١٣ لِذَلِكَ قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي، فَيُحْسِنُوا مُعَامَلَتِي مِنْ أَجْلِكِ وَتَنْجُوَ حَيَاتِي بِفَضْلِكِ».
١٤ وَلَمَّا اقْتَرَبَ أَبْرَامُ مِنْ مِصْرَ اسْتَرْعَى جَمَالُ سَارَايَ أَنْظَارَ الْمِصْرِيِّينَ، ١٥ وَشَاهَدَهَا أَيْضاً رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ فَأَشَادُوا بِها أَمَامَهُ. فَأُخِذَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ. ١٦ فَأَحْسَنَ إِلَى أَبْرَامَ بِسَبَبِهَا وَأَجْزَلَ لَهُ الْعَطَاءَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ وَالْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ وَالأُتُنِ وَالْجِمَالِ. ١٧ وَلَكِنَّ الرَّبَّ ابْتَلَى فِرْعَوْنَ وَأَهْلَهُ بِبَلايَا عَظِيمَةٍ بِسَبَبِ سَارَايَ زَوْجَةِ أَبْرَامَ. ١٨ فَاسْتَدْعَى فِرْعَوْنُ أَبْرَامَ وَسَأَلَهُ: «مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟ لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي أَنَّهَا زَوْجَتُكَ؟ ١٩ وَلِمَاذَا ادَّعَيْتَ أَنَّهَا أُخْتُكَ حَتَّى أَخَذْتُهَا لِتَكُونَ زَوْجَةً لِي؟ وَالآنَ هَا هِيَ زَوْجَتُكَ، خُذْهَا وَامْضِ فِي طَرِيقِكَ». ٢٠ وَأَوْصَى فِرْعَوْنُ رِجَالَهُ بِأَبْرَامَ، فَشَيَّعُوهُ وَامْرَأَتَهُ وَكُلَّ مَا كَانَ يَمْلِكُ.
١٣
انفصال أبرام ولوط
١ وَغَادَرَ أَبْرَامُ مِصْرَ وَتَوَجَّهَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ وَلُوطٌ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ، نَحْوَ مِنْطَقَةِ النَّقَبِ ٢ وَكَانَ أَبْرَامُ يَمْلِكُ ثَرْوَةً طَائِلَةً مِنَ الْمَوَاشِي وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ. ٣ وَظَلَّ يَتنَقَّلُ فِي مِنْطَقَةِ النَّقَبِ مُتَّجِهاً إِلَى بَيْتِ إِيلٍ، إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ قَدْ نَصَبَ فِيهِ خِيَامَهُ أَوَّلاً بَيْنَ بَيْتِ إِيلٍ وَعَايَ. ٤ حَيْثُ كَانَ قَدْ شَيَّدَ الْمَذْبَحَ أَوَّلاً، وَدَعَا هُنَاكَ أَبْرَامُ بِاسْمِ الرَّبِّ.
٥ وَكَانَ لِلُوطٍ الْمُرَافِقِ لأَبْرَامَ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَخِيَامٌ أَيْضاً. ٦ فَضَاقَتْ بِهِمَا الأَرْضُ لِكَثْرَةِ أَمْلاكِهِمَا فَلَمْ يَقْدِرَا أَنْ يَسْكُنَا مَعاً. ٧ وَنَشَبَ نِزَاعٌ بَيْنَ رُعَاةِ مَوَاشِي أَبْرَامَ وَرُعَاةِ مَوَاشِي لُوطٍ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْكَنْعَانِيُّونَ وَالْفِرِزِّيُّونَ يُقِيمُونَ فِي الأَرْضِ. ٨ فَقَالَ أَبْرَامُ لِلُوطٍ: «لا يَكُنْ نِزَاعٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَلا بَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ. ٩ أَلَيْسَتِ الأَرْضُ كُلُّهَا أَمَامَكَ؟ فَاعْتَزِلْ عَنِّي. إِنِ اتَّجَهْتَ شِمَالاً، أَتَّجِهْ أَنَا يَمِيناً، وَإِنْ تَحَوَّلْتَ يَمِيناً، أَتَحَوَّلْ أَنَا شِمَالاً».
١٠ وَتَلَفَّتَ لُوطٌ حَوْلَهُ فَشَاهَدَ السُّهُولَ الْمُحِيطَةَ بِنَهْرِ الأُرْدُنِّ وَإذَا بِها رَيَّانَةٌ كُلُّهَا، قَبْلَمَا دَمَّرَ الرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَكَأَنَّهَا جَنَّةُ الرَّبِّ كَأَرْضِ مِصْرَ الْمُمْتَدَّةِ إِلَى صُوغَرَ. ١١ فَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ حَوْضَ الأُرْدُنِّ كُلَّهُ وَارْتَحَلَ شَرْقاً. وَهَكَذَا اعْتَزَلَ أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ. ١٢ وَسَكَنَ أَبْرَامُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَقَامَ لُوطٌ فِي مُدُنِ السَّهْلِ حَيْثُ نَصَبَ خِيَامَهُ بِجُوَارِ سَدُومَ. ١٣ وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ مُتَوَرِّطِينَ فِي الشَّرِّ وَخَاطِئِينَ جِدّاً أَمَامَ الرَّبِّ.
١٤ وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ بَعْدَ أَنِ اعْتَزَلَ عَنْهُ لُوطٌ: «ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَتَلَفَّتْ حَوْلَكَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، شِمَالاً وَجَنُوباً، شَرْقاً وَغَرْباً، ١٥ فَإِنَّ هَذِهِ الأَرْضَ الَّتِي تَرَاهَا، سَأُعْطِيهَا لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ إِلَى الأَبَدِ. ١٦ وَسَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يُحْصِيَ تُرَابَ الأَرْضِ يَقْدِرُ آنَئِذٍ أَنْ يُحْصِيَ نَسْلَكَ ١٧ قُمْ وَامْشِ فِي طُولِ الأَرْضِ وَعَرْضِهَا لأَنِّي لَكَ أُعْطِيهَا». ١٨ فَنَقَلَ أَبْرَامُ خِيَامَهُ ونَصَبَهَا فِي سَهْلِ مَمْرَا فِي حَبْرُونَ. وَهُنَاكَ بَنَى لِلرَّبِّ مَذْبَحاً.
١٤
أبرام ينقذ لوطاً
١ وَحَدَثَ فِي زَمَانِ أَمْرَافَلَ مَلِكِ شِنْعَارَ وَأَرْيُوكَ مَلِكِ أَلاسَارَ وَكَدَرْلَعَوْمَرَ مَلِكِ عِيلامَ وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِيمَ، ٢ أَنَّ حَرْباً نَشَبَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَارَعَ مَلِكِ سَدُومَ وَبِرْشَاعَ مَلِكِ عَمُورَةَ وَشِنْآبَ مَلِكِ أَدْمَةَ وَشِمْئِيبَرَ مَلِكِ صَبُويِيمَ، وَمَلِكِ بَالَعَ الْمَعْرُوفَةِ بِصُوغَرَ. ٣ هَؤُلاءِ جَمِيعُهُمُ احْتَشَدُوا فِي وَادِي السِّدِّيمِ (وَهُوَ بَحْرُ الْمِلْحِ؛ الْبَحْرُ الْمَيِّتُ) ٤ وَكَانَ كَدَرْلَعَوْمَرُ قَدِ اسْتَعْبَدَهُمْ طَوَالَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ تَمَرَّدُوا عَلَيْهِ. ٥ وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ اجْتَمَعَ كَدَرْلَعَوْمَرُ وَحُلَفَاؤُهُ الْمُلُوكُ وَقَهَرُوا الرَّفَائِيِّينَ فِي عَشْتَارُوثَ قَرْنَايِمَ، وَالزُّوزِيِّينَ فِي هَامَ، وَالإِيمِيِّينَ فِي سَهْلِ قَرْيَتَايِمَ، ٦ وَالْحُورِيِّينَ فِي جَبَلِهِمْ سَعِيرَ حَتَّى بُطْمَةِ فَارَانَ عَلَى حُدُودِ الصَّحْرَاءِ. ٧ ثُمَّ اسْتَدَارُوا حَتَّى أَقْبَلُوا عَلَى عَيْنِ مِشْفَاطَ، الَّتِي هِيَ قَادِشُ، فَهَزَمُوا بِلادَ الْعَمَالِقَةِ كُلَّهَا وَالأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي حَصُّونَ تَامَارَ.
٨ فَخَرجَ مَلِكُ سَدُومَ وَمَلِكُ عَمُورَةَ وَمَلِكُ أَدْمَةَ وَمَلِكُ صَبُويِيمَ وَمَلِكُ بَالَعَ، الَّتِي هِيَ صُوغَرُ، فِي عُمْقِ السِّدِّيمِ وَخَاضُوا حَرْباً ٩ مَعْ كَدَرْلَعَوْمَرَ مَلِكِ عِيلامَ وَتِدْعَالَ مَلِكِ جُويِيمَ وَأَمْرَافَلَ مَلِكِ شِنْعَارَ وَأَرْيُوكَ مَلِكِ أَلاسَارَ، فَكَانُوا أَرْبَعَةَ مُلوكٍ ضِدَّ خَمْسَةٍ. ١٠ وَكَانَ وَادِي السِّدِّيمِ مَلِيئاً بِآبَارِ الزِّفْتِ، فَانْدَحَرَ مَلِكَا سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَسَقَطَا بَيْنَهَا، أَمَّا الْبَاقُونَ فَهَرَبُوا إِلَى الْجِبَالِ. ١١ فَغَنِمَ الْمُنْتَصِرُونَ جَمِيعَ مَا فِي سَدُومَ وَعَمُورَةَ مِنْ مُمْتَلَكَاتٍ وَمُؤَنٍ وَمَضَوْا. ١٢ وَأَسَرُوا لُوطاً ابْنَ أَخِي أَبْرَامَ الْمُقِيمَ فِي سَدُومَ، وَنَهَبُوا أَمْلاكَهُ ثُمَّ ذَهَبُوا.
إنقاذ لوط من الأسر
١٣ وَجَاءَ أَحَدُ النَّاجِينَ إِلَى أَبْرَامَ الْعِبْرَانِيِّ، الَّذِي كَانَ مُقِيماً حَتَّى ذَلِكَ الْوَقْتِ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا أَخِي أَشْكُولَ وَعَانِرَ حُلَفَاءِ أَبْرَامَ، وَأَبْلَغَهُ بِمَا جَرَى. ١٤ فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ قَدْ أُسِرَ، جَرَّدَ ثَلاثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ غِلْمَانِهِ الْمُدَرَّبِينَ الْمَوْلُودِينَ فِي بَيْتِهِ وَتَعَقَّبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ دَانَ ١٥ وَفِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ قَسَّمَ رِجَالَهُ، وَهَاجَمَهُمْ وَقَهَرَهُمْ، ثُمَّ طَارَدَهُمْ حَتَّى حُوبَةَ شَمَالِيَّ دِمَشْقَ. ١٦ وَاسْتَرَدَّ كُلَّ الْغَنَائِمِ، وَاسْتَرْجَعَ ابْنَ أَخِيهِ لُوطاً وَأَمْلاكَهُ، وَالنِّسَاءَ أَيْضاً وَسِوَاهُمْ مِنَ الأَسْرَى.
ملكيصادق يبارك أبرام
١٧ وَجَاءَ مَلِكُ سَدُومَ لِلِقَاءِ أَبْرَامَ فِي وَادِي شَوَى الْمَعْرُوفِ بِوَادِي الْمَلِكِ، بَعْدَ عَوْدَتِهِ مِنْ كَسْرَةِ كَدَرْلَعَوْمَرَ وَالْمُلُوكِ حُلَفَائِهِ. ١٨ وَكَذَلِكَ حَمَلَ إِلَيْهِ مَلْكِي صَادِقُ مَلِكُ شَالِيمَ، الَّذِي كَانَ كَاهِناً لِلهِ الْعَلِيِّ، خُبْزاً وَخَمْراً، ١٩ وَبَارَكَهُ قَائِلاً: «لِتَكُنْ عَلَيْكَ يَا أَبْرَامُ بَرَكَةُ اللهِ الْعَلِيِّ، مَالِكِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. ٢٠ وَتَبَارَكَ اللهُ الْعَلِيُّ الَّذِي دَفَعَ أَعْدَاءَكَ إِلَى يَدَيْكَ». فَأَعْطَاهُ أَبْرَامُ عُشْرَ الْغَنَائِمِ كُلِّهَا. ٢١ وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لأَبْرَامَ: «أَعْطِنِي الأَسْرَى الْمَعْتُوقِينَ أَمَّا الْغَنَائِمُ فَاحْتَفِظْ بِها لِنَفْسِكَ». ٢٢ فَأَجَابَهُ أَبْرَامُ: «لَقَدْ أَقْسَمْتُ بِالرَّبِّ الإِلَهِ الْعَلِيِّ، مَالِكِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ٢٣ وَعَاهَدْتُهُ أَلّا آخُذَ شَيْئاً مِمَّا هُوَ لَكَ، وَلَوْ كَانَ خَيْطاً أَوْ شَرِيطَ حِذَاءٍ، لِئَلّا تَقُولَ: أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ ٢٤ لَنْ آخُذَ غَيْرَ مَا أَكَلَهُ الْغِلْمَانُ. أَمَّا نَصِيبُ الرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعِي: عَانِرَ وَأَشْكُولَ وَمَمْرَا، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ».
١٥
عهد الله مع أبرام
١ وَبَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ قَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ فِي الرُّؤْيَا: «لا تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ. وَأَجْرُكَ عَظِيمٌ جِدّاً». ٢ فَقَالَ أَبْرَامُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ أَيُّ خَيْرٍ فِي مَا تُعْطِينِي وَأَنَا مِنْ غَيْرِ عَقِبٍ وَوَارِثُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟» ٣ وَقَالَ أَبْرَامُ أَيْضاً: «إِنَّكَ لَمْ تُعْطِنِي نَسْلاً، وَهَا هُوَ عَبْدٌ مَوْلُودٌ فِي بَيْتِي يَكُونُ وَارِثِي» ٤ فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «لَنْ يَكُونَ هَذَا لَكَ وَرِيثاً، بَلِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ يَكُونُ وَرِيثَكَ». ٥ وَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ إِلَى الْخَارِجِ وَقَالَ: «انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ ذَلِكَ». ثُمَّ قَالَ لَهُ: «هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ». ٦ فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسَبَهُ لَهُ بِرّاً، ٧ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَتَى بِكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لأُعْطِيَكَ هَذِهِ الأَرْضَ مِيرَاثاً». ٨ فَسَأَلَ: «كَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي أَرِثُهَا؟» ٩ فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «خُذْ لِي عِجْلَةً وَعَنْزَةً وَكَبْشاً، عُمْرُ كُلٍّ مِنْهَا ثَلاثُ سَنَوَاتٍ، وَيَمَامَةً وَحَمَامَةً». ١٠ فَأَخَذَ هَذِهِ كُلَّهَا وَشَقَّ الْبَهَائِمَ مِنَ الْوَسَطِ إِلَى شَطْرَيْنِ، وَجَعَلَ كُلَّ شَطْرٍ مِنْهَا مُقَابِلَ الشَّطْرِ الآخَرِ. أَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ يَشْطُرْهُ. ١١ وَعِنْدَمَا أَخَذَتِ الطُّيُورُ الْجَارِحَةُ تَنْقَضُّ عَلَى الْجُثَثِ زَجَرَهَا أَبْرَامُ.
١٢ وَلَمَّا مَالَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ غَرِقَ أَبْرَامُ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ، وَإذَا بِظُلْمَةٍ مُخِيفَةٍ وَمُتَكَاثِفَةٍ تَكْتَنِفُهُ. ١٣ فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «تَيَقَّنْ أَنَّ نَسْلَكَ سَيَتَغَرَّبُ فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، فَيَسْتَعْبِدُهُمْ أَهْلُهَا وَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ. ١٤ وَلَكِنَّنِي سَأَدِينُ تِلْكَ الأُمَّةَ الَّتِي اسْتَعْبَدَتْهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْوَالٍ طَائِلَةٍ. ١٥ أَمَّا أَنْتَ فَسَتَمُوتُ بِسَلامٍ وَتُدْفَنُ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ. ١٦ أَمَّا هُمْ فَسَيَرْجِعُونَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَجْيَالٍ إِلَى هُنَا، لأَنَّ إِثْمَ الأَمُورِيِّينَ لَمْ يَكْتَمِلْ بَعْدُ». ١٧ وَعِنْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَخَيَّمَ الظَّلامُ (ظَهَرَ) تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِشْعَلُ نَارٍ يَجْتَازُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ.
١٨ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ اللهُ عَهْداً مَعْ أَبْرَامَ قَائِلاً: «سَأُعْطِي نَسْلَكَ هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ وَادِي الْعَرِيشِ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. ١٩ أَرْضَ الْقَيْنِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ، وَالْقَدْمُونِيِّينَ ٢٠ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ ٢١ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ».
١٦
هاجر وإسماعيل
١ وَأَمَّا سَارَايُ زَوْجَةُ أَبْرَامَ فَقَدْ كَانَتْ عَاقِراً، وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ تُدْعَى هَاجَرَ. ٢ فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ حَرَمَنِي مِنَ الْوِلادَةِ، فَادْخُلْ عَلَيْهَا لَعَلَّنِي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ». فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِكَلامِ زَوْجَتِهِ. ٣ وَهَكَذَا بَعْدَ إِقَامَةِ عَشْرِ سَنَوَاتٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، أَخَذَتْ سَارَايُ جَارِيَتَهَا الْمِصْرِيَّةَ هَاجَرَ وَأَعْطَتْهَا لِرَجُلِهَا أَبْرَامَ لِتَكُونَ زَوْجَةً لَهُ.
٤ فَعَاشَرَ هَاجَرَ فَحَبِلَتْ مِنْهُ. وَلَمَّا أَدْرَكَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ هَانَتْ مَوْلاتُهَا فِي عَيْنَيْهَا، ٥ فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «لِيَقَعْ ظُلْمِي عَلَيْكَ، فَأَنَا قَدْ زَوَّجْتُكَ مِنْ جَارِيَتِي وَحِينَ أَدْرَكَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ هِنْتُ فِي عَيْنَيْهَا. لِيَقْضِ الرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ». ٦ فَأَجَابَهَا أَبْرَامُ: «هَا هِيَ جَارِيَتُكِ تَحْتَ تَصَرُّفِكِ، فَافْعَلِي بِها مَا يَحْلُو لَكِ». فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ حَتَّى هَرَبَتْ مِنْهَا.
٧ فَوَجَدَهَا مَلاكُ الرَّبِّ بِالْقُرْبِ مِنْ عَيْنِ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى شُورٍ. ٨ فَقَالَ: «يَا هَاجَرُ جَارِيَةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ جِئْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟». فَأَجَابَتْ: «إِنَّنِي هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ سَيِّدَتِي سَارَايَ». ٩ فَقَالَ لَهَا مَلاكُ الرَّبِّ: «عُودِي إِلَى مَوْلاتِكِ وَاخْضَعِي لَهَا». ١٠ وَقَالَ لَهَا مَلاكُ الرَّبِّ: «لأُكَثِّرَنَّ نَسْلَكِ فَلا يَعُودُ يُحْصَى»، ١١ وَأَضَافَ مَلاكُ الرَّبِّ: «هُوَذَا أَنْتِ حَامِلٌ، وَسَتَلِدِينَ ابْناً تَدْعِينَهُ إِسْمَاعِيلَ (وَمَعْنَاهُ: اللهُ يَسْمَعُ) لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ شَقَائِكِ. ١٢ وَيَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيًّا يُعَادِي الْجَمِيعَ وَالْجَمِيعُ يُعَادُونَهُ، وَيَعِيشُ مُسْتَوْحِشاً مُتَحَدِّياً كُلَّ إِخْوَتِهِ». ١٣ فَدَعَتِ اسْمَ الرَّبِّ الَّذِي خَاطَبَهَا: «أَنْتَ اللهُ الَّذِي رَآنِي» لأَنَّهَا قَالَتْ: «حَقّاً رَأَيْتُ الآنَ الَّذِي يَرَانِي» ١٤ لِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْبِئْرُ «بِئْرَ لَحَيْ رُئِي» (وَمَعْنَاهُ بِئْرُ الْحَيِّ الَّذِي يَرَانِي) وَهِيَ وَاقِعَةٌ بَيْنَ قَادَشَ وَبَارَدَ.
١٥ ثُمَّ وَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ابْناً، فَدَعَا أَبْرَامُ ابْنَهُ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ لَهُ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ. ١٦ وَكَانَ أَبْرَامُ فِي السَّادِسَةِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وَلَدَتْ لَهُ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ.
١٧
عهد الختان
١ وَعِنْدَمَا كَانَ أَبْرَامُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ، ظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ قَائِلاً: «أَنَا هُوَ اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، ٢ فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرَ نَسْلَكَ جِدّاً». ٣ فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ، فَخَاطَبَهُ اللهُ قَائِلاً: ٤ «هَا أَنَا أَقْطَعُ لَكَ عَهْدِي، فَتَكُونُ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ. ٥ وَلَنْ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدَ الآنَ أَبْرَامَ (وَمَعْنَاهُ الأَبُ الرَّفِيعُ) بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ (وَمَعْنَاهُ أَبٌ لِجُمْهُورٍ) لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ؛ ٦ وَأُصَيِّرُكَ مُثْمِراً جِدّاً، وَأَجْعَلُ أُمَماً تَتَفَرَّعُ مِنْكَ، وَيَخْرُجُ مِنْ نَسْلِكَ مُلُوكٌ. ٧ وَأُقِيمُ عَهْدِي الأَبَدِيَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ، فَأَكُونُ إِلَهاً لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. ٨ وَأَهَبُكَ أَنْتَ وَذُرِّيَّتَكَ مِنْ بَعْدِكَ جَمِيعَ أَرْضِ كَنْعَانَ، الَّتِي نَزَلْتَ فِيهَا غَرِيباً، مُلْكاً أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً».
٩ وَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «أَمَّا أَنْتَ فَاحْفَظْ عَهْدِي، أَنْتَ وَذُرِّيَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ مَدَى أَجْيَالِهِمْ. ١٠ هَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ الَّذِي عَلَيْكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ: أَنْ يُخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْكُمْ ١١ تَخْتِنُونَ رَأْسَ قُلْفَةِ غُرْلَتِكُمْ فَتَكُونُ عَلامَةَ الْعَهْدِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ١٢ تَخْتِنُونَ عَلَى مَدَى أَجْيَالِكُمْ كُلَّ ذَكَرٍ فِيكُمُ ابْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلُودُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ أَمْ كَانَ ابْناً لِغَرِيبٍ مُشْتَرىً بِمَالِكَ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. ١٣ فَعَلَى كُلِّ وَلِيدٍ سَوَاءٌ وُلِدَ فِي بَيْتِكَ أَمِ اشْتُرِيَ بِمَالٍ أَنْ يُخْتَنَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْداً أَبَدِيًّا. ١٤ أَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ، يُسْتَأْصَلُ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ لأَنَّهُ نَكَثَ عَهْدِي».
١٥ وَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «أَمَّا سَارَايُ زَوْجَتُكَ فَلا تَدْعُوهَا سَارَايَ بَعْدَ الآنَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُهَا سَارَةَ (وَمَعْنَاهُ أَمِيرةٌ). ١٦ وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ ابْناً مِنْهَا. سَأُبَارِكُهَا وَأَجْعَلُهَا أُمّاً لِشُعُوبٍ، وَمِنْهَا يَتَحَدَّرُ مُلُوكُ أُمَمٍ». ١٧ فَانْطَرَحَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ قَائِلاً فِي نَفْسِهِ: «أَيُوْلَدُ ابْنٌ لِمَنْ بَلَغَ الْمِئَةَ مِنْ عُمْرِهِ؟ وَهَلْ تُنْجِبُ سَارَةُ وَهِيَ فِي التِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهَا؟»
١٨ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَحْيَا فِي رِعَايَتِكَ». ١٩ فَأَجَابَ الرَّبُّ: «إِنَّ سَارَةَ زَوْجَتَكَ هِيَ الَّتِي تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحاقَ (وَمَعْنَاهُ يَضْحَكُ). وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ وَمَعَ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَهْداً أَبَدِيًّا. ٢٠ أَمَّا إِسْمَاعِيلُ، فَقَدِ اسْتَجَبْتُ لِطِلْبَتِكَ مِنْ أَجْلِهِ. سَأُبَارِكُهُ حَقّاً، وَأَجْعَلُهُ مُثْمِراً، وَأُكَثِّرُ ذُرِّيَّتَهُ جِدّاً فَيَكُونُ أَباً لاثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً، وَيُصْبِحُ أُمَّةً كَبِيرَةً. ٢١ غَيْرَ أَنَّ عَهْدِي أُبْرِمُهُ مَعَ إِسْحاقَ الَّذِي تُنْجِبُهُ لَكَ سَارَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ». ٢٢ وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ مُحَادَثَتِهِ فَارَقَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ.
٢٣ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ وَجَمِيعَ الْمَوْلُودِينَ فِي بَيْتِهِ وَكُلَّ مَنِ اشْتُرِيَ بِمَالٍ، كُلَّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَخَتَنَ لَحْمَ غُرْلَتِهِمْ كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. ٢٤ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ، ٢٥ أَمَّا إِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ فَقَدْ كَانَ ابْنَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. ٢٦ وَهَكَذَا خُتِنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ فِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ. ٢٧ وَكَذَلِكَ خُتِنَ مَعَهُ كُلُّ رِجَالِ بَيْتِهِ الْمَوْلُودِينَ فِيهِ وَالْمُبْتَاعِينَ بِمَالٍ مِنَ الْغَرِيبِ.
١٨
الزائرون الثلاثة
١ ثُمَّ ظَهَرَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَقْتَ اشْتِدَادِ حَرِّ النَّهَارِ، ٢ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَإذَا بِهِ يَرَى ثَلاثَةَ رِجَالٍ مَاثِلِينَ لَدَيْهِ. فَأَسْرَعَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ. ٣ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي، إِنْ كُنْتُ قَدْ حَظِيْتُ بِرِضَاكَ فَلا تَعْبُرْ عَنْ عَبْدِكَ. ٤ بَلْ دَعْنِي أُقَدِّمُ لَكُمْ بَعْضَ مَاءٍ تَغْسِلُونَ بِهِ أَرْجُلَكُمْ وَتَتَّكِئُونَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، ٥ ثُمَّ آتِي لَكُمْ بِلُقْمَةِ خُبْزٍ تُسْنِدُونَ بِها قُلُوبَكُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تُوَاصِلُونَ مَسِيرَتَكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ مِلْتُمْ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمْ». فَأَجَابُوهُ: «حَسَناً، لِيَكُنْ كَمَا قُلْتَ».
٦ فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى دَاخِلِ الْخَيْمَةِ إِلَى زَوْجَتِهِ سَارَةَ وَقَالَ: «هَيَّا أَسْرِعِي وَاعْجِنِي ثَلاثَ كَيْلاتٍ مِنْ أَفْضَلِ الدَّقِيقِ وَاخْبِزِيهَا». ٧ ثُمَّ أَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ نَحْوَ قَطِيعِهِ وَاخْتَارَ عِجْلاً غَضّاً مُسَمَّناً وَأَعْطَاهُ لِغُلامٍ كَيْ يُجَهِّزَهُ. ٨ ثُمَّ أَخَذَ زُبْداً وَلَبَناً وَالْعِجْلَ الَّذِي طَبَخَهُ، وَمَدَّهَا أَمَامَهُمْ، وَبَقِيَ وَاقِفاً فِي خِدْمَتِهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهُمْ يَأْكُلُونَ.
٩ ثُمَّ سَأَلُوهُ: «أَيْنَ زَوْجَتُكَ؟» فَأَجَابَ: «هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ». ١٠ فَقَالَ: «إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ فَتَكُونُ سَارَةُ آنَئِذٍ قَدْ وَلَدَتْ لَكَ ابْناً». وَكَانَتْ سَارَةُ وَرَاءَهُ، عِنْدَ بَابِ الْخَيْمَةِ، فَسَمِعَتْ حَدِيثَهُ. ١١ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ عَجُوزَيْنِ طَاعِنَيْنِ جِدّاً فِي السِّنِّ وَقَدْ تَجَاوَزَتْ سَارَةُ سِنَّ الْيَأْسِ. ١٢ فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي نَفْسِهَا قَائِلَةً: «أَبَعْدَ أَنْ فَنِيَ عُمْرِي وَأَصْبَحَ زَوْجِي شَيْخاً يَكُونُ لِي هَذَا التَّنَعُّمُ؟» ١٣ فَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَحَقّاً أَلِدُ ابْناً وَقَدْ بَلَغْتُ سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ؟ ١٤ أَيَتَعَذَّرُ عَلَى الرَّبِّ شَيْءٌ؟ سَأَرْجِعُ إِلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ السَّنَةِ الْقَادِمَةِ فَتَكُونُ سَارَةُ قَدْ أَنْجَبَتِ ابْناً». ١٥ فَخَافَتْ سَارَةُ وَأَنْكَرَتْ قَائِلَةً: «لَمْ أَضْحَكْ». فَقَالَ: «لا، بَلْ ضَحِكْتِ».
تضرع إبراهيم لأجل سدوم وعمورة
١٦ ثُمَّ نَهَضَ الرِّجَالُ وَتَطَلَّعُوا نَحْوَ سَدُومَ. فَمَشَى إِبْرَاهِيمُ مَعَهُمْ لِيُوَدِّعَهُمْ. ١٧ فَقَالَ الرَّبُّ: «أَأَكْتُمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ؟ ١٨ وَإِبْرَاهِيمُ لابُدَّ أَنْ يُصْبِحَ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَبِهِ تَتَبَارَكُ شُعُوبُ الأَرْضِ جَمِيعاً، ١٩ لأَنَّنِي قَدِ اخْتَرْتُهُ لِيُوْصِيَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَيْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، عَامِلِينَ الْبِرَّ وَالْعَدْلَ، حَتَّى يُنْجِزَ الرَّبُّ مَا وَعَدَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ». ٢٠ وَقَالَ الرَّبُّ: «لأَنَّ الشَّكْوَى ضِدَّ مَظَالِمِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَتْ وَخَطِيئَتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدّاً ٢١ أَنْزِلُ لأَرَى إِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ مُطَابِقَةً لِلشَّكْوَى ضِدَّهُمْ وَإلَّا فَأَعْلَمُ». ٢٢ وَانْطَلَقَ الرَّجُلانِ مِنْ هُنَاكَ نَحْوَ سَدُومَ، وَبَقِيَ إِبْرَاهِيمُ مَاثِلاً أَمَامَ الرَّبِّ.
٢٣ فَاقْتَرَبَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: «أَتُهْلِكُ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ؟ ٢٤ لَوْ وُجِدَ فِي الْمَدِينَةِ خَمْسُونَ بَارّاً، فَهَلْ تُدَمِّرُهَا وَلا تَصْفَحُ عَنْهَا مِنْ أَجْلِ الْخَمْسِينَ بَارّاً الَّذِينَ فِيهَا؟ ٢٥ تَنَزَّهْتَ عَنْ أَنْ تُهْلِكَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ؛ حَاشَا لَكَ. أَدَيَّانُ الأَرْضِ كُلِّهَا لَا يُجْرِي عَدْلاً؟» ٢٦ فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنْ وَجَدْتُ فِي سَدُومَ خَمْسِينَ بَارّاً فَإِنَّنِي أَصْفَحُ عَنِ الْمَكَانِ كُلِّهِ مِنْ أَجْلِهِمْ». ٢٧ فَأَجَابَ إِبْرَاهِيمُ: «هَا أَنَا قَدْ أَخَذْتُ فِي مُخَاطَبَةِ الْمَوْلَى، مَعَ أَنَّنِي لَسْتُ سِوَى تُرَابٍ وَرَمَادٍ. ٢٨ مَاذَا لَوْ نَقَصَ الْخَمْسُونَ بَارّاً خَمْسَةً؟ أَفَتُهْلِكُ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا مِنْ أَجْلِ الْخَمْسَةِ؟» فَأَجَابَهُ: «إِنْ وَجَدْتُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ بَارّاً لَا أُهْلِكُهَا». ٢٩ فَخَاطَبَهُ إِبْرَاهِيمُ ثَانِيَةً: «وَمَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ أَرْبَعُونَ بَارّاً فَقَطْ؟». فَأَجَابَهُ: «لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الأَرْبَعِينَ». ٣٠ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «لا يَغْضَبِ الْمَوْلَى، بَلْ دَعْنِي أَتَكَلَّمُ. مَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ ثَلاثُونَ بَارّاً؟». فَأَجَابَهُ: «لا أُهْلِكُهَا إِنْ وَجَدْتُ ثَلاثِينَ». ٣١ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «هَا أَنَا قَدِ اسْتَرْسَلْتُ فِي الْكَلامِ أَمَامَ الْمَوْلَى، فَمَاذَا لَوْ وَجَدْتَ هُنَاكَ عِشْرِينَ بَارّاً؟» فَقَالَ: «لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْعِشْرِينَ». ٣٢ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «لا يَغْضَبِ الْمَوْلَى، فَأَتَكَلَّمَ مَرَّةً أُخْرَى: مَاذَا لَوْ وُجِدَ هُنَاكَ عَشَرَةٌ؟». فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «لا أُهْلِكُهَا مِنْ أَجْلِ الْعَشَرَةِ». ٣٣ وَعِنْدَمَا فَرَغَ الرَّبُّ مِنْ مُحَادَثَةِ إِبْرَاهِيمَ مَضَى، وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَكَانِهِ.
١٩
دمار سدوم وعمورة
١ وَأَقْبَلَ الْمَلاكَانِ عَلَى سَدُومَ عِنْدَ الْمَسَاءِ. وَكَانَ لُوطٌ جَالِساً عِنْدَ بَابِ سَدُومَ، فَمَا إِنْ رَآهُمَا حَتَّى نَهَضَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ، ٢ وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، انْزِلا فِي بَيْتِ عَبْدِكُمَا لِتَقْضِيَا لَيْلَتَكُمَا، وَاغْسِلا أَرْجُلَكُمَا، وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ تَمْضِيَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». لَكِنَّهُمَا قَالا: «لا، بَلْ نَمْكُثُ اللَّيْلَةَ فِي السَّاحَةِ». ٣ فَأَصَرَّ عَلَيْهِمَا جِدّاً حَتَّى قَبِلا الذَّهَابَ مَعَهُ وَالنُّزُولَ فِي بَيْتِهِ. فَأَعَدَّ لَهُمَا مَأْدُبَةً وَخَبَزَ فَطِيراً فَأَكَلا.
٤ وَقَبْلَ أَنْ يَرْقُدَا، حَاصَرَ رِجَالُ مَدِينَةِ سَدُومَ مِنْ أَحْدَاثٍ وَشُيُوخٍ، الْبَيْتَ، ٥ وَنَادُوا لُوطاً: «أَيْنَ الرَّجُلانِ اللَّذَانِ اسْتَضَفْتَهُمَا اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنُضَاجِعَهُمَا». ٦ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ بَعْدَ أَنْ أَغْلَقَ الْبَابَ خَلْفَهُ، ٧ وَقَالَ: «لا تَرْتَكِبُوا شَرّاً يَا إِخْوَتِي. ٨ هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ عَذْرَاوَانِ أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا مَا يَحْلُو لَكُمْ، أَمَّا هَذَانِ الرَّجُلانِ فَلا تُسِيئوا إِلَيْهِمَا لأَنَّهُمَا لَجَآ إِلَى حِمَى مَنْزِلِي». ٩ فَقَالُوا: «تَنَحَّ بَعِيداً»، وَأَضَافُوا: «لَقَدْ جَاءَ هَذَا الإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ بَيْنَنَا، وَهَا هُوَ يَتَحَكَّمُ فِينَا. الآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرّاً أَكْثَرَ مِنْهُمَا». وَتَدَافَعُوا حَوْلَ لُوطٍ وَتَقَدَّمُوا لِيُحَطِّمُوا الْبَابَ. ١٠ غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ مَدَّا أَيْدِيَهُمَا وَاجْتَذَبَا لُوطاً إِلَى دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَأَغْلَقَا الْبَابَ. ١١ ثُمَّ ضَرَبَا الرِّجَالَ، صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ، الْوَاقِفِينَ أَمَامَ بَابِ الْبَيْتِ بِالْعَمَى، فَعَجَزُوا عَنِ الْعُثُورِ عَلَى الْبَابِ.
١٢ وَقَالَ الرَّجُلانِ لِلُوطٍ: «أَلَكَ أَقْرِبَاءُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ؟ أَصْهَارٌ وَأَبْنَاءٌ وَبَنَاتٌ أَوْ أَيُّ شَخْصٍ آخَرَ يَمُتُّ إِلَيْكَ بِصِلَةٍ؟ أَخْرِجْهُمْ مِنْ هُنَا، ١٣ لأَنَّنَا عَازِمَانِ عَلَى تَدْمِيرِ هَذَا الْمَكَانِ، إِذْ أَنَّ صُرَاخَ الشَّكْوَى مِنْ شَرِّهِ قَدْ تَعَاظَمَ أَمَامَ الرَّبِّ، فَأَرْسَلَنَا الرَّبُّ لِنُدَمِّرَهُ». ١٤ فَمَضَى لُوطٌ وَخَاطَبَ أَصْهَارَهُ أَزْوَاجَ بَنَاتِهِ، قَائِلاً: «هَيَّا. قُومُوا وَاخْرُجُوا مِنْ هَذَا الْمَكَانِ، لأَنَّ الرَّبَّ سَيُدَمِّرُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ». فَبَدَا كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ. ١٥ وَمَا إِنْ أَطَلَّ الْفَجْرُ حَتَّى طَفِقَ الْمَلاكَانِ يَلِحَّانِ عَلَى لُوطٍ قَائِلَيْنِ: «هَيَّا انْهَضْ وَخُذْ زَوْجَتَكَ وَابْنَتَيْكَ اللَّتَيْنِ هُنَا، لِئَلّا تَهْلِكَ بِإِثْمِ الْمَدِينَةِ». ١٦ وَإِذْ تَوَانَى لُوطٌ، أَمْسَكَ الرَّجُلانِ بِيَدِهِ وَأَيْدِي زَوْجَتِهِ وَابْنَتَيْهِ وَقَادَاهُمْ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ، لأَنَّ الرَّبَّ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ.
١٧ وَمَا إِنْ أَخْرَجَاهُمْ بَعِيداً حَتَى قَالَ أَحَدُ الْمَلاكَيْنِ: «اُنْجُ بِحَيَاتِكَ. لَا تَلْتَفِتْ وَرَاءَكَ وَلا تَتَوَقَّفْ فِي كُلِّ مِنْطَقَةِ السَّهْلِ. اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلّا تَهْلِكَ». ١٨ فَقَالَ لُوطٌ: «لَيْسَ هَكَذَا يَا سَيِّدُ. ١٩ هَا عَبْدُكَ قَدْ حَظِيَ بِرِضَاكَ، وَهَا أَنْتَ قَدْ عَظَّمْتَ لُطْفَكَ إِذْ أَنْقَذْتَ حَيَاتِي، وَأَنَا لَا أَسْتَطِيعُ اللُّجُوءَ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلّا يُدْرِكَنِي مَكْرُوهٌ فَأَمُوتَ. ٢٠ هَا هِيَ الْمَدِينَةُ قَرِيبَةٌ يَسْهُلُ الْهَرَبُ إِلَيْهَا. إِنَّهَا مَدِينَةٌ صَغِيرَةٌ، فَدَعْنِي أَلْجَأُ إِلَيْهَا. أَلَيْسَتْ هِيَ مَدِينَةً صَغِيرَةً جِدّاً فَأَنْجُوَ فِيهَا بِحَيَاتِي؟» ٢١ فَقَالَ لَهُ الْمَلاكُ: «إِنِّي قَدْ قَبِلْتُ طِلْبَتَكَ بِشَأْنِ هَذَا الأَمْرِ، وَلَنْ أُدَمِّرَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ الَّتِي ذَكَرْتَهَا ٢٢ أَسْرِعْ، وَاهْرُبْ إِلَيْهَا، لأَنَّنِي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ شَيْئاً إِلَى أَنْ تَبْلُغَهَا». لِذَلِكَ دُعِيَ اسْمُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ صُوغَرَ (وَمَعْنَاهَا صَغِيرَةٌ).
٢٣ وَمَا إِنْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى كَانَ لُوطٌ قَدْ دَخَلَ إِلَى صُوغَرَ، ٢٤ فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتاً وَنَاراً، مِنْ عِنْدِهِ مِنَ السَّمَاءِ. ٢٥ وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا، وَالسَّهْلَ الْمُحِيطَ بِها وَكُلَّ مَزْرُوعَاتِ الأَرْضِ. ٢٦ وَتَلَفَّتَتْ زَوْجَةُ لُوطٍ السَّائِرَةُ خَلْفَهُ وَرَاءَهَا، فَتَحَوَّلَتْ إِلَى عَمُودٍ مِنَ الْمِلْحِ.
٢٧ وَمَضَى إِبْرَاهِيمُ مُبَكِّراً فِي الصَّبَاحِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ أَمَامَ الرَّبِّ. ٢٨ وَتَطَلَّعَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَلِسَائِرِ أَرْضِ السَّهْلِ، فَأَبْصَرَ الدُّخَانَ يَتَصَاعَدُ مِنْهَا كَالأَتُونِ. ٢٩ وَهَكَذَا عِنْدَمَا دَمَّرَ اللهُ مُدُنَ السَّهْلِ ذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ، فَأَخْرَجَ لُوطاً قُبَيْلَ وُقُوعِ الْكَارِثَةِ حِينَ قَلَبَ الْمُدُنَ الَّتِي سَكَنَ فِيهَا لُوطٌ.
لوط وابنتاه
٣٠ وَغَادَرَ لُوطٌ وَابْنَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ صُوغَرَ، وَاسْتَقَرُّوا فِي الْجَبَلِ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَلَجَأَ هُوَ وَابْنَتَاهُ إِلَى كَهْفٍ هُنَاكَ. ٣١ فَقَالَتْ الابْنَةُ الْبِكْرُ لأُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ: «إِنَّ أَبَانَا قَدْ شَاخَ وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ حَوْلَنَا رَجُلٌ يَتَزَوَّجُنَا كَعَادَةِ كُلِّ النَّاسِ. ٣٢ فَتَعَالَيْ نَسْقِيهِ خَمْراً وَنَضْطَجِعُ مَعَهُ فَلا تَنْقَطِعُ ذُرِّيَّةُ أَبِينَا». ٣٣ فَسَقَتَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَبَاهُمَا خَمْراً، وَأَقْبَلَتْ الابْنَةُ الْكُبْرَى وَضَاجَعَتْ أَبَاهَا فَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلا بِقِيَامِهَا. ٣٤ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَتْ الابْنَةُ الْبِكْرُ لأُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ مَعَ أَبِي لَيْلَةَ أَمْسِ، فَتَعَالَيْ نَسْقِيهِ اللَّيْلَةَ أَيْضاً خَمْراً ثُمَّ ادْخُلِي وَاضْطَجِعِي مَعَهُ فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». ٣٥ فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْراً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضاً وَأَقْبَلَتْ الابْنَةُ الصَّغِيرَةُ وَضَاجَعَتْ أَبَاهَا. فَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلا بِقِيَامِهَا. ٣٦ وَهَكَذَا حَمَلَتْ الابْنَتَانِ كِلْتَاهُمَا مِنْ أَبِيهِمَا. ٣٧ فَوَلَدَتِ الْكُبْرَى ابْناً دَعَتْهُ مُوآبَ (وَمَعْنَاهُ مِنَ الأَبِ)، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ، ٣٨ أَمَّا الصُّغْرَى فَوَلَدَتِ ابْناً وَدَعَتْهُ «بِنْ عَمِّي» (وَمَعْنَاهُ ابْنُ قَوْمِي) وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ.
٢٠
إبراهيم وأبيمالك
١ وَارْتَحَلَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَرْضِ النَّقَبِ، وَأَقَامَ بَيْنَ قَادَشَ وَشُورَ، وَتَغَرَّبَ فِي جَرَارَ. ٢ وَهُنَاكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ سَارَةَ زَوْجَتِهِ: «هِيَ أُخْتِي». فَأَرْسَلَ أَبِيمَالِكُ مَلِكُ جَرَارَ وَأَحْضَرَ سَارَةَ إِلَيْهِ. ٣ وَلِكَنَّ اللهَ تَجَلَّى لأَبِيمَالِكَ فِي حُلْمٍ فِي اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ سَتَمُوتُ بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذْتَهَا، فَإِنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ». ٤ وَلَمْ يَكُنْ أَبِيمَالِكُ قَدْ مَسَّهَا بَعْدُ، فَقَالَ لِلرَّبِّ: «أَتُمِيتُ أُمَّةً بَرِيئَةً؟ ٥ أَلَمْ يَقُلْ لِي إِنَّهَا أُخْتِي وَهِيَ نَفْسُهَا ادَّعَتْ أَنَّهُ أَخُوهَا؟ مَا فَعَلْتُ هَذَا إِلّا بِسَلامَةِ قَلْبِي وَطَهَارَةِ يَدَيَّ». ٦ فَأَجَابَهُ الرَّبُّ: «أَنَا أَيْضاً عَلِمْتُ أَنَّكَ بِسَلامَةِ قَلْبِكَ قَدْ فَعَلْتَ هَذَا، وَأَنَا أَيْضاً مَنَعْتُكَ مِنْ أَنْ تُخْطِئَ إِلَيَّ وَلَمْ أَدَعْكَ تَمَسُّهَا. ٧ وَالآنَ، رُدَّ لِلرَّجُلِ زَوْجَتَهُ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، فَيُصَلِّيَ مِنْ أَجْلِكَ فَتَحْيَا. وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهَا فَإِنَّك وَكُلَّ مَنْ لَكَ حَتْماً تَمُوتُونَ».
٨ فَبَكَّرَ أَبِيمَالِكُ فِي الصَّبَاحِ وَاسْتَدْعَى جَمِيعَ عَبِيدِهِ، وَأَطْلَعَهُمْ عَلَى جَلِيَّةِ الأَمْرِ، فَاعْتَرَاهُمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ. ٩ ثُمَّ دَعَا أَبِيمَالِكُ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا فَعَلْتَ بِنَا؟ أَيُّ خَطَأٍ ارْتَكَبْتُهُ فِي حَقِّكَ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيَّ وَعَلَى مَمْلَكَتِي هَذَا الذَّنْبَ الْعَظِيمَ؟ لَقَدِ اقْتَرَفْتَ فِي حَقِّي أُمُوراً مَا كَانَ يَجِبُ أَنْ تَقْتَرِفَهَا». ١٠ وَسَأَلَ أَبِيمَالِكُ إِبْرَاهِيمَ: «مَاذَا بَدَا لَكَ حَتَّى ارْتَكَبْتَ هَذَا الْفِعْلَ؟» ١١ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «لَقَدْ فَعَلْتُ هَذَا لأَنَّنِي ظَنَنْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِأَسْرِهِ خَوْفُ اللهِ فَخَشِيتُ أَنْ تَقْتُلُونِي مِنْ أَجْلِ زَوْجَتِي. ١٢ وَهِيَ بِالْحَقِيقَةِ أُخْتِي، ابْنَةُ أَبِي، غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ابْنَةَ أُمِّي فَاتَّخَذْتُهَا زَوْجَةً لِي. ١٣ وَعِنْدَمَا دَعَانِي اللهُ لأَتَغَرَّبَ بَعِيداً عَنْ بَيْتِ أَبِي قُلْتُ لَهَا: حَيْثُمَا نَذْهَبُ قُولِي إِنِّي أَخُوكِ فَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي تَصْنَعِينَهُ لِي».
١٤ فَأَخَذَ أَبِيمَالِكُ غَنَماً وَبَقَراً وَعَبِيداً وَإِمَاءً وَقَدَّمَهَا لإِبْرَاهِيمَ، وَأَرْجَعَ إِلَيْهِ سَارَةَ زَوْجَتَهُ. ١٥ وَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «هَا هِيَ أَرْضِي أَمَامَكَ فَأَقِمْ حَيْثُ طَابَ لَكَ». ١٦ وَقَالَ لِسَارَةَ: «هَا قَدْ وَهَبْتُ أَخَاكِ أَلْفَ قِطْعَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، تَبْرِئَةً لَكِ مِنْ كُلِّ إِسَاءَةٍ أَمَامَ الَّذِينَ مَعَكِ، فَأَنْتِ بَرِيئَةٌ أَمَامَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَهَكَذَا تَكُونِينَ قَدْ أُنْصِفْتِ». ١٧ فَابْتَهَلَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى اللهِ، فَشَفَى أَبِيمَالِكَ وَزَوْجَتَهُ وَجَوَارِيَهُ فَوَلَدْنَ. ١٨ لأَنَّ الرَّبَّ كَانَ قَدْ أَصَابَ نِسَاءَ بَيْتِ أَبِيمَالِكَ بِالْعُقْمِ مِنْ أَجْلِ سَارَةَ زَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ.
٢١
مولد إسحاق
١ وَافْتَقَدَ الرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قَالَ، وَأَنْجَزَ لَهَا مَا وَعَدَ بِهِ. ٢ فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَوَلَدَتْ لإِبْرَاهِيمَ فِي شَيْخُوخَتِهِ ابْناً، فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ اللهُ لَهُ. ٣ فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ لَهُ سَارَةُ «إِسْحاقَ». ٤ وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ بِمُوجِبِ أَمْرِ اللهِ. ٥ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ بَلَغَ الْمِئَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا وُلِدَ لَهُ إِسْحاقُ. ٦ وَقَالَتْ سَارَةُ «لَقَدْ أَضْحَكَنِي الرَّبُّ. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ هَذَا الأَمْرَ يَضْحَكُ مَعِي». ٧ وَأَضَافَتْ أَيْضاً: «مَنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ لإِبْرَاهِيمَ إِنَّ سَارَةَ سَتُرْضِعُ بَنِينَ؟ فَهَا أَنَا قَدْ أَنْجَبْتُ لَهُ ابْناً فِي شَيْخُوخَتِهِ». ٨ وَكَبُرَ إِسْحاقُ وَفُطِمَ. فَأَقَامَ إِبْرَاهِيمُ فِي يَوْمِ فِطَامِهِ مَأْدُبَةً عَظِيمَةً.
طرد هاجر وإسماعيل
٩ وَرَأَتْ سَارَةُ أَنَّ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَسْخَرُ مِنِ ابْنِهَا إِسْحاقَ، ١٠ فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، فَإِنَّ ابْنَ الْجَارِيَةِ لَنْ يَرِثَ مَعَ ابْنِي إِسْحاقَ». ١١ فَقَبُحَ هَذَا الْقَوْلُ فِي نَفْسِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ. ١٢ فَقَال اللهُ لَهُ: «لا يَسُوءُ فِي نَفْسِكَ أَمْرُ الصَّبِيِّ أَوْ أَمْرُ جَارِيَتِكَ، وَاسْمَعْ لِكَلامِ سَارَةَ فِي كُلِّ مَا تُشِيرُ بِهِ عَلَيْكَ لأَنَّهُ بِإِسْحاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. ١٣ وَسَأُقِيمُ مِنِ ابْنِ الْجَارِيَةِ أُمَّةً أَيْضاً لأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ».
١٤ فَنَهَضَ إِبْرَاهِيمُ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ وَأَخَذَ خُبْزاً وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَدَفَعَهُمَا إِلَى هَاجَرَ، وَوَضَعَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهَا، ثُمَّ صَرَفَهَا مَعَ الصَّبِيِّ. فَهَامَتْ عَلَى وَجْهِهَا فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ. ١٥ وَعِنْدَمَا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الصَّبِيَّ تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ، ١٦ وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ، عَلَى بُعْدِ نَحْوِ مِئَةِ مِتْرٍ، لأَنَّهَا قَالَتْ: «لا أَشْهَدُ مَوْتَ الصَّبِيِّ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ.
١٧ وَسَمِعَ اللهُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَنَادَى مَلاكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا الَّذِي يُزْعِجُكِ يَا هَاجَرُ؟ لَا تَخَافِي، لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُلْقىً. ١٨ قُومِي وَاحْمِلِي الصَّبِيَّ، وَتَشَبَّثِي بِهِ لأَنَّنِي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً». ١٩ ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ وَسَقَتِ الصَّبِيَّ. ٢٠ وَكَانَ اللهُ مَعَ الصَّبِيِّ فَكَبُرَ، وَسَكَنَ فِي صَحْرَاءِ فَارَانَ، وَبَرَعَ فِي رَمْيِ الْقَوْسِ. ٢١ وَاتَّخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ مِصْرَ.
العهد في بئر سبع
٢٢ وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ خَاطَبَ أَبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ قَائِدُ جَيْشِهِ إِبْرَاهِيمَ قَائِلَيْنِ: «إِنَّ اللهَ مَعَكَ فِي كُلِّ مَا تَقُومُ بِهِ، ٢٣ فَاحْلِفْ لِي الآنَ بِاللهِ أَنْ لَا تَغْدُرَ بِي وَلا بِنَسْلِي وَذُرِّيَّتِي، بَلْ تُحْسِنَ إِلَيَّ وَإِلَى شَعْبِي الَّذِي تَغَرَّبْتَ بَيْنَهُ، كَمَا أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ». ٢٤ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «أَحْلِفُ». ٢٥ وَعَاتَبَ إِبْرَاهِيمُ أَبِيمَالِكَ مِنْ أَجْلِ الْبِئْرِ الَّتِي اغْتَصَبَهَا عَبِيدُ أَبِيمَالِكَ، ٢٦ فَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «لَسْتُ أَعْلَمُ مَنِ ارْتَكَبَ هَذَا الأَمْرَ، وَأَنْتَ لَمْ تُخْبِرْنِي بِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْهُ سِوَى الْيَوْمِ». ٢٧ ثُمَّ أَعْطَى إِبْرَاهِيمُ أَبِيمَالِكَ غَنَماً وَبَقَراً وَقَطَعَ كِلاهُمَا عَهْداً.
٢٨ وَفَرَزَ إِبْرَاهِيمُ سَبْعَ نِعَاجٍ مِنَ الْغَنَمِ وَحْدَهَا. ٢٩ فَقَالَ أَبِيمَالِكُ لإِبْرَاهِيمَ: «مَاذَا تَقْصِدُ بِهَذِهِ النِّعَاجِ السَّبْعِ الَّتِي فَرَزْتَهَا جَانِباً؟» ٣٠ فَأَجَابَ: «هِيَ سَبْعُ نِعَاجٍ أُقَدِّمُهَا لَكَ بِيَدِي شَهَادَةً لِي أَنَّنِي حَفَرْتُ هَذِهِ الْبِئْرَ». ٣١ لِذَلِكَ دَعَا ذَلِكَ الْمَكَانَ بِئْرَ سَبْعٍ (وَمَعْنَاهْ بِئْرُ الْحَلْفِ) لأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِيمَالِكَ كِلاهُمَا حَلَفَا هُنَاكَ.
٣٢ وَهَكَذَا قَطَعَا عَهْداً فِي بِئْرِ سَبْعٍ، ثُمَّ نَهَضَ أَبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ رَئِيسُ جَيْشِهِ وَرَجَعَا إِلَى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. ٣٣ وَغَرَسَ إِبْرَاهِيمُ شَجَرَ أَثْلٍ فِي بِئْرِ سَبْعٍ، وَدَعَا هُنَاكَ بِاسْمِ الرَّبِّ الإِلَهِ السَّرْمَدِيِّ ٣٤ وَمَكَثَ إِبْرَاهِيمُ فِي بِلادِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَتْرَةً طَوِيلَةً.
٢٢
الله يمتحن إبراهيم
١ وَبَعْدَ هَذَا امْتَحَنَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ، فَنَادَاهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ» فَأَجَابَهُ: «لَبَّيْكَ». ٢ فَقَالَ لَهُ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، إِسْحاقَ الَّذِي تُحِبُّهُ، وَانْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَقَدِّمْهُ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَهْدِيكَ إِلَيْهِ». ٣ فَاسْتَيْقَظَ إِبْرَاهِيمُ مُبَكِّراً فِي الصَّبَاحِ التَّالِي، وَأَسْرَجَ حِمَارَهُ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ، وَابْنَهُ إِسْحاقَ. وَجَهَّزَ حَطَباً لِمُحْرَقَةٍ، وَانْطَلَقَ مَاضِياً إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ عَنْهُ. ٤ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَطَلَّعَ إِبْرَاهِيمُ فَشَاهَدَ الْمَكَانَ مِنْ بَعِيدٍ، ٥ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلامَيْهِ: «امْكُثَا هُنَا مَعَ الْحِمَارِ، رَيْثَمَا أَصْعَدُ أَنَا وَالصَّبِيُّ إِلَى هُنَاكَ لَنَتَعَبَّدَ لِلهِ ثُمَّ نَعُودَ إِلَيْكُمَا». ٦ فَحَمَّلَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحاقَ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ، وَأَخَذَ هُوَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ وَذَهَبَا كِلاهُمَا مَعاً. ٧ وَقَالَ إِسْحاقُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ: «يَا أَبِي». فَأَجَابَهُ: «نَعَمْ يَا بُنَيَّ». فَسَأَلَهُ: «هَا هِيَ النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلَكِنْ أَيْنَ خَرُوفُ الْمُحْرَقَةِ؟». ٨ فَرَدَّ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ: «إِنَّ اللهَ يُدَبِّرُ لِنَفْسِهِ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي». وَتَابَعَا مَسِيرَهُمَا مَعاً.
٩ وَلَمَّا بَلَغَا الْمَوْضِعَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ اللهُ شَيَّدَ إِبْرَاهِيمُ مَذْبَحاً هُنَاكَ، وَرَتَّبَ الْحَطَبَ، ثُمَّ أَوْثَقَ إِسْحاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. ١٠ وَمَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَتَنَاوَلَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. ١١ فَنَادَاهُ مَلاكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «إِبْرَاهِيمُ، إِبْرَاهِيمُ» فَأَجَابَ: «نَعَمْ». ١٢ فَقَالَ: «لا تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الصَّبِيِّ وَلا تُوْقِعْ بِهِ ضَرَراً لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ تَخَافُ اللهَ وَلَمْ تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». ١٣ وَإِذْ تَطَلَّعَ إِبْرَاهِيمُ حَوْلَهُ رَأَى خَلْفَهُ كَبْشاً قَدْ عَلِقَ بِفُرُوعِ أَشْجَارِ الْغَابَةِ، فَذَهَبَ وَأَحْضَرَهُ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضاً عَنِ ابْنِهِ. ١٤ وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ «يَهْوَهْ يِرْأَه» (وَمَعْنَاهُ: الرَّبُّ يُدَبِّرُ). وَلِذَلِكَ يُقَالُ حَتَّى الْيَوْمِ «فِي جَبَلِ الرَّبِّ، الإِلَهِ يُرَى».
١٥ وَنَادَى مَلاكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ مِنَ السَّمَاءِ مَرَّةً ثَانِيَةً: ١٦ وَقَالَ: «هَا أَنَا أُقْسِمُ بِذَاتِي يَقُولُ الرَّبُّ: لأَنَّكَ صَنَعْتَ هَذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تَمْنَعِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي، ١٧ لأُبَارِكَنَّكَ وَأُكَثِّرَنَّ ذُرِّيَّتَكَ فَتَكُونُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَرَمْلِ شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَتَرِثُ ذُرِّيَّتُكَ مُدُنَ أَعْدَائِهَا. ١٨ وَبِذُرِّيَّتِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، لأَنَّكَ أَطَعْتَنِي». ١٩ ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى غُلَامَيْهِ، وَعَادُوا جَمِيعاً إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ حَيْثُ أَقَامَ إِبْرَاهِيمُ.
ذرية ناحور
٢٠ وَقِيلَ لإِبْرَاهِيمَ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ: «هُوَذَا مِلْكَةُ أَيْضاً قَدْ وَلَدَتْ بَنِينَ لأَخِيكَ نَاحُورَ. ٢١ عُوصاً الْبِكْرَ، وَأَخَاهُ بُوزاً وَقُمُوئِيلَ أَبَا أَرَامَ، ٢٢ وَكَاسَدَ وَحَزْواً وَفِلْدَاشَ وَيِدْلافَ وَبَتُوئِيلَ». ٢٣ وَأَنْجَبَ بَتُوئِيلُ رِفْقَةَ. هَؤُلاءِ الثَّمَانِيَةُ أَنْجَبَتْهُمْ مِلْكَةُ لِنَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. ٢٤ كَذَلِكَ أَنْجَبَتْ لَهُ سُرِّيَّتُهُ الْمَدْعُوَّةُ رُؤُومَةَ طَابَحَ وَجَاحَمَ وَتَاحَشَ وَمَعْكَةَ.
٢٣
موت سارة ودفنها
١ وَعَاشَتْ سَارَةُ مِئَةً وَسَبْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً. ٢ ثُمَّ مَاتَتْ سَارَةُ فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ، أَيْ حَبْرُونَ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ لِيَنْدُبَ سَارَةَ وَيَبْكِيَ عَلَيْهَا. ٣ وَنَهَضَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَمَامِ الْجُثْمَانِ وَقَالَ لِلْحِثِّيِّينَ: ٤ «أَنَا غَرِيبٌ وَنَزِيلٌ بَيْنَكُمْ، فَمَلِّكُونِي مَعَكُمْ مَدْفَناً أُوَارِي فِيهِ مَيْتِي مِنْ أَمَامِي». ٥ فَأَجَابُوهُ قَائِلِينَ: ٦ «أَصْغِ لَنَا يَا سَيِّدِي. أَنْتَ رَئِيسٌ مِنَ اللهِ فِي وَسَطِنَا، فَادْفِنْ مَيْتَكَ فِي أَفْضَلِ قُبُورِنَا، فَلا أَحَدَ مِنَّا يَمْنَعُ قَبْرَهُ عَنْكَ لِتَدْفِنَ مَيْتَكَ». ٧ فَنَهَضَ إِبْرَاهِيمُ وَانْحَنَى أَمَامَ الْحِثِّيِّينَ أَهْلِ الْبِلادِ، ٨ وَقَالَ: «إِنْ طَابَتْ نُفُوسُكُمْ أَنْ أَدْفِنَ مَيْتِي مِنْ أَمَامِي، فَاسْمَعُوا لِي وَالْتَمِسُوا لأَجْلِي مِنْ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ، ٩ أَنْ يَبِيعَنِي مَغَارَةَ الْمَكْفِيلَةِ الَّتِي فِي طَرَفِ حَقْلِهِ، فَأَشْتَرِيَهَا مِنْهُ لِقَاءَ ثَمَنٍ كَامِلٍ، وَأَمْتَلِكَهَا لِتَكُونَ مَدْفَناً لِي فِي وَسَطِكُمْ». ١٠ وَكَانَ عِفْرُونُ جَالِساً بَيْنَ الْحِثِّيِّينَ، فَقَالَ فِي مَسَامِعِ الْحِثِّيِّينَ، أَمَامَ كُلِّ الْحَاضِرِينَ فِي مَجْلِسِ مَدِينَتِهِ: ١١ «لا يَا سَيِّدِي، بَلْ أَصْغِ إِلَيَّ، هُوَذَا الْحَقْلُ الَّذِي لِي وَالْمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ أَهَبُهُمَا لَكَ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ بَنِي شَعْبِي فَخُذْهُمَا وَادْفِنْ مَيْتَكَ». ١٢ فَانْحَنَى إِبْرَاهِيمُ أَمَامَ أَهْلِ الْبِلادِ مَرَّةً ثَانِيَةً، ١٣ وَقَالَ لِعِفْرُونَ فِي مَسَامِعِ شَعْبِ الأَرْضِ: «إِنْ كُنْتَ تَشَاءُ فَاسْمَعْ لِي. أَنَا أَدْفَعُ ثَمَنَ الْحَقْلِ. فَاقْبَلْ ذَلِكَ مِنِّي فَأَقُومَ بِدَفْنِ مَيْتِي هُنَاكَ». ١٤ فَأَجَابَ عِفْرُونُ إِبْرَاهِيمَ: ١٥ «أَصْغِ لِي يَا سَيِّدِي، إِنَّ الأَرْضَ تُسَاوِي أَرْبَعَ مِئَةِ شَاقِلٍ (حَوَالَي خَمْسَةِ كِيلُو جِرَامَاتٍ) مِنَ الْفِضَّةِ، وَهُوَ (ثَمَنٌ) لَا قِيمَةَ لَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَادْفِنْ مَيْتَكَ». ١٦ فَقَبِلَ إِبْرَاهِيمُ عَرْضَ عِفْرُونَ، وَوَزَنَ لَهُ الْفِضَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي مَسَامِعِ الْحِثِّيِّينَ. أَرْبَعَ مِئَةِ شَاقِلٍ رَائِجَةً بَيْنَ التُّجَّارِ.
١٧ وَبِمُقْتَضَى ذَلِكَ أَصْبَحَ حَقْلُ عِفْرُونَ الَّذِي فِي الْمَكْفِيلَةِ مُقَابِلَ مَمْرَا، وَالْمَغَارَةُ الَّتِي فِيهِ، وَجَمِيعُ الأَشْجَارِ الْقَائِمَةِ فِي كُلِّ الْحُدُودِ الْمُحِيطَةِ بِهِ، ١٨ مُلْكاً لإِبْرَاهِيمَ، بِمَشْهَدٍ مِنَ الْحِثِّيِّينَ وَسَائِرِ الْحَاضِرِينَ فِي مَجْلِسِ مَدِينَتِهِ. ١٩ وَبَعْدَ ذَلِكَ دَفَنَ إِبْرَاهِيمُ زَوْجَتَهُ سَارَةَ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ، مُقَابِلَ مَمْرَا. وَهِيَ حَبْرُونُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. ٢٠ فَامْتَلَكَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْحِثِّيِّينَ الْحَقْلَ وَالْمَغَارَةَ الَّتِي فِيهِ لِيَكُونَا مَدْفَناً لَهُ.
٢٤
إسحاق ورفقة
١ وَشَاخَ إِبْرَاهِيمُ وَتَقَدَّمَ بِهِ الْعُمْرُ. وَبَارَكَ الرَّبُّ إِبْرَاهِيمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ. ٢ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِرَئِيسِ عَبِيدِهِ، الْمُتَوَلِّي جَمِيعَ شُؤُونِ بَيْتِهِ: «ضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي، ٣ فَأَسْتَحْلِفَكَ بِالرَّبِّ إِلَهِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَنْ لَا تَأْخُذَ لابْنِي زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِيْنَ أَنَا مُقِيمٌ فِي وَسَطِهِمْ. ٤ بَلْ تَمْضِي إِلَى بَلَدِي وَإِلَى عَشِيرَتِي، وَتَأْخُذُ زَوْجَةً لابْنِي إِسْحاقَ». ٥ فَقَالَ لَهُ الْعَبْدُ: «هَبْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَتْبَعَنِي إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ، فَهَلْ أَرْجِعُ بِابْنِكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي ارْتَحَلْتَ عَنْهَا؟». ٦ فَأَجَابَ إِبْرَاهِيمُ: «إِيَّاكَ أَنْ تَرْجِعَ بِابْنِي إِلَى هُنَاكَ، ٧ فَالرَّبُّ إِلَهُ السَّمَاءِ الَّذِي أَخَذَنِي مِنْ بَيْتِ أَبِي وَمِنْ أَرْضِ قَوْمِي، وَخَاطَبَنِي وَأَقْسَمَ لِي قَائِلاً: لِذُرِّيَّتِكَ أَهَبُ هَذِهِ الأَرْضَ، هُوَ يُرْسِلُ مَلاكَهُ أَمَامَكَ لِتَأْخُذَ زَوْجَةً لابْنِي مِنْ هُنَاكَ. ٨ إِنْ أَبَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَتْبَعَكَ، تَكُونُ آنَئِذٍ فِي حِلٍّ مِنْ حَلْفِي هَذَا، أَمَّا ابْنِي فَإِيَّاكَ أَنْ تَرْجِعَ بِهِ إِلَى هُنَاكَ». ٩ فَوَضَعَ الْعَبْدُ يَدَهُ تَحْتَ فَخْذِ سَيِّدِهِ إِبْرَاهِيمَ وَحَلَفَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ.
١٠ وَاخْتَارَ الْعَبْدُ عَشَرَةَ جِمَالٍ وَحَمَّلَهَا مِنْ جَمِيعِ خَيْرَاتِ مَوْلاهُ الَّتِي فِي يَدِهِ، وَقَامَ وَانْطَلَقَ إِلَى أَرَامِ النَّهْرَيْنِ إِلَى مَدِينَةِ نَاحُورَ. ١١ وَهُنَاكَ أَنَاخَ الْجِمَالَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ عِنْدَ بِئْرِ الْمَاءِ وَقْتَ الْمَسَاءِ، فِي مَوْعِدِ خُرُوجِ الْمُسْتَقِيَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، ١٢ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهَ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ، أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ أَنْ تُيَسِّرَ أَمْرِي الْيَوْمَ وَتُسْدِيَ مَعْرُوفاً لِسَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ. ١٣ هَا أَنَا وَاقِفٌ عِنْدَ بِئْرِ الْمَاءِ حَيْثُ تُقْبِلُ بَنَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ١٤ فَلْيَكُنْ أَنَّ الْفَتَاةَ الَّتِي أَقُولُ لَهَا: ضَعِي جَرَّتَكِ لأَشْرَبَ مِنْهَا، فَتُجِيبُ: اشْرَبْ وَأَنَا أَسْقِي جِمَالَكَ أَيْضاً، تَكُونُ هِيَ الَّتِي اخْتَرْتَهَا لِعَبْدِكَ إِسْحاقَ. وَبِذَلِكَ أُدْرِكُ أَنَّكَ أَسْدَيْتَ مَعْرُوفاً لِسَيِّدِي».
١٥ وَقَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صَلاتَهُ إِذَا بِهِ يُشَاهِدُ رِفْقَةَ ابْنَةَ بَتُوئِيلَ ابْنِ مِلْكَةَ زَوْجَةِ نَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ مُقْبِلَةً، وَجَرَّتُهَا عَلَى كَتِفِهَا. ١٦ وَكَانَتِ الْفَتَاةُ رَائِعَةَ الْجَمَالِ، عَذْرَاءَ لَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ. فَنَزَلَتْ إِلَى الْعَيْنِ وَمَلأَتْ جَرَّتَهَا ثُمَّ صَعِدَتْ، ١٧ فَرَكَضَ الْعَبْدُ لِلِقَائِهَا وَقَالَ: «أَرْجُوكِ، اسْقِينِي قَلِيلاً مِنْ مَاءِ جَرَّتِكِ». ١٨ فَأَجَابَتِ الْفَتَاةُ: «اشْرَبْ يَا سَيِّدِي». وَأَسْرَعَتْ وَأَنْزَلَتْ جَرَّتَهَا عَلَى يَدِهَا وَسَقَتْهُ. ١٩ وَبَعْدَ أَنْ شَرِبَ قَالَتْ: «أَسْتَقِي لِجِمَالِكَ أَيْضاً حَتَّى تَرْتَوِيَ». ٢٠ وَمَضَتْ مُسْرِعَةً وَأَفْرَغَتْ جَرَّتَهَا فِي حَوْضِ الْمَاءِ، ثُمَّ رَكَضَتْ نَحْوَ الْبِئْرِ فَاسْتَقَتْ لِكُلِّ جِمَالِهِ. ٢١ وَظَلَّ الرَّجُلُ يَتَأَمَّلُهَا صَامِتاً لِيَعْلَمَ إِنْ كَانَ الرَّبُّ قَدْ وَفَّقَ مَسْعَاهُ أَمْ لا. ٢٢ وَعِنْدَمَا ارْتَوَتِ الْجِمَالُ تَنَاوَلَ الرَّجُلُ خِزَامَةً ذَهَبِيَّةً وَزْنُهَا نِصْفُ شَاقِلٍ (نَحْوَ سِتَّةِ جِرَامَاتٍ) وَسُوَارَيْنِ ذَهَبِيَّيْنِ وَزْنُهُمَا عَشَرَةُ شَواقِلَ (نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ جِرَاماً)، ٢٣ وَسَأَلَهَا: «ابْنَةُ مَنْ أَنْتِ؟ أَخْبِرِينِي: هَلْ فِي بَيْتِ أَبِيكِ مَوْضِعٌ نَبِيتُ فِيهِ؟» ٢٤ فَأَجَابَتْهُ: «أَنَا ابْنَةُ بَتُوئِيلَ ابْنِ مِلْكَةَ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ لِنَاحُورَ، ٢٥ عِنْدَنَا كَثِيرٌ مِنَ التِّبْنِ وَالْعَلَفِ، وَمَكَانٌ لِتَبِيتُوا فِيهِ». ٢٦ فَأَطْرَقَ الرَّجُلُ بِرَأْسِهِ وَسَجَدَ لِلرَّبِّ مُصَلِّياً: ٢٧ «تَبَارَكَ الرَّبُّ إِلَهُ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ الَّذِي لَمْ يَتَخَلَّ عَنْ لُطْفِهِ وَوَفَائِهِ لِسَيِّدِي. أَمَّا أَنَا فَقَدْ هَدَانِي الرَّبُّ فِي الطَّرِيقِ إِلَى بَيْتِ إِخْوَةِ سَيِّدِي». ٢٨ فَهُرِعَتِ الْفَتَاةُ وَأَخْبَرَتْ بَيْتَ أُمِّهَا بِهَذِهِ الأُمُورِ.
٢٩ وَكَانَ لِرِفْقَةَ أَخٌ يُدْعَى لابَانَ، فَأَسْرَعَ نَحْوَ الرَّجُلِ عِنْدَ بِئْرِ الْمَاءِ، ٣٠ إِذْ كَانَ قَدْ رَأَى الْخِزَامَةَ وَالسِّوَارَيْنِ عَلَى يَدَيْ أُخْتِهِ، وَسَمِعَ حَدِيثَهَا عَنِ الرَّجُلِ؛ فَوَجَدَهُ وَاقِفاً بِالْقُرْبِ مِنَ الْجِمَالِ عِنْدَ الْمَاءِ، ٣١ فَقَالَ: «ادْخُلْ أَيُّهَا الْمُبَارَكُ مِنَ الرَّبِّ، لِمَاذَا تَقِفُ خَارِجاً؟ لَقَدْ أَعْدَدْتُ الْبَيْتَ وَكَذَلِكَ مَكَاناً لِلْجِمَالِ». ٣٢ فَدَخَلَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَحَلَّ عَنِ الْجِمَالِ، وَقَدَّمَ لَهَا تِبْناً وَعَلَفاً، وَأَتَى لابَانُ بِمَاءٍ لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ وَأَرْجُلِ مُرَافِقِيهِ. ٣٣ ثُمَّ وَضَعَ الطَّعَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَأْكُلَ. لَكِنَّهُ قَالَ: «لَنْ آكُلَ حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بِمَا يَجِبُ أَنْ أَقُولَهُ». فَقَالَ لَهُ: «تَكَلَّمْ».
٣٤ فَقَالَ: «أَنَا عَبْدُ إِبْرَاهِيمَ، ٣٥ وَقَدْ أَغْدَقَ الرَّبُّ عَلَى مَوْلايَ بَرَكَاتٍ جَمَّةً فَصَارَ عَظِيماً، إِذْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِغَنَمٍ وَبَقَرٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ وَجِمَالٍ وَحَمِيرٍ. ٣٦ وَأَنْجَبَتْ سَارَةُ امْرَأَةُ سَيِّدِي بَعْدَ أَنْ شَاخَتِ ابْناً لِسَيِّدِي أَوْرَثَهُ كُلَّ مَالَهُ ٣٧ وَقَدِ اسْتَحْلَفَنِي سَيِّدِي أَلّا آخُذَ زَوْجَةً لابْنِهِ مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ يَسْكُنُ أَرْضَهُمْ، ٣٨ بَلْ أَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَعَشِيرَتِهِ وَآخُذُ لابْنِهِ مِنْهُمْ زَوْجَةً. ٣٩ فَقُلْتُ لِسَيِّدِي: قَدْ تَأْبَى الْفَتَاةُ أَنْ تَتْبَعَنِي إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ. ٤٠ فَأَجَابَنِي: إِنَّ الرَّبَّ الَّذِي سَلَكْتُ أَمَامَهُ، هُوَ يُرْسِلُ مَلاكَهُ مَعَكَ وَيُوَفِّقُ مَسْعَاكَ فَتَأْخُذُ لابْنِي زَوْجَةً مِنْ عَشِيرَتِي وَمِنْ بَيْتِ أَبِي. ٤١ وَإذَا قَدِمْتَ عَلَى قَوْمِي وَرَفَضُوا أَنْ يُعْطُوكَ إِيَّاهَا تَكُونُ آنَئِذٍ فِي حِلٍّ مِنْ حَلْفِي. ٤٢ فَأَقْبَلْتُ الْيَوْمَ عَلَى الْعَيْنِ وَقُلْتُ: أَيُّهَا الرَّبُّ، إِلَهَ سَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ. أَرْجُوكَ أَنْ تُوَفِّقَ مَسْعَايَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قُمْتُ بِهَذِهِ الرِّحْلَةِ. ٤٣ هَا أَنَا وَاقِفٌ عِنْدَ بِئْرِ الْمَاءِ، فَلْيَكُنْ أَنَّ الْفَتَاةَ الَّتِي تَأْتِي لِتَسْتَقِيَ، وَالَّتِي أَطْلُبُ مِنْهَا أَنْ تَسْقِيَنِي بَعْضَ الْمَاءِ، ٤٤ فَتَقُولُ لِي: اشْرَبْ أَنْتَ، وَأَنَا أَسْتَقِي لِجِمَالِكَ أَيْضاً، تَكُونُ هِيَ الْفَتَاةَ الَّتِي عَيَّنَهَا الرَّبُّ لابْنِ سَيِّدِي. ٤٥ وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُنَاجِي نَفْسِي بِهَذَا الْكَلامِ، إِذَا رِفْقَةُ قَادِمَةٌ، حَامِلَةً جَرَّةً عَلَى كَتِفِهَا، فَنَزَلَتْ إِلَى الْعَيْنِ وَاسْتَقَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: أَرْجُوكِ أَنْ تَسْقِينِي ٤٦ فَأَسْرَعَتْ وَوَضَعَتْ جَرَّتَهَا عَنْهَا قَائِلَةً: اشْرَبْ وَأَنَا أَسْقِي جِمَالَكَ أَيْضاً. ٤٧ ثُمَّ سَأَلْتُهَا: ابْنَةُ مَنْ أَنْتِ؟ فَأَجَابَتْ: ابْنَةُ بَتُوئِيلَ بْنِ نَاحُورَ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ مِلْكَةُ لَهُ. فَوَضَعْتُ الْخِزَامَةَ فِي أَنْفِهَا وَالسِّوَارَيْنِ عَلَى يَدَيْهَا. ٤٨ ثُمَّ خَرَرْتُ وَسَجَدْتُ وَبَارَكْتُ الرَّبَّ إِلَهَ مَوْلايَ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي هَدَانِي فِي الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ لِآخُذَ ابْنَةَ أَخِي سَيِّدِي لابْنِهِ. ٤٩ وَالآنَ إِنْ كُنْتُمْ تُبْدُونَ لُطْفاً وَأَمَانَةً لِسَيِّدِي فَأَجِيبُوا طَلَبِي، وَإلَّا فَأَخْبِرُونِي لأَتَّجِهَ يَمِيناً أَوْ شِمَالاً».
٥٠ فَأَجَابَ لابَانُ وَبَتُوئِيلُ: «قَدْ صَدَرَ هَذَا الأَمْرُ مِنَ الرَّبِّ، وَلا نَقْدِرُ أَنْ نَقُولَ لَكَ خَيْراً أَوْ شَرّاً. ٥١ هَا هِيَ رِفْقَةُ أَمَامَكَ، خُذْهَا وَامْضِ. لِتَكُنْ لابْنِ سَيِّدِكَ كَمَا قَالَ الرَّبُّ». ٥٢ فَمَا إِنْ سَمِعَ عَبْدُ إِبْرَاهِيمَ كَلامَهُمْ حَتَّى خَرَّ عَلَى الأَرْضِ سَاجِداً لِلرَّبِّ، ٥٣ ثُمَّ أَخْرَجَ جَوَاهِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ ذَهَبٍ وَثِيَاباً وَأَعْطَاهَا لِرِفْقَةَ، وَأَهْدَى أَيْضاً أَخَاهَا وَأُمَّهَا تُحَفاً ٥٤ وَأَكَلَ وَشَرِبَ هُوَ وَرِجَالُهُ، وَقَضَوْا لَيْلَتَهُمْ هُنَاكَ. وَعِنْدَمَا اسْتَيْقَظُوا فِي الصَّبَاحِ قَالَ: «أَطْلِقُونِي لأَعُودَ إِلَى سَيِّدِي». ٥٥ فَأَجَابَ أَخُوهَا وَأُمُّهَا: «دَعِ الْفَتَاةَ تَمْكُثُ مَعْنَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَنْطَلِقُ». ٥٦ فَقَالَ لَهُمْ: «لا تُعِيقُونِي فَالرَّبُّ وَفَّقَ مَسْعَايَ، أَطْلِقُونِي لأَمْضِيَ إِلَى سَيِّدِي». ٥٧ فَقَالا: «نَدْعُو الْفَتَاةَ وَنَسْأَلُهَا رَأْيَهَا». ٥٨ فَدَعَيَا رِفْقَةَ وَسَأَلاهَا: «أَتَذْهَبِينَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ؟» فَأَجَابَتْ: «أَذْهَبُ». ٥٩ فَصَرَفُوا رِفْقَةَ أُخْتَهُمْ وَمَعَهَا مُرَبِّيَتَهَا وَعَبْدَ إِبْرَاهِيمَ وَرِجَالَهُ، ٦٠ وَبَارَكُوا رِفْقَةَ قَائِلِينَ لَهَا: «أَنْتِ أُخْتُنَا، فَلْتَتَكَاثَرِي لِتَصِيرِي أُلُوفَ أُلُوفٍ وَلْتَرِثْ ذُرِّيَّتُكِ مُدُنَ مُبْغِضِيهَا».
٦١ فَنَهَضَتْ رِفْقَةُ وَفَتَيَاتُهَا وَرَكِبْنَ الْجِمَالَ وَتَبِعْنَ الرَّجُلَ. فَانْطَلَقَ الْعَبْدُ بِرِفْقَةَ وَمَضَى فِي طَرِيقِهِ. ٦٢ وَكَانَ إِسْحاقُ الْمُقِيمُ آنَئِذٍ فِي النَّقَبِ قَدْ عَادَ مِنْ طَرِيقِ بِئْرِ «لَحَيْ رُئِي». ٦٣ فَخَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ إِلَى الْحَقْلِ مُتَأَمِّلًا، وَإِذْ تَطَلَّعَ حَوْلَهُ شَاهَدَ جِمَالاً مُقْبِلَةً، ٦٤ وَرَفَعَتْ رِفْقَةُ كَذَلِكَ عَيْنَيْهَا وَرَأَتْ إِسْحاقَ فَتَرَجَّلَتْ عَنِ الْجَمَلِ، ٦٥ وَسَأَلَتِ الْعَبْدَ: «مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟» فَقَالَ الْعَبْدُ: «هُوَ سَيِّدِي». فَتَنَاوَلَتِ الْحِجَابَ وَتَغَطَّتْ. ٦٦ ثُمَّ حَدَّثَ الْعَبْدُ إِسْحاقَ بِكُلِّ الأُمُورِ الَّتِي قَامَ بِها. ٦٧ فَأَدْخَلَ إِسْحاقُ رِفْقَةَ إِلَى خَيْمَةِ أُمِّهِ سَارَةَ، وَتَزَوَّجَهَا وَأَحَبَّهَا وَتَعَزَّى بِها بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ.
٢٥
موت إبراهيم
١ وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ فَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً تُدْعَى قَطُورَةَ، ٢ فَأَنْجَبَتْ لَهُ زِمْرَانَ وَيَقْشَانَ وَمَدَانَ وَمِدْيَانَ وَيِشْبَاقَ وَشُوحاً. ٣ وَأَنْجَبَ يَقْشَانُ شَبَا وَدَدَانَ. أَمَّا أَبْنَاءُ دَدَانَ فَهُمْ: أَشُّورِيمُ وَلَطُوشِيمُ وَلأُمِّيمُ. ٤ وَأَبْنَاءُ مِدْيَانَ هُمْ: عَيْفَةُ وَعِفْرُ وَحَنُوكُ وَأَبِيدَاعُ، وَأَلْدَعَةُ. وَهَؤُلاءِ جَمِيعاً مِنْ ذُرِّيَّةِ قَطُورَةَ. ٥ وَوَرَّثَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحاقَ كُلَّ مَالَهُ. ٦ أَمَّا أَبْنَاؤُهُ مِنْ سَرَارِيهِ فَأَعْطَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَطَايَا، وَصَرَفَهُمْ فِي أَثْنَاءِ حَيَاتِهِ نَحْوَ أَرْضِ الْمَشْرِقِ بَعِيداً عَنْ إِسْحاقَ ابْنِهِ.
٧ وَعَاشَ إِبْرَاهِيمُ مِئَةً وَخَمْساً وَسَبْعِينَ سَنَةً. ٨ ثُمَّ مَاتَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ وَانْضَمَّ إِلَى أَسْلافِهِ، ٩ فَدَفَنَهُ ابْنَاهُ إِسْحاقُ وَإِسْمَاعِيلُ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ، فِي حَقْلِ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ الْحِثِّيِّ مُقَابِلَ مَمْرَا، ١٠ وَهُوَ الْحَقْلُ الَّذِي اشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْحِثِّيِّينَ، وَفِيهِ دُفِنَ إِبْرَاهِيمُ وَزَوْجَتُهُ سَارَةُ. ١١ وَبَعْدَ وَفَاةِ إِبْرَاهِيمَ بَارَكَ اللهُ إِسْحاقَ ابْنَهُ، وَأَقَامَ إِسْحاقُ عِنْدَ بِئْرِ لَحَيْ رُئِي.
ذرية إسماعيل
١٢ وَهَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ هَاجَرُ الْمِصْرِيَّةُ جَارِيَةُ سَارَةَ لإِبْرَاهِيمَ. ١٣ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ إِسْمَاعِيلَ مَدَوَّنَةً حَسَبَ تَرْتِيبِ وِلادَتِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ، ١٤ وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا، ١٥ وَحَدَارُ وَتَيْمَا وَيَطُورُ وَنَافِيشُ وَقِدْمَةُ. ١٦ هَؤُلاءِ هُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ، وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاؤُهُمْ حَسَبَ دِيَارِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَقَدْ صَارُوا اثْنَي عَشَرَ رَئِيساً لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ قَبِيلَةً. ١٧ وَمَاتَ إِسْمَاعِيلُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ مِئَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلاثُونَ سَنَةً، وَلَحِقَ بِقَوْمِهِ. ١٨ أَمَّا ذُرِّيَّتُهُ فَقَدِ انْتَشَرَتْ مِنْ حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الْمُتَاخِمَةِ لِمِصْرَ فِي اتِّجَاهِ أَشُّورَ، وَكَانَتْ عَلَى عَدَاءٍ مَعَ بَقِيَّةِ إِخْوَتِهَا.
يعقوب وعيسو
١٩ وَهَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ إِسْحاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. أَنْجَبَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحاقَ. ٢٠ وَكَانَ إِسْحاقُ فِي الأَرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا تَزَوَّجَ رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ مِنْ سَهْلِ أَرَامَ، وَأُخْتَ لابَانَ الأَرَامِيِّ. ٢١ وَصَلَّى إِسْحاقُ إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِ امْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِراً، فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ، فَحَمَلَتْ رِفْقَةُ زَوْجَتُهُ. ٢٢ وَإِذْ تَصَارَعَ الطِّفْلانِ فِي بَطْنِهَا قَالَتْ: «إِنْ كَانَ الأَمْرُ هَكَذَا فَمَالِي وَالْحَبَلُ؟» وَمَضَتْ لِتَسْتَفْهِمَ مِنَ الرَّبِّ ٢٣ فَقَالَ لَهَا الرَّبُّ: «فِي أَحْشَائِكِ أُمَّتَانِ، يَتَفَرَّعُ مِنْهُمَا شَعْبَانِ. شَعْبٌ يَسْتَقْوِي عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ».
٢٤ وَعِنْدَمَا اكْتَمَلَتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ إِذَا فِي أَحْشَائِهَا تَوْأَمَانِ. ٢٥ فَخَرَجَ الأَوَّلُ مَكْسُوّاً بِالشَّعْرِ وَكَأَنَّهُ يَرْتَدِي فَرْوَةً حَمْرَاءَ، فَدَعَوْهُ عِيسُو (وَمَعْنَاهُ أَشْعَرُ). ٢٦ ثُمَّ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ عَلَى عَقِبِ عِيسُو فَدَعَوْهُ يَعْقُوبَ (وَمَعَنَاهُ مُتَعَقِّبٌ). وَكَانَ إِسْحاقُ فِي السِّتِّينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا أَنْجَبَتْهُمَا لَهُ رِفْقَةُ.
٢٧ وَكَبُرَ الْوَلَدَانِ، فَأَصْبَحَ عِيسُو صَيَّاداً مَاهِراً وَرَجُلَ بَرِّيَّةٍ، بَيْنَمَا كَانَ يَعْقُوبُ رَجُلاً هَادِئاً يُقِيمُ فِي الْخِيَامِ. ٢٨ وَأَحَبَّ إِسْحاقُ عِيسُو لأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَيْدِهِ، أَمَّا رِفْقَةُ فَقَدْ أَحَبَّتْ يَعْقُوبَ. ٢٩ وَذَاتَ مَرَّةٍ عَادَ عِيسُو مِنَ الْحَقْلِ مُرْهَقاً فَوَجَدَ يَعْقُوبَ قَدْ طَبَخَ طَعَاماً، ٣٠ فَقَالَ عِيسُو لِيَعْقُوبَ: «أَطْعِمْنِي مِنْ هَذَا الطَّبِيخِ الأَحْمَرِ لأَنَّنِي جَائِعٌ جِدّاً». لِهَذَا دُعِيَ عِيسُو بِأَدُومَ. ٣١ فَقَالَ يَعْقُوبُ: «بِعْنِي أَوَّلاً امْتِيَازَاتِ بَكُورِيَّتِكَ». ٣٢ فَقَالَ عِيسُو: «أَنَا لابُدَّ مَائِتٌ، فَأَيُّ نَفْعٍ لِي مِنْ بَكُورِيَّتِي؟» ٣٣ فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ: «احْلِفْ لِي أَوَّلًا». فَحَلَفَ لَهُ، وَبَاعَ امْتِيَازَاتِ بَكُورِيَّتِهِ لِيَعْقُوبَ. ٣٤ عِنْدَئِذٍ أَعْطَى يَعْقُوبُ عِيسُو خُبْزاً وَطَبِيخَ عَدَسٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ قَامَ وَمَضَى فِي سَبِيلِهِ. وَهَكَذَا احْتَقَرَ عِيسُو امْتِيَازَاتِ الْبَكُورِيَّةِ.
٢٦
إسحاق وأبيمالك
١ وَحَدَثَ فِي الأَرْضِ جُوعٌ غَيْرُ الْجُوعِ الأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ، فَارْتَحَلَ إِسْحاقُ إِلَى مَدِينَةِ جَرَارَ حَيْثُ أَبِيمَالِكُ مَلِكُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. ٢ فَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ قَائِلاً: «لا تَمْضِ إِلَى مِصْرَ، بَلُ امْكُثْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أُعَيِّنُهَا لَكَ. ٣ أَقِمْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ، لأَنَّنِي أُعْطِي لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ جَمِيعَ هَذِهِ الأَرْضِ وَفَاءً بِقَسَمِي الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. ٤ وَأُكَثِّرُ ذُرِّيَّتَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَأَهِبُهَا جَمِيعَ هَذِهِ الْبِلادِ. وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ. ٥ لأَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَطَاعَ قَوْلِي، وَحَفِظَ أَوَامِرِي وَوَصَايَايَ وَفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي». ٦ فَأَقَامَ إِسْحاقُ فِي مَدِينَةِ جَرَارَ.
٧ وَعِنْدَمَا سَأَلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ زَوْجَتِهِ قَالَ: «هِيَ أُخْتِي» لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَقُولَ: «هِيَ زَوْجَتِي» لِئَلّا يَقْتُلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ أَجْلِ رِفْقَةَ، لأَنَّهَا كَانَتْ رَائِعَةَ الْجَمَالِ. ٨ وَحَدَثَ بَعْدَ أَنْ طَالَ مُكُوثُهُ هُنَاكَ، أَنَّ أَبِيمَالِكَ مَلِكَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَطَلَّ مِنَ النَّافِذَةِ، فَشَاهَدَ إِسْحاقَ يُدَاعِبُ امْرَأَتَهُ رِفْقَةَ. ٩ فَاسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: «إِنَّهَا بِالْحَقِيقَةِ زَوْجَتُكَ، فَكَيْفَ قُلْتَ هِيَ أُخْتِي؟» فَأَجَابَ إِسْحاقُ: «لأَنِّي قُلْتُ: لَعَلِّي أُقْتَلُ بِسَبَبِهَا». ١٠ فَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتَ بِنَا؟ لَقَدْ كَانَ يَسِيراً عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّعْبِ أَنْ يَضْطَجِعَ مَعَ زَوْجَتِكَ فَتَجْلِبُ بِذَلِكَ عَلَيْنَا إِثْماً». ١١ وَأَنْذَرَ أَبِيمَالِكُ كُلَّ الشَّعْبِ قَائِلاً: «كُلُّ مَنْ يَمَسُّ هَذَا الرَّجُلَ أَوْ زَوْجَتَهُ فَحَتْماً يَمُوتُ».
١٢ وَزَرَعَ إِسْحاقُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ، فَحَصَدَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْفٍ لأَنَّ اللهَ بَارَكَهُ. ١٣ وَعَظُمَ شَأْنُ الرَّجُلِ، وَتَزَايَدَ غِنَاهُ وَأَصْبَحَ وَاسِعَ الثَّرَاءِ وَالنُّفُوذِ. ١٤ وَصَارَتْ لَهُ مَاشِيَةٌ، غَنَمٌ وَقُطْعَانُ بَقَرٍ وَعَبِيدٌ كَثِيرُونَ. فَحَسَدَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ. ١٥ وَرَدَمَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ بِالتُّرَابِ جَمِيعَ الآبَارِ الَّتِي حَفَرَهَا عَبِيدُ أَبِيهِ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ. ١٦ وَقَالَ أَبِيمَالِكُ لإِسْحاقَ: «ارْحَلْ عَنَّا لأَنَّكَ أَصْبَحْتَ أَكْثَرَ قُوَّةً مِنَّا». ١٧ فَانْصَرَفَ إِسْحاقُ مِنْ هُنَاكَ وَضَرَبَ خِيَامَهُ فِي وَادِي جَرَارَ حَيْثُ أَقَامَ.
١٨ وَأَعَادَ إِسْحاقُ حَفْرَ آبَارِ الْمِيَاهِ الَّتِي كَانَ قَدْ تَمَّ حَفْرُهَا فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ وَرَدَمَهَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَدَعَاهَا بِالأَسْمَاءِ الَّتِي أَطْلَقَهَا عَلَيْهَا أَبُوهُ. ١٩ وَعِنْدَمَا حَفَرَ عَبِيدُ إِسْحاقَ فِي الْوَادِي وَعَثَرُوا عَلَى بِئْرِ مَاءٍ جَارٍ، ٢٠ خَاصَمَ رُعَاةُ مَدِينَةِ جَرَارَ رُعَاةَ إِسْحاقَ قَائِلِينَ: «هَذَا الْمَاءُ لَنَا». فَدَعَا الْبِئْرَ «عِسِقَ» لأَنَّهُمْ نَازَعُوهُ عَلَيْهَا. ٢١ ثُمَّ حَفَرُوا بِئْراً أُخْرَى وَتَخَاصَمُوا عَلَيْهَا، فَدَعَاهَا «سِطْنَةَ» (وَمَعْنَاهَا عَدَاوَةٌ). ٢٢ وَانْتَقَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ هُنَاكَ وَحَفَرَ بِئْراً أُخْرَى وَلَمْ يَتَنَازَعُوا عَلَيْهَا، فَدَعَا اسْمَهَا «رَحُوبُوتَ» (وَمَعْنَاهَا الأَمَاكِنُ الرَّحْبَةُ) قَائِلاً: «لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْحَبَ الآنَ لَنَا وَأَثْمَرْنَا فِي الأَرْضِ». ٢٣ ثُمَّ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ. ٢٤ فَتَجَلَّى لَهُ الرَّبُّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَقَالَ: «أَنَا هُوَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. لَا تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ وَأُبَارِكُكَ وَأُكَثِّرُ ذُرِّيَّتَكَ مِنْ أَجْلِ عَبْدِي إِبْرَاهِيمَ». ٢٥ فَشَيَّدَ إِسْحاقُ هُنَاكَ مَذْبَحاً وَدَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ، ثُمَّ نَصَبَ هُنَاكَ خَيْمَتَهُ، وَحَفَرَ عَبِيدُهُ بِئْراً.
٢٦ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَدِينَةِ جَرَارَ أَبِيمَالِكُ وَأَحُزَّاتُ مُسْتَشَارُهُ، وَفِيكُولُ رَئِيسُ جَيْشِهِ. ٢٧ فَقَالَ لَهُمْ إِسْحاقُ: «مَا بَالُكُمْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَيَّ، وَأَنْتُمْ قَدْ أَبْغَضْتُمُونِي وَصَرَفْتُمُونِي مِنْ عِنْدِكُمْ؟» ٢٨ فَأَجَابُوهُ: «لَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ الرَّبَّ مَعَكَ، فَقُلْنَا: لِيَكُنْ بَيْنَنَا حَلْفٌ وَلْنَقْطَعْ مَعَكَ عَهْداً: ٢٩ أَنْ لَا تُسِيءَ إِلَيْنَا كَمَا لَمْ نَمَسَّكَ بِشَرٍّ وَلَمْ يُصِبْكَ مِنَّا سِوَى الْخَيْرِ، ثُمَّ صَرَفْنَاكَ بِسَلامٍ. وَهَا أَنْتَ الآنَ مُبَارَكٌ مِنَ الرَّبِّ». ٣٠ فَأَقَامَ لَهُمْ مَأْدُبَةً فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا. ٣١ ثُمَّ بَكَّرُوا فِي الصَّبَاحِ وَحَلَفَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَشَيَّعَهُمْ إِسْحاقُ فَانْصَرَفُوا بِسَلامٍ. ٣٢ وَفِي نَفْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَاءَ عَبِيدُ إِسْحاقَ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: «إِنَّنَا عَثَرْنَا عَلَى مَاءٍ فِي الْبِئْرِ الَّتِي حَفَرْنَاهَا». ٣٣ فَدَعَاهَا شِبْعَةَ، لِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْمَدِينَةُ بِئْرَ سَبْعٍ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.
يعقوب يسرق بركة عيسو
٣٤ وَلَمَّا بَلَغَ عِيسُو الأَرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ تَزَوَّجَ كُلًّا مِنْ يَهُودِيتَ بِنْتِ بِيرِي الْحِثِّيِّ، وَبَسْمَةَ بِنْتِ إِيلُونَ الْحِثِّيِّ. ٣٥ فَأَتْعَسَتَا حَيَاةَ إِسْحاقَ وَرِفْقَةَ.
٢٧
١ وَلَمَّا شَاخَ إِسْحاقُ وَضَعُفَ بَصَرُهُ اسْتَدْعَى ابْنَهُ الأَكْبَرَ عِيسُو وَقَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ، ٢ هَا أَنَا قَدْ شِخْتُ وَلَسْتُ أَعْرِفُ مَتَى يَحِينُ يَوْمُ وَفَاتِي. ٣ فَالآنَ خُذْ عُدَّتَكَ: جُعْبَتَكَ وَقَوْسَكَ، وَامْضِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَاقْتَنِصْ لِي صَيْداً. ٤ وَجَهِّزْ لِي طَعَاماً شَهِيًّا كَمَا أُحِبُّ وَائْتِنِي بِهِ لِآكُلَ، لِتُبَارِكَكَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ».
٥ وَسَمِعَتْ رِفْقَةُ حَدِيثَ إِسْحاقَ لابْنِهِ عِيسُو. فَعِنْدَمَا انْطَلَقَ عِيسُو إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِيَصْطَادَ صَيْداً وَيَأْتِيَ بِهِ. ٦ قَالَتْ رِفْقَةُ لابْنِهَا يَعْقُوبَ: «سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُولُ لِعِيسُو أَخِيكَ: ٧ اقْتَنِصْ لِي صَيْداً، وَجَهِّزْ لِي أَطْعِمَةً شَهِيَّةً لِآكُلَ وَأُبَارِكَكَ أَمَامَ الرَّبِّ قَبْلَ مَوْتِي. ٨ وَالآنَ يَا بُنَيَّ أَطِعْ قَوْلِي فِي مَا آمُرُكَ بِهِ، ٩ وَاذْهَبْ إِلَى قَطِيعِ الْمَاشِيَةِ، وَاخْتَرْ جَدْيَيْنِ لأُجَهِّزَ لأَبِيكَ أَطْعِمَةً شَهِيَّةً كَمَا يُحِبُّ، ١٠ تُقَدِّمُهَا لأَبِيكَ لِيَأْكُلَ، فَيُبَارِكَكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ». ١١ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِرِفْقَةَ أُمِّهِ: «أَخِي عِيسُو رَجُلٌ أَشْعَرُ، وَأَنَا رَجُلٌ أَمْلَسُ. ١٢ وَقَدْ يَجُسُّنِي أَبِي فَيَتَبَيَّنُ خِدَاعِي، وَأَسْتَجْلِبُ عَلَى نَفْسِي لَعْنَةً لَا بَرَكَةً». ١٣ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «لَعْنَتُكَ عَلَيَّ يَا بُنَيَّ، فَأَطِعْ قَوْلِي فَقَطْ، وَاذْهَبْ وَأَحْضِرِ الْجَدْيَيْنِ لِي». ١٤ فَذَهَبَ وَاخْتَارَهُمَا وَأَحْضَرَهُمَا لأُمِّهِ، فَأَعَدَّتْ رِفْقَةُ الأَطْعِمَةَ الْمُطَيَّبَةَ كَمَا يُحِبُّ أَبُوهُ ١٥ وَتَنَاوَلَتْ ثِيَابَ بِكْرِهَا عِيسُو الْفَاخِرَةَ الْمَوْجُودَةَ عِنْدَهَا فِي الْبَيْتِ وَأَلْبَسَتْ يَعْقُوبَ ابْنَهَا الأَصْغَرَ، ١٦ وَكَذَلِكَ غَطَّتْ يَدَيْهِ وَمَلاسَةَ عُنُقِهِ بِجِلْدِ الْجَدْيَيْنِ. ١٧ وَأَعْطَتْهُ مَا أَعَدَّتْهُ مِنَ الأَطْعِمَةِ الشَّهِيَّةِ وَالْخُبْزِ.
١٨ فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِيهِ وَقَالَ: «يَا أَبِي». فَأَجَابَهُ: «نَعَمْ يَا ابْنِي، مَنْ أَنْتَ؟» ١٩ فَقَالَ يَعْقُوبُ: «أَنَا عِيسُو بِكْرُكَ. وَقَدْ فَعَلْتُ كَمَا طَلَبْتَ، وَالآنَ قُمْ وَاجْلِسْ وَكُلْ مِنْ صَيْدِي حَتَّى تُبَارِكَنِي». ٢٠ فَقَالَ إِسْحَاقُ: «كَيْفَ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجِدَ صَيْداً بِمِثْلِ هَذِهِ السُّرْعَةِ يَا وَلَدِي؟» فَأَجَابَهُ: «لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ قَدْ يَسَّرَ لِي ذَلِكَ». ٢١ وَقَالَ إِسْحاقُ: «اقْتَرِبْ مِنِّي لأَجُسَّكَ يَا ابْنِي لأَرَى إِنْ كُنْتَ حَقّاً ابْنِي عِيسُو أَمْ لا». ٢٢ فَدَنَا يَعْقُوبُ مِنْ أَبِيهِ إِسْحاقَ فَجَسَّهُ وَقَالَ: «الصَّوْتُ صَوْتُ يَعْقُوبَ، أَمَّا الْيَدَانِ فَهُمَا يَدَا عِيسُو». ٢٣ وَلَمْ يَعْرِفْهُ لأَنَّ يَدَيْهِ كَانَتَا مُشْعِرَتَيْنِ كَيَدَيْ أَخِيهِ عِيسُو، فَبَارَكَهُ، ٢٤ وَسَأَلَ: «هَلْ أَنْتَ ابْنِي عِيسُو؟» فَأَجَابَ: «أَنَا هُوَ». ٢٥ ثُمَّ قَالَ: «قَدِّمْ لِي مِنْ صَيْدِكَ حَتَّى آكُلَ وَأُبَارِكَكَ». فَأَحْضَرَ يَعْقُوبُ إِلَيْهِ الطَّعَامَ فَأَكَلَ ثُمَّ قَدَّمَ لَهُ خَمْراً فَشَرِبَ، ٢٦ فَقَالَ لَهُ إِسْحاقُ أَبُوهُ: «تَعَالَ وَقَبِّلْنِي يَا وَلَدِي». ٢٧ فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَقَبَّلَهُ، فَتَنَسَّمَ رَائِحَةَ ثِيَابِهِ وَبَارَكَهُ قَائِلاً: «هَا إِنَّ رَائِحَةَ ابْنِي كَرَائِحَةِ حَقْلٍ بَارَكَهُ الرَّبُّ، ٢٨ فَلْيُنْعِمْ عَلَيْكَ الرَّبُّ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، فَيُكَثِّرُ لَكَ الْحِنْطَةَ وَالْخَمْرَ. ٢٩ لِتَخْدُمْكَ الشُّعُوبُ، وَتَسْجُدْ لَكَ الْقَبَائِلُ، لِتَكُنْ سَيِّداً عَلَى إِخْوَتِكَ. وَبَنُو أُمِّكِ لَكَ يَنْحَنُونَ. وَلْيَكُنْ لاعِنُوكَ مَلْعُونِينَ، وَمُبَارِكُوكَ مُبَارَكِينَ».
٣٠ وَلَمَّا فَرَغَ إِسْحاقُ مِنْ مُبَارَكَةِ يَعْقُوبَ، وَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ عِنْدِ أَبِيهِ، رَجَعَ عِيسُو مِنْ صَيْدِهِ، ٣١ فَجَهَّزَ هُوَ أَيْضاً أَطْعِمَةً طَيِّبَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ: «لِيَقُمْ أَبِي وَيَأْكُلْ مِنْ صَيْدِ ابْنِهِ فَتُبَارِكَنِي نَفْسُكَ». ٣٢ فَقَالَ إِسْحاقُ: «مَنْ أَنْتَ؟» فَأَجَابَهُ: «أَنَا ابْنُكَ بِكْرُكَ عِيسُو». ٣٣ فَارْتَعَدَ إِسْحاقُ بِعُنْفٍ وَقَالَ: «مَنْ هُوَ إِذاً الَّذِي اصْطَادَ صَيْداً وَأَحْضَرَهُ إِلَيَّ فَأَكَلْتُ مِنَ الْكُلِّ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ، وَبَارَكْتُهُ؟ وَحَقّاً يَكُونُ مُبَارَكاً». ٣٤ فَمَا إِنْ سَمِعَ عِيسُو كَلامَ أَبِيهِ حَتَّى أَطْلَقَ صَرْخَةً هَائِلَةً وَمُرَّةً جِدّاً وَقَالَ: «بَارِكْنِي أَنَا أَيْضاً يَا أَبِي». ٣٥ فَأَجَابَ: «لَقَدْ مَكَرَ بِي أَخُوكَ وَسَلَبَ بَرَكَتَكَ». ٣٦ فَقَالَ: «أَلَمْ يُدْعَ اسْمُهُ يَعْقُوبَ؟ لَقَدْ تَعَقَّبَنِي مَرَّتَيْنِ: أَخَذَ بَكُورِيَّتِي، وَهَا هُوَ يَسْلُبُنِي الآنَ بَرَكَتِي». ثُمَّ قَالَ: «أَمَا احْتَفَظْتَ لِي بِبَرَكَةٍ؟» ٣٧ فَأَجَابَ إِسْحاقُ: «لَقَدْ جَعَلْتُهُ سَيِّداً لَكَ، وَصَيَّرْتُ جَمِيعَ إِخْوَتِهِ لَهْ خُدَّاماً، وَبِالْحِنْطَةِ وَالْخَمْرِ أَمْدَدْتُهُ. فَمَاذَا أَفْعَلُ لَكَ الآنَ يَا وَلَدِي؟». ٣٨ فَقَالَ عِيسُو: «أَلَكَ بَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ يَا أَبِي؟ بَارِكْنِي أَنَا أَيْضاً يَا أَبِي». وَأَجْهَشَ عِيسُو بِالْبُكَاءِ بِصَوْتٍ عَالٍ. ٣٩ فَأَجَابَهُ أَبُوهُ: «هَا مَسْكَنُكَ يَكُونُ فِي أَرْضٍ جَدْبَاءَ لَا يَهْطِلُ عَلَيْهَا نَدَى السَّمَاءِ. ٤٠ بِسَيْفِكَ تَعِيشُ وَلأَخِيكَ تَكُونُ عَبْداً، وَلَكِنْ حِينَ تَجْمَحُ تُحَطِّمُ نِيرَهُ عَنْ عُنْقِكَ».
يعقوب يهرب إلى لابان
٤١ وَحَقَدَ عِيسُو عَلَى يَعْقُوبَ مِنْ أَجْلِ مَا نَالَهُ مِنْ بَرَكَةِ أَبِيهِ. فَنَاجَى نَفْسَهُ: «قَرِيباً يَمُوتُ أَبِي، وَبَعْدَئِذٍ أَقْتُلُ أَخِي يَعْقُوبَ». ٤٢ فَبَلَغَ رِفْقَةَ وَعِيدُ عِيسُو ابْنِهَا الأَكْبَرِ، فَأَرْسَلَتْ وَاسْتَدْعَتْ يَعْقُوبَ ابْنَهَا الأَصْغَرَ وَقَالَتْ لَهُ: «عِيسُو يُخَطِّطُ لِقَتْلِكَ. ٤٣ وَالآنَ يَا ابْنِي أَصْغِ لِقَوْلِي، وَقُمِ اهْرُبْ إِلَى أَخِي لابَانَ إِلَى حَارَانَ، ٤٤ وَامْكُثْ عِنْدَهُ أَيَّاماً قَلائِلَ رَيْثَمَا يَهْدَأُ سُخْطُ أَخِيكَ. ٤٥ وَمَتَى سَكَنَ غَضَبُهُ وَنَسِيَ مَا صَنَعْتَ بِهِ، عِنْدَئِذٍ أَبْعَثُ إِلَيْكَ لِتَعُودَ مِنْ هُنَاكَ. فَلِمَاذَا أُحْرَمُ مِنْكُمَا كِلَيْكُمَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟».
٤٦ ثُمَّ قَالَتْ رِفْقَةُ لإِسْحاقَ: «قَدْ كَرِهْتُ حَيَاتِي مِنْ جَرَّاءِ الْبَنَاتِ الْحِثِّيَّاتِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ يَعْقُوبُ مِنِ الْحِثِّيَّاتِ بَنَاتِ هَذِهِ الأَرْضِ الْمُمَاثِلاتِ لِزَوْجَتَيْ عِيسُو، فَإِنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي».
٢٨
١ فَاسْتَدْعَى إِسْحاقُ يَعْقُوبَ وَبَارَكَهُ وَأَوْصَاهُ قَائِلاً: «لا تَتَزَوَّجْ مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ. ٢ قُمِ انْطَلِقْ إِلَى سَهْلِ أَرَامَ، إِلَى بَيْتِ بَتُوئِيلَ أَبِي أُمِّكَ، وَتَزَوَّجْ إِحْدَى بَنَاتِ خَالِكَ لابَانَ. ٣ وَلْيُبَارِكْكَ اللهُ الْقَدِيرُ وَيُنَمِّكَ وَيُكَثِّرْكَ لِتَكُونَ أُمَّةً تَتَفَرَّعُ مِنْهَا شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، ٤ وَلْيُعْطِكَ أَنْتَ وَذُرِّيَّتَكَ مَعَكَ بَرَكَةَ إِبْرَاهِيمَ لِتَرِثَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ الَّتِي تُقِيمُ فِيهَا الآنَ؛ هَذِهِ الأَرْضَ الَّتِي وَهَبَهَا اللهُ لإِبْرَاهِيمَ». ٥ ثُمَّ صَرَفَ إِسْحاقُ يَعْقُوبَ فَمَضَى إِلَى سَهْلِ أَرَامَ، حَيْثُ يُقِيمُ لابَانُ بْنُ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيُّ أَخُو رِفْقَةَ أُمِّ يَعْقُوبَ وَعِيسُو.
٦ وَلَمَّا رَأَى عِيسُو أَنَّ إِسْحاقَ قَدْ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَصَرَفَهُ إِلَى سَهْلِ أَرَامَ لِيَخْتَارَ مِنْ هُنَاكَ زَوْجَةً، وَأَوْصَاهُ قَائِلاً: «لا تَتَزَوَّجِ امْرَأَةً كَنْعَانِيَّةً» ٧ وَأَنَّ يَعْقُوبَ أَطَاعَ وَالِدَيْهِ وَارْتَحَلَ إِلَى سَهْلِ أَرَامَ ٨ وَإِذْ رَأَى عِيسُو أَنَّ بَنَاتِ كَنْعَانَ شِرِّيرَاتٌ لَمْ يَحْظَيْنَ بِرِضَى أَبِيهِ ٩ مَضَى إِلَى إِسْمَاعِيلَ عَمِّهِ وَأَخَذَ مَحْلَةَ ابْنَةَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أُخْتَ نَبَايُوتَ، زَوْجَةً لَهُ عَلَى نِسَائِهِ.
حلم يعقوب في بيت إيل
١٠ أَمَّا يَعْقُوبُ فَتَوَجَّهَ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ نَحْوَ حَارَانَ، ١١ فَصَادَفَ مَوْضِعاً قَضَى فِيهِ لَيْلَتَهُ لأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ، فَأَخَذَ بَعْضَ حِجَارَةِ الْمَوْضِعِ وَتَوَسَّدَهَا وَبَاتَ هُنَاكَ. ١٢ وَرَأَى حُلْماً شَاهَدَ فِيهِ سُلَّماً قَائِمَةً عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَمَلائِكَةُ اللهِ تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ عَلَيْهَا، ١٣ وَالرَّبُّ نَفْسُهُ وَاقِفٌ فَوْقَهَا يَقُولُ: «أَنَا هُوَ الرَّبُّ إِلَهُ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحاقَ. إِنَّ الأَرْضَ الَّتِي تَرْقُدُ عَلَيْهَا الآنَ أُعْطِيهَا لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ، ١٤ الَّتِي سَتَكُونُ كَتُرَابِ الأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْباً وَشَرْقاً، وَشِمَالاً وَجَنُوباً، وَتَتَبَارَكُ بِكَ وَبِذُرِّيَّتِكَ جَمِيعُ شُعُوبِ الأَرْضِ. ١٥ هَا أَنَا مَعَكَ وَأَرْعَاكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ. وَلَنْ أَتْرُكَكَ إِلَى أَنْ أَفِيَ بِكُلِّ مَا وَعَدْتُكَ بِهِ».
١٦ ثُمَّ أَفَاقَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقّاً إِنَّ الرَّبَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!» ١٧ وَاعْتَرَاهُ خَوْفٌ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هَذَا الْمَكَانَ! مَا هَذَا سِوَى بَيْتِ اللهِ وَهَذَا هُوَ بَابُ السَّمَاءِ». ١٨ ثُمَّ بَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ، وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي تَوَسَّدَهُ وَنَصَبَهُ عَمُوداً وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتاً، ١٩ وَدَعَا الْمَكَانَ «بَيْتَ إِيلَ» (وَمَعْنَاهُ: بَيْتُ اللهِ) وَكَانَ اسْمُ الْمَدِينَةِ أَوَّلاً «لُوزَ».
٢٠ وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْراً قَائِلاً: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَرَعَانِي فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَنَا أَسِيرُ فِيهَا وَوَفَّرَ لِي طَعَاماً لِآكُلَ وَثِيَاباً لأَلْبَسَ، ٢١ وَعُدْتُ بِسَلامٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، عِنْدَئِذٍ يَكُونُ الرَّبُّ إِلَهاً لِي ٢٢ وَيَكُونُ هَذَا الْحَجَرُ الَّذِي نَصَبْتُهُ عَمُوداً بَيْتاً لِلهِ، وَأَدْفَعُ عُشْرَ كُلِّ مَا تَرْزُقُنِي بِهِ».
٢٩
رحلة يعقوب
١ وَتَابَعَ يَعْقُوبُ رِحْلَتَهُ حَتَّى وَصَلَ أَرْضَ حَارَانَ. ٢ وَتَطَلَّعَ حَوْلَهُ فَشَاهَدَ بِئْراً فِي الْحَقْلِ، تَرْبِضُ عِنْدَهَا ثَلاثَةُ قُطْعَانِ غَنَمٍ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْقُونَ الْقُطْعَانَ مِنْ تِلْكَ الْبِئْرِ. وَكَانَ الْحَجَرُ الَّذِي عَلَى فَمِ الْبِئْرِ كَبِيراً، ٣ فَكَانَ رُعَاةُ جَمِيعِ الْقُطْعَانِ يَجْتَمِعُونَ هُنَاكَ، وَيُدَحْرِجُونَ الْحَجَرَ عَنْ فَمِ الْبِئْرِ وَيَسْقُونَ الْغَنَمَ. ثُمَّ يَرُدُّونَ الْحَجَرَ إِلَى مَوْضِعِهِ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ. ٤ فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: «يَا إِخْوَتِي مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟» فَأَجَابُوا: «نَحْنُ مِنْ حَارَانَ». ٥ فَسَأَلَهُمْ: «أَتَعْرِفُونَ لابَانَ بْنَ نَاحُورَ؟» فَأَجَابُوا: «نَعْرِفُهُ». ٦ فَقَالَ لَهُمْ: «أَهُوَ بِخَيْرٍ؟». فَأَجَابُوهُ: «هُوَ بِخَيْرٍ، وَهَا هِيَ رَاحِيلُ ابْنَتُهُ مُقْبِلَةٌ مَعَ الْغَنَمِ». ٧ فَقَالَ لَهُمْ: «هُوَذَا النَّهَارُ مَازَالَ طَوِيلاً، وَلَيْسَ هَذَا أَوَانَ اجْتِمَاعِ الْمَوَاشِي، فَاسْقُوا الْغَنَمَ وَامْضُوا بِها إلَى الْمَرَاعِي». ٨ فَقَالُوا: «لا يُمْكِنُنَا ذَلِكَ إِلّا بَعْدَ أَنْ تَجْتَمِعَ جَمِيعُ الْقُطْعَانِ وَرُعَاتُهَا فَيُدَحْرِجُوا الْحَجَرَ عَنْ فَمِ الْبِئْرِ، فَنَسْقِي الْغَنَمَ».
لقاء يعقوب براحيل
٩ وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ أَقْبَلَتْ رَاحِيلُ مَعَ غَنَمِ أَبِيهَا لأَنَّهَا كَانَتْ رَاعِيَةً أَيْضاً. ١٠ وَعِنْدَمَا رَآهَا يَعْقُوبُ، تَقَدَّمَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنْ فَمِ الْبِئْرِ وَسَقَى غَنَمَ خَالِهِ لابَانَ. ١١ وَقَبَّلَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ وَأَجْهَشَ بِالْبُكَاءِ، ١٢ ثُمَّ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ قَرِيبُ وَالِدِهَا وَأَنَّهُ ابْنُ رِفْقَةَ. فَرَكَضَتْ وَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا. ١٣ فَعِنْدَمَا سَمِعَ لابَانُ بِخَبَرِ ابْنِ أُخْتِهِ أَسْرَعَ لِلِقَائِهِ وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ وَأَحْضَرَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ. فَقَصَّ يَعْقُوبُ عَلَى لابَانَ جَمِيعَ هَذِهِ الأُمُورِ. ١٤ فَقَالَ لَهُ لابَانُ: «حَقّاً إِنَّكَ عَظْمِي وَلَحْمِي». وَأَقَامَ عِنْدَهُ نَحْوَ شَهْرٍ مِنَ الزَّمَانِ.
زواج يعقوب من ليئة وراحيل
١٥ وَقَالَ لابَانُ لِيَعْقُوبَ: «هَلْ لأَنَّكَ قَرِيبِي تَخْدُمُنِي مَجَّاناً؟ أَخْبِرْنِي مَا أُجْرَتُكَ؟» ١٦ وَكَانَ لِلابَانَ ابْنَتَانِ، اسْمُ الْكُبْرَى لَيْئَةُ وَاسْمُ الصُّغْرَى رَاحِيلُ، ١٧ وَكَانَتْ لَيْئَةُ ضَعِيفَةَ الْبَصَرِ، وَأَمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ جَمِيلَةَ الصُّورَةِ وَحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ. ١٨ فَأَحَبَّ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ. وَأَجَابَ يَعْقُوبُ خَالَهُ: «أَخْدِمُكَ سَبْعَ سِنِينَ لِقَاءَ زَوَاجِي بِرَاحِيلَ ابْنَتِكَ الصُّغْرَى». ١٩ فَقَالَ لابَانُ: «أَنْ أُزَوِّجَهَا مِنْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ أزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ، فَامْكُثْ عِنْدِي». ٢٠ فَخَدَمَ يَعْقُوبُ سَبْعَ سَنَوَاتٍ لِيَتَزَوَّجَ مِنْ رَاحِيلَ بَدَتْ فِي نَظَرِهِ كَأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، لِفَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهَا.
٢١ ثُمَّ قَالَ يَعْقُوبُ لِلابَانَ: «أَعْطِنِي زَوْجَتِي لأَنَّ خِدْمَتِي قَدْ كَمُلَتْ فَأَدْخُلَ عَلَيْهَا». ٢٢ فَجَمَعَ لابَانُ سَائِرَ أَهْلِ النَّاحِيَةِ وَأَقَامَ لَهُمْ مَأْدُبَةً. ٢٣ وَعِنْدَمَا حَلَّ الْمَسَاءُ حَمَلَ ابْنَتَهُ لَيْئَةَ وَزَفَّهَا إِلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا ٢٤ وَوَهَبَ لابَانُ زِلْفَةَ جَارِيَتَهُ لِتَكُونَ جَارِيَةً لابْنَتِهِ لَيْئَةَ. ٢٥ وَفِي الصَّبَاحِ اكْتَشَفَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِلَيْئَةَ، فَقَالَ لِلابَانَ: «مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟ أَلَمْ أَخْدِمْكَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ لِقَاءَ زَوَاجِي مِنْ رَاحِيلَ؟ فَلِمَاذَا خَدَعْتَنِي؟». ٢٦ فَأَجَابَهُ لابَانُ: «لَيْسَ مِنْ عَادَةِ بِلادِنَا أَنْ نُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ الْبِكْرِ. ٢٧ أَكْمِلْ أُسْبُوعَ لَيْئَةَ ثُمَّ نُزَوِّجُكَ مِنْ رَاحِيلَ، لِقَاءَ خِدْمَتِكَ لِي سَبْعَ سِنِينَ أُخَرَ». ٢٨ فَوَافَقَ يَعْقُوبُ، وَأَكْمَلَ أُسْبُوعَ لَيْئَةَ، فَأَعْطَاهُ لابَانُ رَاحِيلَ ابْنَتَهُ زَوْجَةً أَيْضاً. ٢٩ وَوَهَبَ لابَانُ بِلْهَةَ جَارِيَتَهُ لِتَكُونَ جَارِيَةً لابْنَتِهِ رَاحِيلَ. ٣٠ فَدَخَلَ يَعْقُوبُ عَلَى رَاحِيلَ أَيْضاً، وَأَحَبَّ رَاحِيلَ أَكْثَرَ مِنْ لَيْئَةَ. وَخَدَمَ خَالَهُ سَبْعَ سِنِينَ أُخَرَ.
أبناء يعقوب
٣١ وَعِنْدَمَا رَأَى الرَّبُّ أَنَّ لَيْئَةَ مَكْرُوهَةٌ جَعَلَهَا مُنْجِبَةً، أَمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ عَاقِراً. ٣٢ فَحَمَلَتْ لَيْئَةُ وَأَنْجَبَتِ ابْناً دَعَتْهُ رَأُوبَيْنَ (وَمَعْنَاهُ: هُوَذَا ابْنٌ) لأَنَّهَا قَالَتْ: «حَقّاً قَدْ نَظَرَ الرَّبُّ إِلَى مَذَلَّتِي، فَالآنَ يُحِبُّنِي زَوْجِي». ٣٣ وَحَمَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَأَنْجَبَتِ ابْناً، فَقَالَتْ: «لأَنَّ الرَّبَّ سَمِعَ أَنَّنِي كُنْتُ مَكْرُوهَةً رَزَقَنِي هَذَا الابْنَ أَيْضاً». فَدَعَتْهُ شِمْعُونَ (وَمَعْنَاهُ: سَمِيعٌ) ٣٤ ثُمَّ حَمَلَتْ مَرَّةً ثَالِثَةً وَأَنْجَبَتِ ابْناً فَقَالَتْ: «الآنَ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ يَتَّحِدُ بِي زَوْجِي، لأَنَّنِي أَنْجَبْتُ لَهُ ثَلاثَةَ بَنِينَ». لِذَلِكَ دُعِيَ اسْمُهُ لاوِي (وَمَعْنَاهُ: مُتَّحِدٌ) ٣٥ وَحَبِلَتْ مَرَّةً رَابِعَةً وَأَنْجَبَتِ ابْناً فَقَالَتْ: «فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ أَحْمَدُ الرَّبَّ». لِذَلِكَ دَعَتْهُ يَهُوذَا (وَمَعْنَاهُ: حَمْدٌ). ثُمَّ تَوَقَّفَتْ عَنِ الْوِلادَةِ.
٣٠
١ وَعِنْدَمَا تَبَيَّنَتْ رَاحِيلُ أَنَّهَا عَاقِرٌ، غَارَتْ مِنْ أُخْتِهَا، وَقَالَتْ لِيَعْقُوبَ: «هَبْ لِي بَنِينَ وَإلَّا فَإِنِّي أَمُوتُ».
٢ فَاحْتَدَمَ غَضَبُ يَعْقُوبَ عَلَى رَاحِيلَ وَقَالَ: «أَلَعَلِّي أَقُومُ مَقَامَ اللهِ الَّذِي حَرَمَكِ مِنَ الإِنْجَابِ؟» ٣ فَقَالَتْ لَهُ: «هَا هِيَ جَارِيَتِي بِلْهَةُ، عَاشِرْهَا فَتَلِدَ وَيَكُونَ لِي مِنْهَا بَنُونَ». ٤ وَأَعْطَتْهُ بِلْهَةَ زَوْجَةً فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَعْقُوبُ. ٥ وَحَمَلَتْ بِلْهَةُ وَأَنْجَبَتْ لِيَعْقُوبَ ابْناً. ٦ فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «قَدْ قَضَى اللهُ لِي وَأَصْغَى لِصَوْتِي وَرَزَقَنِي ابْناً». لِذَلِكَ دَعَتْهُ دَاناً (وَمَعْنَاهُ: قَاضٍ). ٧ ثُمَّ حَمَلَتْ بِلْهَةُ جَارِيَةُ رَاحِيلَ مَرَّةً أُخْرَى وَأَنْجَبَتْ لِيَعْقُوبَ ابْناً ثَانِياً، ٨ فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «قَدْ تَصَارَعْتُ مَعَ أُخْتِي مُصَارَعَاتٍ عَنِيفَةً وَظَفِرْتُ». وَدَعَتْهُ نَفْتَالِي (وَمَعْنَاهُ: مُصَارَعَتِي).
٩ وَلَمَّا رَأَتْ لَيْئَةُ أَنَّهَا كَفَّتْ عَنِ الْوِلادَةِ، أَخَذَتْ جَارِيَتَهَا زِلْفَةَ وَأَعْطَتْهَا لِيَعْقُوبَ زَوْجَةً، ١٠ فَأَنْجَبَتْ زِلْفَةُ جَارِيَةُ لَيْئَةَ لِيَعْقُوبَ ابْناً ١١ فَقَالَتْ لَيْئَةُ: «يَا لَحُسْنِ الْحَظِّ!» وَدَعَتْهُ جَاداً (وَمَعْنَاهُ: فَأْلٌ حَسَنٌ، أَوْ كَتِيبَةٌ قَادِمَةٌ). ١٢ وَأَنْجَبَتْ زِلْفَةُ جَارِيَةُ لَيْئَةُ ابْناً ثَانِياً لِيَعْقُوبَ، ١٣ فَقَالَتْ لَيْئَةُ: «يَا لَغِبْطَتِي، لأَنَّ النِّسَاءَ سَيَدْعُونَنِي الْمَغْبُوطَةَ». وَأَسْمَتْهُ أَشِيْرَ (وَمَعْنَاهُ: سَعِيدٌ أَوْ مَغْبُوطٌ).
١٤ وَذَهَبَ رَأُوبَيْنُ فِي مَوْسِمِ حَصَادِ الْقَمْحِ إِلَى الْحَقْلِ، فَعَثَرَ فِيهِ عَلَى نَبَاتِ اللُّفَّاحِ وَجَاءَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ لَيْئَةَ. فَقَالَتْ رَاحِيلُ لِلَيْئَةَ: «أَعْطِنِي مِنْ لُفَّاحِ ابْنِكِ». ١٥ فَأَجَابَتْهَا: «أَلَمْ يَكْفِ أَنَّكِ أَخَذْتِ مِنِّي زَوْجِي، وَالآنَ تُرِيِدينَ أَنْ تَأْخُذِي لُفَّاحَ ابْنِي أَيْضاً؟» فَأَجَابَتْهَا رَاحِيلُ: «إِذاً يُعَاشِرُكِ اللَّيلَةَ لِقَاءَ لُفَّاحِ ابْنِكِ». ١٦ وَعِنْدَمَا رَجَعَ يَعْقُوبُ مِنَ الْحَقَلِ فِي الْمَسَاءِ خَرَجَتْ لَيْئَةُ لِلِقَائِهِ وَقَالَتْ لَهُ: «إِلَيَّ تَجِيءُ اللَّيْلَةَ لأَنَّنِي قَدِ اسْتَأْجَرْتُكَ بِلُفَّاحِ ابْنِي». فَعَاشَرَهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. ١٧ وَاسْتَجَابَ اللهُ لِلَيْئَةَ فَحَمَلَتْ وَأَنْجَبَتْ لِيَعْقُوبَ ابْناً خَامِساً. ١٨ فَقَالَتْ لَيْئَةُ: «قَدْ أَعْطَانِي اللهُ أُجْرَتِي لأَنَّنِي وَهَبْتُ جَارِيَتِي لِزَوْجِي». وَدَعَتْهُ يَسَّاكَرَ (وَمَعْنَاهُ: يَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ) ١٩ وَحَبِلَتْ لَيْئَةُ مَرَّةً أُخْرَى فَأَنْجَبَتْ لِيَعْقُوبَ ابْناً سَادِساً. ٢٠ وَقَالَتْ لَيْئَةُ: «قَدَ وَهَبَنِي اللهُ هِبَةً ثَمِينَةً، وَالآنَ يُقِيمُ مَعِي زَوْجِي لأَنِّي أَنْجَبْتُ لَهُ سِتَّةَ بَنِينَ». وَدَعَتْهُ زَبُولُونَ (وَمَعْنَاهُ إِقَامَةُ). ٢١ ثُمَّ أَنْجَبَتِ ابْنَةً دَعَتْهَا «دِينَةَ».
٢٢ وَذَكَرَ اللهُ رَاحِيلَ وَاسْتَجَابَ لَهَا وَفَتَحَ رَحِمَهَا، ٢٣ فَحَمَلَتْ وَأَنْجَبَتِ ابْناً وَقَالَتْ: «قَدَ نَزَعَ اللهُ عَنِّي عَارِي». ٢٤ وَدَعَتْهُ يُوسُفَ (وَمَعْنَاهُ يَزِيدُ) قَائِلَةً: «لِيَزِدْنِي الرَّبُّ ابْناً آخَرَ».
قطعان يعقوب تزداد
٢٥ وَعِنْدَمَا وَلَدَتْ رَاحِيلُ يُوسُفَ، قَالَ يَعْقُوبُ لِلابَانَ: «أَخْلِ سَبِيلِي فَأَنْطَلِقَ إِلَى بَلَدِي وَإِلَى أَرْضِي، ٢٦ وَأَعْطِنِي نِسَائِي وَأَوْلادِي الَّذِينَ خَدَمْتُكَ بِهِمْ، وَدَعْنِي أَمْضِي، فَأَنْتَ تُدْرِكُ أَيَّةَ خِدْمَةٍ خَدَمْتُكَ». ٢٧ فَقَالَ لَهُ لابَانُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ حَظِيتُ بِرِضَاكَ فَأَرْجُوكَ أَنْ تَمْكُثَ مَعِي، لأَنَّنِي عَرَفْتُ بِالتَّفَاؤُلِ بِالْغَيْبِ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ بَارَكَنِي بِفَضْلِكَ». ٢٨ وَأَضَافَ: «عَيِّنْ لِي أُجْرَتَكَ فَأُعْطِيَكَ إِيَّاهَا». ٢٩ فَقَالَ لَهُ يَعْقُوبُ: «أَنْتَ تَعْلَمُ كَيْفَ خَدَمْتُكَ، وَمَاذَا آلَتْ إِلَيْهِ مَوَاشِيكَ تَحْتَ رِعَايَتِي، ٣٠ فَالْقَلِيلُ الَّذِي كَانَ لَكَ قَبْلَ مَجِيئِي ازْدَادَ أَضْعَافاً كَثِيرَةً، فَبَارَكَكَ الرَّبُّ مُنْذُ أَنْ قَدِمْتُ عَلَيْكَ، وَالآنَ مَتَى أَشْرَعُ فِي تَحْصِيلِ رِزْقِ عَائِلَتِي؟» ٣١ فَسَأَلَهُ: «مَاذَا أُعْطِيكَ؟» فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ: «لا تُعْطِنِي شَيْئاً. وَلَكِنْ إِنْ أَرَدْتَ، فَاصْنَعْ لِي هَذَا الأَمْرَ الْوَاحِدَ فَأَذْهَبَ وَأَرْعَى غَنَمَكَ وَأَعْتَنِيَ بِها: ٣٢ دَعْنِي أَمُرُّ الْيَوْمَ بَيْنَ مَوَاشِيكَ كُلِّهَا، فَتَعْزِلَ مِنْهَا كُلَّ شَاةٍ رَقْطَاءَ وَبَلْقَاءَ وَسَوْدَاءَ مِنْ بَيْنِ الْخِرْفَانِ، وَكُلَّ بَلْقَاءَ وَرَقْطَاءَ بَيْنَ الْمِعْزَى، فَتَكُونُ هَذِهِ أُجْرَتِي. ٣٣ وَتَكُونُ أَمَانَتِي شَاهِدَةً عَلَى صِدْقِ خِدْمَتِي فِي مُسْتَقْبَلِ الأَيَّامِ. فَإِذَا جِئْتَ تَفْحَصُ أُجْرَتِي، وَوَجَدْتَ عِنْدِي مَا لَيْسَ أَرْقَطَ أَوْ أَبْلَقَ بَيْنَ الْمِعْزَى وَأَسْوَدَ بَيْنَ الْخِرْفَانِ، يَكُونُ مَسْرُوقاً عِنْدِي». ٣٤ فَقَالَ لابَانُ: «لِيَكُنْ وَفْقاً لِقَوْلِكَ». ٣٥ وَعَزَلَ لابَانُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ التُّيُوسَ الْمُخَطَّطَةَ وَالْبَلْقَاءَ، وَكُلَّ عَنْزٍ رَقْطَاءَ وَبَلْقَاءَ، كُلَّ مَا فِيهِ بَيَاضٌ وَكُلَّ خَرُوفٍ أَسْوَدَ. وَعَهِدَ بِها إِلَى أَبْنَاءِ يَعْقُوبَ. ٣٦ وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَعْقُوبَ مَسَافَةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَاسْتَمَرَّ يَعْقُوبُ يَرْعَى مَوَاشِي لابَانَ.
٣٧ وَأَخَذَ يَعْقُوبُ قُضْبَاناً خَضْرَاءَ مِنْ أَشْجَارِ اللُّبْنَى وَاللَّوْزِ وَالدُّلْبِ وَقَلَّمَهَا بِخُطُوطٍ بَيْضَاءَ كَاشِفاً عَمَّا تَحْتَ الْقِشْرَةِ مِنْ بَيَاضٍ، ٣٨ وَنَصَبَ الْقُضْبَانَ الَّتِي قَلَّمَهَا تِجَاهَ الْغَنَمِ فِي أَجْرَانِ مَسَاقِي الْمَاءِ حَيْثُ تَرِدُ الْمَوَاشِي، فَتَتَوَحَّمُ عَلَيْهَا إِذَا مَا أَقْبَلَتْ لِتَشْرَبَ. ٣٩ فَكَانَتِ الْغَنَمُ تَتَوَحَّمُ عِنْدَ الْقُضْبَانِ، فَتَلِدُ غَنَماً مُخَطَّطَةً وَرَقْطَاءَ وَبَلْقَاءَ. ٤٠ وَفَرَزَ يَعْقُوبُ الْحُمْلانَ، وَجَعَلَ مُقَدِّمَةَ الْمَوَاشِي فِي مُوَاجَهَةِ كُلِّ مَا هُوَ مُخَطَّطٌ وَأَسْوَدُ مِنْ غَنَمِ لابَانَ، وَأَقَامَ لِنَفْسِهِ قُطْعَاناً عَلَى حِدَةٍ بِمَعْزِلٍ عَنْ غَنَمِ لابَانَ. ٤١ فَكَانَ يَعْقُوبُ كُلَّمَا تَوَحَّمَتِ الْغَنَمُ الْقَوِيَّةُ يَنْصِبُ الْقُضْبَانَ أَمَامَ عُيُونِ الْمَوَاشِي فِي الأَجْرَانِ لِتَتَوَحَّمَ بَيْنَ الْقُضْبَانِ. ٤٢ وَحِينَ تَكُونُ الْغَنَمُ ضَعِيفَةً، لَا يَضَعُ الْقُضْبَانَ أَمَامَهَا، فَصَارَتِ الضَّعِيفَةُ لِلابَانَ وَالْقَوِيَّةُ لِيَعْقُوبَ. ٤٣ فَاغْتَنَى الرَّجُلُ جِدّاً، وَكَثُرَتْ مَوَاشِيهِ وَجَوَارِيهِ وَعَبِيدُهُ وَجِمَالُهُ وَحَمِيرُهُ.
٣١
يعقوب يهرب من لابان
١ وَسَمِعَ يَعْقُوبُ مَا يُرَدِّدُهُ أَبْنَاءُ لابَانَ قَائِلِينَ: «لَقَدِ اسْتَوْلَى يَعْقُوبُ عَلَى كُلِّ مَا لأَبِينَا، وَجَمَعَ ثَرْوَتَهُ مِمَّا يَمْلِكُهُ وَالِدُنَا». ٢ وَرَأَى يَعْقُوبُ أَنَّ مُعَامَلَةَ لابَانَ لَهُ قَدْ طَرَأَ عَلَيْهَا تَغْيِيرٌ فَاخْتَلَفَتْ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ سَابِقاً. ٣ وَقَالَ الرَّبُّ لِيَعْقُوبَ: «عُدْ إِلَى أَرْضِ آبَائِكَ وَإِلَى قَوْمِكَ وَأَنَا أَكُونُ مَعَكَ».
٤ فَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ وَاسْتَدْعَى رَاحِيلَ وَلَيْئَةَ إِلَى الْحَقْلِ حَيْثُ يَرْعَى الْمَاشِيَةَ. ٥ وَقَالَ لَهُمَا: «إِنِّي أَرَى أَنَّ أَبَاكُمَا لَمْ يَعُدْ يُعَامِلُنِي كَالْعَهْدِ بِهِ مِنْ قَبْلُ، وَلَكِنْ إِلَهُ أَبَائِي كَانَ وَمَازَالَ مَعِي. ٦ أَنْتُمَا تَعْلَمَانِ أَنَّنِي خَدَمْتُ أَبَاكُمَا بِكُلِّ قُوَايَ. ٧ أَمَّا أَبُوكُمَا فَقَدْ غَدَرَ بِي وَغَيَّرَ أُجْرَتِي عَشْرَ مَرَّاتٍ. لَكِنَّ اللهَ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ بِأَنْ يُسِيءَ إِلَيَّ. ٨ فَإِنْ قَالَ: لِتَكُنِ الْغَنَمُ الرُّقْطُ أُجْرَتَكَ، وَلَدَتْ كُلُّ الْغَنَمِ رُقْطاً. وَإِنْ قَالَ: لِتَكُنِ الْغَنَمُ الْمُخَطَّطَةُ أُجْرَتَكَ، وَلَدَتْ كُلُّ الْغَنَمِ مُخَطَّطَةً. ٩ لَقَدْ سَلَبَ اللهُ مَوَاشِي أَبِيكُمَا وَأَعْطَانِي إِيَّاهَا. ١٠ وَرَأَيْتُ فِي مَوْسِمِ تَلاقُحِ الْغَنَمِ حُلْماً: أَنَّ جَمِيعَ الْفُحُولِ الصَّاعِدَةِ عَلَى الْغَنَمِ مُخَطَّطَةٌ وَرَقْطَاءُ وَمُنَمَّرَةٌ. ١١ وَقَالَ لِي مَلاكُ اللهِ فِي الْحُلْمِ: يَا يَعْقُوبُ، ١٢ تَطَلَّعْ حَوْلَكَ وَانْظُرْ، فَتَرَى أَنَّ جَمِيعَ الْفُحُولِ الصَّاعِدَةِ عَلَى الْغَنَمِ هِيَ مُخَطَّطَةٌ وَرَقْطَاءُ وَمُنَمَّرَةٌ. فَإِنِّي رَأَيْتُ مَا يَصْنَعُهُ بِكَ لابَانُ. ١٣ أَنَا إِلَهُ بَيْتِ إِيلَ، حَيْثُ مَسَحْتَ عَمُوداً، وَحَيْثُ نَذَرْتَ لِي نَذْراً. الآنَ قُمْ وَامْضِ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ وَارْجِعْ إِلَى أَرْضِ مَوْلِدِكَ».
١٤ فَقَالَتْ رَاحِيلُ وَلَيْئَةُ: «هَلْ بَقِيَ لَنَا نَصِيبٌ وَمِيرَاثٌ فِي بَيْتِ أَبِينَا؟ ١٥ أَلَمْ يُعَامِلْنَا كَأَجْنَبِيَّتَيْنِ لأَنَّهُ بَاعَنَا وَأَكَلَ ثَمَنَنَا أَيْضاً؟ ١٦ إِنَّ كُلَّ الثَّرْوَةِ الَّتِي سَلَبَهَا اللهُ مِنْ أَبِينَا هِيَ لَنَا وَلأَوْلادِنَا، وَالآنَ افْعَلْ كُلَّ مَا قَالَهُ اللهُ لَكَ».
١٧ فَقَامَ يَعْقُوبُ وَحَمَلَ أَوْلادَهُ وَنِسَاءَهُ عَلَى الْجِمَالِ، ١٨ وَسَاقَ كُلَّ مَاشِيَتِهِ أَمَامَهُ وَجَمِيعَ مُقْتَنَيَاتِهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا فِي سَهْلِ أَرَامَ وَاتَّجَهَ إِلَى إِسْحاقَ أَبِيهِ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. ١٩ وَكَانَ لابَانُ قَدْ مَضَى لِيَجُزَّ غَنَمَهُ، فَسَرَقَتْ رَاحِيلُ أَصْنَامَ أَبِيهَا. ٢٠ وَكَذَلِكَ خَدَعَ يَعْقُوبُ لابَانَ الأَرَامِيَّ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِقَرَارِهِ ٢١ فَهَرَبَ هُوَ وَكُلُّ مَا مَعَهُ، وَانْطَلَقَ عَابِراً النَّهْرَ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ جَبَلِ جِلْعَادَ.
لابان يطارد يعقوب
٢٢ فَأُخْبِرَ لابَانُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَنَّ يَعْقُوبَ قَدْ هَرَبَ. ٢٣ فَصَحِبَ إِخْوَتَهُ مَعَهُ وَتَعَقَّبَهُ مَسِيرَةَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ حَتَّى أَدْرَكَهُ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ. ٢٤ فَتَجَلَّى اللهُ لِلابَانَ الأَرَامِيِّ فِي حُلْمٍ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «إِيَّاكَ أَنْ تُخَاطِبَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ بِشَرٍّ». ٢٥ وَحِينَ أَدْرَكَ لابَانُ يَعْقُوبَ كَانَ يَعْقُوبُ قَدْ ضَرَبَ خَيْمَتَهُ فِي الْجَبَلِ، فَخَيَّمَ لابَانُ وَإخْوَتُهُ فِي جَبَلِ جِلْعَادَ.
٢٦ وَقَالَ لابَانُ لِيَعْقُوبَ: «مَاذَا دَهَاكَ حَتَّى إِنَّكَ خَدَعْتَنِي وَسُقْتَ ابْنَتَيَّ كَسَبَايَا السَّيْفِ؟ ٢٧ لِمَاذَا هَرَبْتَ خِفْيَةً وَخَدَعْتَنِي؟ لِمَاذَا لَمْ تُخْبِرْنِي فَكُنْتُ أُشَيِّعُكَ بِفَرَحٍ وَغِنَاءٍ وَدُفٍّ وَعُودٍ؟ ٢٨ وَلَمْ تَدَعْنِي أُقَبِّلُ أَحْفَادِي وَابْنَتَيَّ؟ إِنَّكَ بِغَبَاوَةٍ تَصَرَّفْتَ. ٢٩ إنَّ فِي مَقْدُورِي أَنْ أُؤْذِيَكَ، وَلِكِنَّ إِلَهَ أَبِيكَ أَمَرَنِي لَيْلَةَ أَمْسٍ قَائِلاً: إِيَّاكَ أَنْ تُخَاطِبَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ بِشَرٍّ. ٣٠ وَالآنَ أَنْتَ تَمْضِي لأَنَّكَ اشْتَقْتَ إِلَى بَيْتِ أَبِيكَ، وَلَكِنْ لِمَاذَا سَرَقْتَ آلِهَتِي؟».
٣١ فَأَجَابَ يَعْقُوبُ: «لأَنَّنِي خِفْتُ أَنْ تَغْتَصِبَ ابْنَتَيْكَ مِنِّي. ٣٢ وَالآنَ، مَنْ تَجِدُ آلِهَتَكَ مَعَهُ فَالْمَوْتُ عِقَابُهُ. فَتِّشْ أَمَامَ إِخْوَتِنَا كُلَّ مَا مَعِي. إِنْ وَجَدْتَ لَكَ شَيْئاً فَخُذْهُ». وَلَمْ يَكُنْ يَعْقُوبُ يَعْلَمُ أَنَّ رَاحِيلَ قَدْ سَرَقَتِ الآلِهَةَ.
٣٣ فَدَخَلَ لابَانُ خَيْمَةَ كُلٍّ مِنْ يَعْقُوبَ وَلَيْئَةَ وَالْجَارِيَتَيْنِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خِبَاءِ لَيْئَةَ وَدَخَلَ إِلَى خَيْمَةِ رَاحِيلَ. ٣٤ وَكَانَتْ رَاحِيلُ قَدْ أَخَذَتِ الأَصْنَامَ وَأَخْفَتْهَا فِي رَحْلِ الْجَمَلِ وَجَلَسَتْ عَلَيْهَا، فَبَحَثَ فِي كُلِّ الْخَيْمَةِ دُونَ أَنْ يَعْثُرَ عَلَى شَيْءٍ. ٣٥ وَقَالَتْ لأَبِيهَا «لا يُسِئْكَ يَا سَيِّدِي عَدَمُ اسْتِطَاعَتِي الْوُقُوفَ أَمَامَكَ لأَنَّ عَادَةَ النِّسَاءِ قَدْ عَرَضَتْ لِي». وَعِنْدَمَا بَحَثَ لابَانُ وَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً ٣٦ اغْتَاظَ يَعْقُوبُ وَخَاصَمَ لابَانَ قَائِلاً: «مَا هُوَ ذَنْبِي وَمَا هِيَ خَطِيئَتِي حَتَّى تَعَقَّبْتَنِي بِغَيْظٍ؟ ٣٧ وَهَا أَنْتَ قَدْ فَتَّشْتَ جَمِيعَ أَثَاثِ بَيْتِي، فَمَاذَا وَجَدْتَ مِنْ جَمِيعِ أَثَاثِ بَيْتِكَ؟ اعْرِضْهُ هُنَا أَمَامَ أَقْرِبَائِنَا فَيَحْكُمُوا بَيْنَنَا كِلَيْنَا. ٣٨ لَقَدْ مَكَثْتُ مَعَكَ عِشْرِينَ سَنَةً، فَمَا أَسْقَطَتْ نِعَاجُكَ وَعِنَازُكَ، وَلَمْ آكُلْ مِنْ كِبَاشِ غَنَمِكَ. ٣٩ أَشْلاءَ فَرِيسَةٍ لَمْ أُحْضِرْ لَكَ بَلْ كُنْتُ أَتَحَمَّلُ خَسَارَتَهَا، وَمِنْ يَدِي كُنْتَ تَطْلُبُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مَخْطُوفَةً فِي النَّهَارِ أَمْ فِي اللَّيْلِ. ٤٠ كُنْتُ فِي النَّهَارِ يَأْكُلُنِي الْحَرُّ وَفِي اللَّيْلِ الْجَلِيدُ، وَفَارَقَ نَوْمِي عَيْنَيَّ. ٤١ لَقَدْ صَارَ لِي عِشْرُونَ سَنَةً فِي بَيْتِكَ. أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْهَا خَدَمْتُكَ لِقَاءَ زَوَاجِي بِابْنَتَيْكَ، وَسِتَّ سَنَوَاتٍ مُقَابِلَ غَنَمِكَ، وَقَدْ غَيَّرْتَ أُجْرَتِي عَشْرَ مَرَّاتٍ. ٤٢ وَلَوْلا أَنَّ إِلَهَ أَبِي، إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَهَيْبَةَ إِسْحاقَ كَانَا مَعِي لَكُنْتَ الآنَ قَدْ صَرَفْتَنِي فَارِغاً. لَكِنِ الرَّبُّ قَدْ رَأَى مَذَلَّتِي وَتَعَبَ يَدَيَّ فَوَبَّخَكَ لَيْلَةَ أَمْسِ».
٤٣ فَأَجَابَ لابَانُ: «الْبَنَاتُ بَنَاتِي، وَالأَبْنَاءُ أَبْنَائِي وَالْغَنَمُ غَنَمِي، وَكُلُّ مَا تَرَاهُ هُوَ لِي. وَلَكِنْ مَاذَا أَفْعَلُ بِبَنَاتِي وَأَوْلادِهِنَّ الآنَ؟ ٤٤ فَلْنَقْطَعْ عَهْداً بَيْنَنَا الْيَوْمَ، فَيَكُونَ شَاهِداً بَيْنِي وَبَيْنَكَ».
٤٥ فَأَخَذَ يَعْقُوبُ حَجَراً وَنَصَبَهُ عَمُوداً، ٤٦ وَقَالَ لأَقْرِبَائِهِ: «اجْمَعُوا حِجَارَةً». فَأَخَذُوا الْحِجَارَةَ وَجَعَلُوهَا رُجْمَةً وَأَكَلُوا هُنَاكَ فَوْقَهَا. ٤٧ وَدَعَاهَا لابَانُ «يَجَرْ سَهْدُوثَا» (وَمَعْنَاهَا: رُجْمَةُ الشَّهَادَةِ بِلُغَةِ لابَانَ) وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَدَعَاهَا «جَلْعِيدَ» (وَمَعْنَاهَا: رُجْمَةُ الشَّهَادَةِ بِلُغَةِ يَعْقُوبَ). ٤٨ وَقَالَ لابَانُ: «هَذِهِ الرُّجْمَةُ شَاهِدَةٌ الْيَوْمَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ». لِذَلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا جَلْعِيدَ. ٤٩ وَكَذَلِكَ دُعِيَتْ بِالْمِصْفَاةِ أَيْضاً لأَنَّهُ قَالَ: «لِيَكُنِ الرَّبُّ رَقِيباً بَيْنِي وَبَيْنَكَ حِينَ يَغِيبُ كُلٌّ مِنَّا عَنِ الآخَرِ. ٥٠ إِنْ أَسَأْتَ مُعَامَلَةَ ابْنَتَيَّ، أَوْ تَزَوَّجْتَ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّ اللهَ يَرَاكَ وَيَكُونُ حَاكِماً بَيْنِي وَبَيْنَكَ حَتَّى لَوْ لَمْ أَعْرِفْ أَنَا». ٥١ وَأَضَافَ: «لِتَكُنِ الرُّجْمَةُ، وَهَذَا الْعَمُودُ الَّذِي أَقَمْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ٥٢ شَاهِدَيْنِ أَنْ لَا أَتَجَاوَزَ هَذِهِ الرُّجْمَةَ لإِيقَاعِ الأَذَى بِكَ، أَوْ تَتَجَاوَزَ أَنْتَ الرُّجْمَةَ وَهَذَا الْعَمُودَ لإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِي. ٥٣ وَلْيَكُنْ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ نَاحُورَ وَإِلَهُ أَبِيهِمَا حَاكِماً بَيْنَنَا». فَحَلَفَ يَعْقُوبُ بِهَيْبَةِ أَبِيهِ إِسْحاقَ. ٥٤ ثُمَّ قَدَّمَ يَعْقُوبُ قُرْبَاناً فِي الْجَبَلِ وَدَعَا أَقْرِبَاءَهُ لِيَأْكُلُوا طَعَاماً، فَأَكَلُوا وَقَضَوْا لَيْلَتَهُمْ فِي الْجَبَلِ.
٥٥ وَفِي الصَّبَاحِ الْمُبَكِّرِ نَهَضَ لابَانُ وَقَبَّلَ أَحْفَادَهُ وَابْنَتَيْهِ وَبَارَكَهُمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعاً، إِلَى مَحَلِّ إِقَامَتِهِ.
٣٢
استعداد يعقوب للقاء عيسو
١ وَلَمَّا مَضَى يَعْقُوبُ فِي سَبِيلِهِ لاقَتْهُ مَلائِكَةُ اللهِ. ٢ فَقَالَ يَعْقُوبُ: «هَذَا جُنْدُ اللهِ». فَدَعَا اسْمَ ذَلِكَ الْمكَانِ مَحَنَايِمَ. (وَمَعْنَاهُ: الْمُعَسْكَرَانِ).
٣ وَبَعَثَ يَعْقُوبُ قُدَّامَهُ رُسُلاً إِلَى أَخِيهِ عِيسُو فِي أَرْضِ سَعِيرَ بِلادِ أَدُومَ. ٤ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «هَذَا مَا تَقُولُونَهُ لِسَيِّدِي عِيسُو: هَكَذَا يَقُولُ عَبْدُكَ يَعْقُوبُ: لَقَدْ تَغَرَّبْتُ عِنْدَ لابَانَ وَمَكَثْتُ هُنَاكَ إِلَى الآنَ، ٥ وَاقْتَنَيْتُ بَقَراً وَحَمِيراً وَغَنَماً وَعَبِيداً وَإِمَاءً وَأَرْسَلْتُ لأُعْلِمَ سَيِّدِي لَعَلَّنِي أَحْظَى بِرِضَاكَ».
٦ فَرَجَعَ الرُّسُلُ إِلَى يَعْقُوبَ قَائِلِينَ: «لَقَدْ قَدِمْنَا عَلَى أَخِيكَ عِيسُو وَهَا هُوَ مُقْبِلٌ إِلَيْكَ، وَمَعَهُ أَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ». ٧ فَاعْتَرَى يَعْقُوبَ خَوْفٌ وَكَرَبٌ عَظِيمَانِ وَقَسَّمَ الْقَوْمَ الَّذِينَ مَعَهُ وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَالْجِمَالَ إِلَى جَمَاعَتَيْنِ. ٨ وَقَالَ: «إِنْ صَادَفَ عِيسُو إِحْدَى الْجَمَاعَتَيْنِ وَأَهْلَكَهَا، تَنْجُ الْجَمَاعَةُ الْبَاقِيَةُ».
٩ وَصَلَّى يَعْقُوبُ: «يَا إِلَهَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهَ أَبِي إِسْحاقَ، أَيُّهَا الرَّبُّ الَّذِي قَالَ لِي: ارْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى قَوْمِكَ فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ. ١٠ أَنَا لَا أَسْتَحِقُّ جَمِيعَ إِحْسَانَاتِكَ وَأَمَانَتَكَ الَّتيِ أَبْدَيْتَهَا نَحْوَ عَبْدِكَ، فَقَدْ عَبَرْتُ الأُرْدُنَّ وَلَيْسَ مَعِي سِوَى عَصَايَ، وَهَا أَنَا أَعُودُ وَقَدْ أَصْبَحْتُ جَيْشَيْنِ. ١١ نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَخِي عِيسُو لأَنِّي خَائِفٌ أَنْ يَقْدِمَ عَلَيَّ فَيُهْلِكَنِي وَيُهْلِكَ مَعِي الأُمَّهَاتِ وَالْبَنِينَ. ١٢ وَأَنْتَ قُلْتَ: إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْكَ وَأَجْعَلُ ذُرِّيَّتَكَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ فَلا تُحْصَى لِكَثْرَتِهَا».
١٣ وَبَاتَ هُنَاكَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَانْتَقَى مِمَّا لَدَيْهِ هَدِيَّةً لأَخِيهِ عِيسُو. ١٤ فَكَانَتْ مِئَتَيْ عَنْزٍ وَعِشْرِينَ تَيْساً وَمِئَتَيْ نَعْجَةٍ وَعِشْرِينَ كَبْشاً، ١٥ وَثَلاثِينَ نَاقَةً مُرْضِعَةً مَعَ أَوْلادِهَا، وَأَرْبَعِينَ بَقَرَةً وَعَشَرَةَ ثِيرَانٍ وَعِشْرِينَ أَتَاناً وَعَشَرَةَ حَمِيرٍ، ١٦ وَعَهِدَ بِها إِلَى أَيْدِي عَبِيدِهِ، كُلِّ قَطِيعٍ عَلَى حِدَةٍ. وَقَالَ لِعَبِيدِهِ: «تَقَدَّمُونِي، وَاجْعَلُوا بَيْنَ كُلِّ قَطِيعٍ وَقَطِيعٍ مَسَافَةً». ١٧ وَأَوْصَى طَلِيعَتَهُمْ قَائِلاً: «إِذَا لَقِيتَ أَخِي عِيسُو وَسَأَلَكَ: لِمَنْ أَنْتَ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ وَمَنْ هُوَ صَاحِبُ الْقَطِيعِ الَّذِي أَمَامَكَ؟ ١٨ أَنَّكَ تُجِيبُ: هِيَ لِعَبْدِكَ يَعْقُوبَ، هَدِيَّةٌ بَعَثَ بِها لِسَيِّدِي عِيسُو. وَهَا هُوَ قَادِمٌ خَلْفَنَا». ١٩ وَأَوْصَى أَيْضاً بَقِيَّةَ السَّائِرِينَ وَرَاءَ الْقُطْعَانِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلامِ وَأَضَافَ: ٢٠ «تَقُولُونَ أَيْضاً: هُوَذَا عَبْدُكَ يَعْقُوبُ قَادِمٌ وَرَاءَنَا». وَكَانَ يَعْقُوبُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: «أَسْتَعْطِفُهُ بِالْهَدَايَا الَّتِي تَتَقَدَّمُنِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أُشَاهِدُ وَجْهَهُ لَعَلَّهُ يَرْضَى عَنِّي». ٢١ وَهَكَذَا تَقَدَّمَتْهُ هَدَايَاهُ. أَمَّا هُوَ فَقَضَى لَيْلَتَهُ فِي الْمُخَيَّمِ.
يعقوب يصارع مع الله
٢٢ ثُمَّ قَامَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَصَحِبَ مَعَهُ زَوْجَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلادَهُ الأَحَدَ عَشَرَ، وَعَبَرَ بِهِمْ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ، ٢٣ وَلَمَّا أَجَازَهُمْ وَكُلَّ مَالَهُ عَبْرَ الْوَادِي، ٢٤ وَبَقِيَ وَحْدَهُ، صَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. ٢٥ وَعِنْدَمَا رَأَى أَنَّهُ لَمْ يَتَغَلَّبْ عَلَى يَعْقُوبَ، ضَرَبَهُ عَلَى حُقِّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ مَفْصِلُ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. ٢٦ وَقَالَ لَهُ: «أَطْلِقْنِي، فَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ: «لا أُطْلِقُكَ حَتَّى تُبَارِكَنِي». ٢٧ فَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَأَجَابَ: «يَعْقُوبُ». ٢٨ فَقَالَ: «لا يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ إِسْرَائِيلَ (وَمَعْنَاهُ: يُجَاهِدُ مَعَ اللهِ)، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». ٢٩ فَسَأَلَهُ يَعْقُوبُ: «أَخْبِرْنِي مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.
٣٠ وَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ فَنِيئِيلَ (وَمَعْنَاهُ: وَجْهُ اللهِ) إِذْ قَالَ: «لأَنِّي شَاهَدْتُ اللهَ وَجْهاً لِوَجْهٍ وَبَقِيتُ حَيًّا». ٣١ وَمَا إِنْ عَبَرَ فَنِيئِيلَ حَتَّى أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَسَارَ وَهُوَ عَارِجٌ مِنْ فَخْذِهِ ٣٢ لِذَلِكَ يَمْتَنِعُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنْ أَكْلِ عِرْقِ النَّسَا الَّذِي عَلَى حُقِّ الْفَخْذِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، لأَنَّ الرَّجُلَ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ النَّسَا.
٣٣
لقاء يعقوب وعيسو
١ وَتَطَلَّعَ يَعْقُوبُ مِنْ بَعِيدٍ، فَرَأَى عِيسُو مُقْبِلاً وَمَعَهُ أَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ، فَفَرَّق أَوْلادَهُ عَلَى لَيْئَةَ وَرَاحِيلَ وَالْجَارِيَتَيْنِ. ٢ فَجَعَلَ الْجَارِيَتَيْنِ وَأَوْلادَهُمَا فِي الطَّلِيعَةِ، ثُمَّ لَيْئَةَ وَأَوْلادَهَا، وَأَخِيراً رَاحِيلَ وَيُوسُفَ. ٣ وَتَقَدَّمَهُمْ، وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى اقْتَرَبَ مِنْ أَخِيهِ. ٤ فَأَسْرَعَ عِيسُو لِمُلاقَاتِهِ وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ، وَبَكَيَا.
٥ وَتَلَفَّتَ عِيسُو حَوْلَهُ فَشَاهَدَ النِّسَاءَ وَالأَوْلادَ فَقَالَ: «مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ مَعَكَ؟» فَأَجَابَ: «هُمُ الأَوْلادُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ بِهِمْ عَلَى عَبْدِكَ». ٦ ثُمَّ دَنَتِ الْجَارِيَتَانِ مَعَ أَوْلادِهِمَا وَانْحَنَوْا أَمَامَ عِيسُو. ٧ وَبَعْدَهُمْ اقْتَرَبَتْ لَيْئَةُ وَأَوْلادُهَا وَانْحَنَوْا أَيْضاً، وَأَخِيراً تَقَدَّمَتْ رَاحِيلُ وَيُوسُفُ وَانْحَنَيَا أَمَامَهُ. ٨ وَسَأَلَ عِيسُو: «مَا هُوَ قَصْدُكَ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الْقُطْعَانِ الَّتِي صَادَفْتُهَا؟». فَأَجَابَ يَعْقُوبُ: «هِيَ لِكَيْ أَحْظَى بِرِضَى سَيِّدِي». ٩ فَقَالَ عِيسُو: «إِنَّ لَدَيَّ كَثِيراً يَا أَخِي. فَاحْتَفِظْ لِنَفْسِكَ بِمَا لَكَ». ١٠ فَقَالَ يَعْقُوبُ: «لا، إِنْ كُنْتُ قَدْ حَظِيتُ بِرِضَاكَ، فَأَرْجُو مِنْكَ أَنْ تَقْبَلَ مِنِّي هَدِيَّتِي لأَنِّي رَأَيْتُ وَجْهَكَ كَمَا يُرَى وَجْهُ اللهِ، فَرَضِيتَ عَنِّي. ١١ فَأَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ تَقْبَلَ بَرَكَتِي الَّتِي حَمَلْتُهَا إِلَيْكَ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَغْدَقَ عَلَيَّ، وَلَدَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ». وَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَبِلَ.
الافتراق السلمي
١٢ وَقَالَ عِيسُو: «لِنَرْتَحِلْ فَأَسِيرَ أَمَامَكَ وَتَتْبَعَنِي». ١٣ فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ: «يَا سَيِّدِي أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الأَوْلادَ مَا بَرِحُوا أَطْرِيَاءَ الْعُودِ، وَغَنَمِي وَبَقَرِي مُرْضِعَةٌ، فَإِنْ أَجْهَدْتُهَا يَوْماً وَاحِداً فَإِنَّ كُلَّ الْغَنَمِ تَمُوتُ. ١٤ فَلْيَتَقَدَّمْ مَوْلايَ عَبْدَهُ، وَأَنَا أَسِيرُ مُتَمَهِّلاً فِي إِثْرِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي أَمَامِي، وَفِي إِثْرِ الأَوْلادِ أَيْضاً، إِلَى أَنْ أُقْبِلَ عَلَى سَيِّدِي فِي سَعِيرَ». ١٥ فَقَالَ لَهُ عِيسُو: «إِذاً أَتْرُكُ مَعَكَ بَعْضَ الْقَوْمِ الَّذِينَ مَعِي». فَأَجَابَهُ: «وَأَيُّ حَاجَةٍ لِذَلِكَ؟ إِنَّ كُلَّ مَا أَطْلُبُهُ هُوَ أَنْ أَحْظَى بِرِضَى سَيِّدِي». ١٦ فَمَضَى عِيسُو فِي طَرِيقِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَاجِعاً إِلَى سَعِيرَ.
١٧ أَمَّا يَعْقُوبُ فَارْتَحَلَ إِلَى سُكُّوتَ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ بَيْتاً وَصَنَعَ لِمَوَاشِيهِ مِظَلاتٍ. لِذَلِكَ دُعِيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ بِاسْمِ سُكُّوتَ (وَمَعْنَاهُ: الْمِظَلاتُ). ١٨ ثُمَّ وَصَلَ يَعْقُوبُ سَالِماً مَدِينَةَ شَكِيمَ (وَهِيَ نَابُلْسُ) الَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، عَلَى طَرِيقِهِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى سَهْلِ أَرَامَ، وَنَصَبَ خِيَامَهُ مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ، ١٩ وَاشْتَرَى الأَرْضَ الَّتِي نَصَبَ عَلَيْهَا خَيْمَتَهُ، مِنْ أَبْنَاءِ حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ بِمِئَةِ قِطْعَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ. ٢٠ وَشَيَّدَ هُنَاكَ مَذْبَحاً دَعَاهُ إِيلَ (وَمَعْنَاهُ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ).
٣٤
دينة وأهل شكيم
١ وَخَرَجَتْ دِينَةُ ابْنَةُ لَيْئَةَ الَّتِي أَنْجَبَتْهَا لِيَعْقُوبَ لِتَتَعَرَّفَ عَلَى بَنَاتِ الْمِنْطَقَةِ الْمُحِيطَةِ، ٢ فَرَآهَا شَكِيمُ بنُ حَمُورَ الْحِوِّيِّ، رَئِيسِ الْمِنْطَقَةِ، فَأَخَذَهَا وَاغْتَصَبَهَا وَلَوَّثَ شَرَفَهَا، ٣ وَأُغْرِمَ قَلْبُهُ بِدِينَةَ وَلاطَفَهَا. ٤ وَقَالَ شَكِيمُ لِحَمُورَ أَبِيهِ: «خُذْ لِي هَذِهِ الْفَتَاةَ زَوْجَةً». ٥ وَسَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ قَدْ لَوَّثَ شَرَفَ ابْنَتِهِ دِينَةَ. وَكَانَ بَنُوهُ آنَئِذٍ يَرْعَوْنَ مَوَاشِيَهِ فِي الْحَقْلِ، فَسَكَتَ حَتَّى رَجَعُوا.
٦ وَوَفَدَ حَمُورُ وَالِدُ شَكِيمَ عَلَى يَعْقُوبَ لِيُخَاطِبَهُ بِشَأْنِ دِينَةَ ٧ وَأَتَى بَنُو يَعْقُوبَ مِنَ الْحَقْلِ عِنْدَمَا سَمِعُوا بِالأَمْرِ، وَقَدِ اسْتَشَاطُوا غَضَباً وَغَيْظاً لأَنَّ شَكِيمَ قَدِ ارْتَكَبَ فَاحِشَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِمُضَاجَعَةِ ابْنَةِ يَعْقُوبَ، وَهُوَ أَمْرٌ مَحْظُورٌ. ٨ وَقَالَ حَمُورُ: «لَقَدْ تَعَلَّقَتْ نَفْسُ ابْنِي شَكِيمَ بِابْنَتِكُمْ، فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ مِنْهَا. ٩ صَاهِرُونَا، وَزَوِّجُونَا بَنَاتِكُمْ، وَتَزَوَّجُوا مِنْ بَنَاتِنَا، ١٠ وَاسْكُنُوا مَعَنَا، فَهَا هِيَ الأَرْضُ أَمَامَكُمْ. أَقِيمُوا بِها وَاتَّجِرُوا وَتَمَلَّكُوا فِيهَا». ١١ وَقَالَ شَكِيمُ لأَبِيهَا وَإِخْوَتِهَا: «دَعُونِي أَحْظَى بِرِضَاكُمْ، وَكُلُّ مَا تَسْأَلُونَهُ أُعْطِيهِ. ١٢ أَغْلُوا عَلَيَّ الْمَهْرَ وَالْهَدِيَّةَ فَأَبْذُلَهُمَا كَمَا تَطْلُبُونَ، إِنَّمَا زَوِّجُونِي مِنَ الْفَتَاةِ».
١٣ وَأَجَابَ أَبْنَاءُ يَعْقُوبَ شَكِيمَ وَأَبَاهُ حَمُورَ بِدَهَاءٍ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ لَوَّثَ شَرَفَ أُخْتِهِمْ، ١٤ وَقَالُوا لَهُمَا: «لا يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ هَذَا الأَمْرُ فَنُعْطِيَ أُخْتَنَا لأَغْلَفَ، لأَنَّ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا. ١٥ غَيْرَ أَنَّنَا نُوَافِقُ عَلَى طَلَبِكُمْ إِنْ صِرْتُمْ مِثْلَنَا، وَاخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنْكُمْ، ١٦ عِنْدَئِذٍ نُزَوِّجُكُمْ بَنَاتِنَا، وَنَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِكُمْ، فَنُقِيمُ بَيْنَكُمْ وَنُصْبِحُ شَعْباً وَاحِداً، ١٧ وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لَنَا وَتَخْتَتِنُوا، نَأْخُذُ ابْنَتَنَا وَنَمْضِي».
١٨ فَاسْتَحْسَنَ حَمُورُ وَوَلَدُهُ شَكِيمُ كَلامَهُمْ، ١٩ وَلَمْ يَتَوَانَ الشَّابُ عَنْ تَنْفِيذِ الأَمْرِ، لأَنَّهُ كَانَ مُغْرَماً بِابْنَةِ يَعْقُوبَ، وَكَانَ أَكْرَمَ جَمِيعِ بَيْتِ أَبِيهِ. ٢٠ فَجَاءَ حَمُورُ وَشَكِيمُ ابْنُهُ إِلَى مَجْلِسِ الْمَدِينَةِ وَقَالا لِرِجَالِهَا: ٢١ «إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ مُسَالِمُونَ لَنَا، فَلْنَدَعْهُمْ يُقِيمُونَ فِي الأَرْضِ وَيَتَّجِرُونَ فِيهَا، فَالأَرْضُ رَحْبَةٌ أَمَامَهُمْ، وَلْنَتَزَوَّجْ بَنَاتِهِمْ وَهُمْ يَتَزَوَّجُونَ بَنَاتِنَا. ٢٢ وَقَدِ اشْتَرَطُوا لِلإِقَامَةِ بَيْنَنَا وَأَنْ نُصْبِحَ شَعْباً وَاحِداً، أَنْ يَخْتَتِنَ كُلُّ ذَكَرٍ كَمَا هُمْ ٢٣ عِنْدَ ذَلِكَ تُصْبِحُ مَاشِيَتُهُمْ وَمُقْتَنَيَاتُهُمْ وَكُلُّ بَهَائِمِهِمْ مِلْكاً لَنَا. فَلْنُوَافِقْهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَيُقِيمُوا مَعَنَا». ٢٤ فَوَافَقَ جَمِيعُ الْحَاضِرِينَ فِي مَجْلِسِ الْمَدِينَةِ عَلَى كَلامِ حَمُورَ وَابْنِهِ شَكِيمَ، فَاخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ فِي الْمَدِينَةِ.
٢٥ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، بَيْنَمَا هُمْ مَازَالُوا مُتَوَجِّعِينَ، تَقَلَّدَ شِمْعُونَ وَلاوِي ابْنَا يَعْقُوبَ وَأَخَوَيْ دِينَةَ، سَيْفَيهِمَا، وَدَخَلا الْمَدِينَةَ بِجَرَاءَةٍ وَقَتَلا كُلَّ الذُّكُورِ. ٢٦ وَقَتَلا أَيْضاً حَمُورَ وَشَكِيمَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَنْقَذَا دِينَةَ مِنْ بَيْتِ شَكِيمَ وَخَرَجَا. ٢٧ ثُمَّ أَقْبَلَ بَنُو يَعْقُوبَ عَلَى الْقَتْلَى وَنَهَبُوا الْمَدِينَةَ لأَنَّهُمْ لَوَّثُوا شَرَفَ أُخْتِهِمْ، ٢٨ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى غَنَمِهِمْ وَبَقَرِهِمْ وَحَمِيرِهِمْ وَعَلَى كُلِّ مَا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الْحَقْلِ، ٢٩ وَسَبَوْا وَنَهَبُوا جَمِيعَ ثَرْوَتِهِمْ وَكُلَّ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَكُلَّ مَا فِي الْبُيُوتِ.
٣٠ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِشِمْعُونَ وَلاوِي: «لَقَدْ جَلَبْتُمَا عَلَيَّ الشَّقَاءَ وَكَرَاهِيَةَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي هَذِهِ الْبِلادِ. وَهَا أَنَا نَفَرٌ قَلِيلٌ، فَيَتَأَلَّبُونَ عَلَيَّ وَيَقْتُلُونَنِي، فَأَبِيدُ أَنَا وَبَيْتِي». ٣١ فَقَالا لَهُ: «أَمِثْلَ زَانِيَةٍ يُعَامِلُ أُخْتَنَا؟».
٣٥
رجوع يعقوب إلى بيت إيل
١ ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: «اصْعَدْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَاسْكُنْ هُنَاكَ، وَشَيِّدْ مَذْبَحاً لِلهِ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ عِنْدَمَا كُنْتَ هَارِباً مِنْ أَمَامِ أَخِيكَ عِيسُو». ٢ فَأَمَرَ يَعْقُوبُ أَهْلَ بَيْتِهِ، وَكُلَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ: «تَخَلَّصُوا مِنَ الآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ، وَتَطَهَّرُوا وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ، ٣ ثُمَّ تَعَالَوْا لِنَذْهَبَ إِلَى بَيْتِ إِيلَ لأُشَيِّدَ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلهِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِي فِي يَوْمِ ضِيقَتِي، وَرَافَقَنِي فِي الطَّرِيقِ الَّتِي سَلَكْتُهَا». ٤ فَسَلَّمُوا يَعْقُوبَ كُلَّ الآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي كَانَتْ لَدَيْهِمْ وَالأَقْرَاطَ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ، فَطَمَرَ هَا يَعْقُوبُ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي فِي شَكِيمَ.
٥ ثُمَّ ارْتَحَلُوا، فَهَيْمَنَ رُعْبُ اللهِ عَلَى الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَهُمْ، فَلَمْ يَسْعَوْا وَرَاءَهُمْ ٦ فَوَصَلَ يَعْقُوبُ وَجَمِيعُ الْقَوْمِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى لُوزَ فِي أَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ، وَهِيَ نَفْسُهَا بَيْتُ إِيلَ. ٧ وَشَيَّدَ مَذْبَحاً هُنَاكَ، وَدَعَا الْمَكَانَ «بَيْتَ إِيلَ» لأَنَّ اللهَ تَجَلَّى لَهُ هُنَاكَ عِنْدَمَا كَانَ هَارِباً مِنْ أَمَامِ أَخِيهِ. ٨ وَمَاتَتْ هُنَاكَ دَبُورَةُ مُرْضِعَةُ رِفْقَةَ، فَدُفِنَتْ فِي مُنْخَفَضِ بَيْتِ إِيلَ تَحْتَ شَجَرَةِ الْبَلُّوطِ، وَسَمُّوهَا «أَلُّونَ بَاكُوتَ» (وَمَعْنَاهَا: بَلُّوطَةُ الْبُكَاءِ).
٩ وَظَهَرَ اللهُ لِيَعْقُوبَ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ سَهْلِ أَرَامَ وَبَارَكَهُ، ١٠ وَقَالَ لَهُ: «لَنْ يُدْعَى اسْمُكَ يَعْقُوبَ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ إِسْرَائِيلَ» (وَمَعْنَاهُ: يُجَاهِدُ مَعَ اللهِ). وَهَكَذَا سَمَّاهُ إِسْرَائِيلَ. ١١ وَقَالَ اللهُ لَهُ: «أَنَا هُوَ اللهُ الْقَدِيرُ. أَثْمِرْ وَاكْثُرْ، فَيَكُونَ مِنْكَ أُمَّةٌ وَطَوَائِفُ أُمَمٍ، وَمِنْ صُلْبِكَ يَخْرُجُ مُلُوكٌ. ١٢ وَالأَرْضُ الَّتِي وَهَبْتُهَا لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحاقَ أُعْطِيهَا لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَيْضاً». ١٣ ثُمَّ فَارَقَهُ اللهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي خَاطَبَهُ فِيهِ. ١٤ وَأَقَامَ يَعْقُوبُ عَمُوداً مِنْ حَجَرٍ فِي الْمَكَانِ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ مَعَهُ، وَسَكَبَ عَلَيْهِ سَكِيبَ قُرْبَانٍ وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتاً أَيْضاً. ١٥ وَدَعَا اسْمَ الْمَكَانِ «بَيْتَ إِيلَ» (وَمَعْنَاهُ: بَيْتُ اللهِ) لأَنَّ اللهَ خَاطَبَهُ هُنَاكَ.
موت راحيل وإسحاق
١٦ ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ بَيْتِ إِيلَ. وَإِذْ كَانُوا بَعْدُ عَلَى مَسَافَةٍ مِنْ أَفْرَاتَةَ شَعَرَتْ رَاحِيلُ بِالْمَخَاضِ وَتَعَسَّرَتْ وِلادَتُهَا. ١٧ وَإِذْ كَانَتْ تُقَاسِي فِي وِلادَتِهَا قَالَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ: «لا تَخَافِي، فَإِنَّ هَذَا أَيْضاً ابْنٌ آخَرُ لَكِ». ١٨ وَبَيْنَمَا كَانَتْ تَلْفِظُ أَنْفَاسَهَا عِنْدَ مَوْتِهَا دَعَتْهُ «بِنْ أُوْنِي» (وَمَعْنَاهُ: ابْنُ حُزْنِي) غَيْرَ أَنَّ أَبَاهُ دَعَاهُ «بِنْيَامِينَ» (وَمَعْنَاهُ: ابْنُ يَمِينِي). ١٩ ثُمَّ مَاتَتْ رَاحِيلُ وَدُفِنَتْ فِي الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى أَفْرَاتَةَ، أَيْ بَيْتِ لَحْمٍ. ٢٠ وَأَقَامَ يَعْقُوبُ عَمُوداً عَلَى قَبْرِهَا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِعَمُودِ قَبْرِ رَاحِيلَ إِلَى الْيَوْمِ.
٢١ وَتَابَعَ إِسْرَائِيلُ رَحِيلَهُ وَنَصَبَ خِيَامَهُ وَرَاءَ «بُرْجِ عِدْرٍ» ٢٢ وَبَيْنَمَا كَانَ إِسْرَائِيلُ يُقِيمُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ مَضَى رَأُوبَيْنُ وَضَاجَعَ بِلْهَةَ سُرِّيَّةَ أَبِيهِ. وَعَرَفَ إِسْرَائِيلُ بِالأَمْرِ. وَهَؤُلاءِ هُمْ أَبْنَاءُ يَعْقُوبَ الاثْنَا عَشَرَ:
٢٣ أَبْنَاءُ لَيْئَةَ: رَأُوبَيْنُ بِكْرُ يَعْقُوبَ، وَشِمْعُونُ وَلاوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ. ٢٤ وَابْنَا رَاحِيلَ: يُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ. ٢٥ وَابْنَا بِلْهَةَ جَارِيَةِ رَاحِيلَ: دَانٌ وَنَفْتَالِي. ٢٦ وَابْنَا زِلْفَةَ جَارِيَةِ لَيْئَةَ: جَادٌ وَأَشِيرُ. وَهَؤُلاءِ هُمْ أَوْلادُ يَعْقُوبَ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي سَهْلِ أَرَامَ.
٢٧ وَقَدِمَ يَعْقُوبُ عَلَى إِسْحاقَ أَبِيهِ إِلَى مَمْرَا فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ الْمَعْرُوفَةِ بِحَبْرُونَ حَيْثُ تَغَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحاقُ. ٢٨ وَعَاشَ إِسْحاقُ مِئَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً، ٢٩ ثُمَّ أَسْلَمَ رُوحَهُ وَلَحِقَ بِقَوْمِهِ شَيْخاً طَاعِناً فِي السِّنِّ وَدَفَنَهُ ابْنَاهُ عِيسُو وَيَعْقُوبُ.
٣٦
ذرية عيسو
١ وَهَذَا سِجِلُّ مَوَالِيدِ عِيسُو أَيْ أَدُومَ: ٢ تَزَوَّجَ عِيسُو مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ: عَدَا بِنْتَ إِيلُونَ الْحِثِّيِّ وَأُهُولِيبَامَةَ بِنْتَ عَنَى بِنْتِ صِبْعُونَ الْحِوِّيِّ. ٣ وَتَزَوَّجَ أَيْضاً بَسْمَةَ بِنْتَ إِسْمَاعِيلَ عَمِّهِ، أُخْتَ نَبَايُوتَ. ٤ فَأَنْجَبَتْ عَدَا لِعِيسُو أَلِيفَازَ، وَأَنْجَبَتْ بَسْمَةُ رَعُوئِيلَ. ٥ أَمَّا أُهُولِيبَامَةُ فَقَدْ أَنْجَبَتْ يَعُوشَ وَيَعْلامَ وَقُورَحَ. هَؤُلاءِ هُمْ أَبْنَاءُ عِيسُو الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ.
٦ وَأَخَذَ عِيسُو زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَجَمِيعَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَوَاشِيهِ وَكُلَّ بَهَائِمِهِ وَسَائِرَ مُقْتَنَيَاتِهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَانْتَقَلَ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى بَعِيداً عَنْ أَخِيهِ يَعْقُوبَ، ٧ لأَنَّ أَمْلاكَهُمَا كَانَتْ مِنَ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَمْ تَسَعْهُمَا الأَرْضُ لِلإِقَامَةِ مَعاً، وَلَمْ تَسْتَطِعْ أَرْضُ غُرْبَتِهِمَا أَنْ تَكْفِيَهُمَا لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمَا. ٨ فَاسْتَوْطَنَ عِيسُو، أَيْ أَدُومُ، جَبَلَ سَعِيرَ.
٩ وَهَذِهِ هِيَ أَسْمَاءُ أَبنَاءِ عِيسُو: ١٠ أَلِيفَازُ بْنُ عَدَا، وَرَعُوئِيلُ بْنُ بَسْمَةَ. ١١ أَمَّا أَبْنَاءُ أَلِيفَازَ فَهُمْ: تَيْمَانُ وَأُوْمَارُ وَصَفْوُ وَجَعْثَامُ وَقَنَازُ. ١٢ وَكَانَتْ تِمْنَاعُ سُرِّيَّةً لأَلِيفَازَ بْنِ عِيسُو فَأَنْجَبَتْ لأَلِيفَازَ عَمَالِيقَ. هَؤُلاءِ أَبْنَاءُ عَدَا زَوْجَةِ عِيسُو. ١٣ أَمَّا أَبْنَاءُ رَعُوئِيلَ فَهُمْ: نَحَثُ وَزَارَحُ وَشَمَّةُ وَمِزَّةُ. وَجَمِيعُهُمْ أَبْنَاءُ بَسْمَةَ زَوْجَةِ عِيسُو. ١٤ وَهَؤُلاءِ هُمْ أَبْنَاءُ أُهُولِيبَامَةَ بِنْتِ عَنَى حَفِيدَةِ صِبْعُونَ، زَوْجَةِ عِيسُو؛ فَقَدْ أَنْجَبَتْ لِعيسُو يَعُوشَ وَيَعْلامَ وَقُورَحَ.
١٥ وَهَؤُلاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ بَنِي عِيسُو، مِنْ مَوَالِيدِ أَلِيفَازَ بِكْرِ عِيسُو: تَيْمَانُ وَأُوْمَارُ وَصَفْوُ وَقَنَازُ. ١٦ وَقُورَحُ وَجَعْثَامُ وَعَمَالِيقُ. هَؤُلاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ الْمُنْحَدِرَةِ مِنْ أَلِيفَازَ فِي أَرْضِ أَدُومَ. وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَدَا. ١٧ وَهَؤُلاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ بَنِي رَعُوئِيلَ ابْنِ عِيسُو: نَحَثُ وَزَارَحُ وَشَمَّةُ وَمِزَّةُ. هَؤُلاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ الْمُنْحَدِرَةِ مِنْ رَعُوئِيلَ فِي أَرْضِ أَدُومَ. وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ بَسْمَةَ امْرَأَةِ عِيسُو. ١٨ وَهَؤُلاءِ هُمْ أَبْنَاءُ أَهُولِيبَامَةَ امْرَأَةِ عِيسُو: الرُّؤَسَاءُ يَعُوشُ وَيَعْلامُ وَقُورَحُ. وَهُمْ رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ الْمُنْحَدِرَةِ مِنْ أُهُولِيبَامَةَ امْرَأَةِ عِيسُو. ١٩ هَؤُلاءِ هُمْ أَبْنَاءُ عِيسُو، أَيْ أَدُومَ، وَهَؤُلاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِهِمْ.
٢٠ وَهَؤُلاءِ هُمْ أَبْنَاءُ سِعِيرَ الْحُورِيِّ رُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ الْقَاطِنَةِ فِي الْمِنْطَقَةِ: لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَى. ٢١ وَدِيشُونُ وَإِيصَرُ وَدِيشَانُ. هَؤُلاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ الْحُورِيِّينَ مِنْ بَنِي سِعِيرَ الْمُقِيمِينَ فِي أَرْضِ أَدُومَ. ٢٢ أَمَّا ابْنَا لُوطَانَ فَهُمَا حُورِيُّ وَهَيْمَامُ، وَتِمْنَاعُ هِيَ أُخْتُ لُوطَانَ. ٢٣ وَهَؤُلاءِ هُمْ بَنُو شُوبَالَ: عَلْوَانُ وَمَنَاحَةُ وَعِيبَالُ وَشَفْوُ وَأُونَامُ. ٢٤ أَمَّا ابْنَا صِبْعُونَ فَهُمَا أَيَّةُ وَعَنَى. هَذَا هُوَ عَنَى الَّذِي عَثَرَ عَلَى يَنَابِيعِ الْمِيَاهِ الْحَارَّةِ فِي الصَّحْرَاءِ عِنْدَمَا كَانَ يَرْعَى حَمِيرَ أَبِيهِ صِبْعُونَ. ٢٥ وَأَنْجَبَ عَنَى دِيشُونَ وَابْنَتَهُ أَهُولِيبَامَة. ٢٦ وَأَبْنَاءُ دِيَشَانَ حَمْدَانُ وَأَشْبَانُ وَيثْرَانُ وَكَرَانُ. ٢٧ وَأَبْنَاءُ إِيصَرَ: بِلْهَانُ وَزَعْوَانُ وَعَقَانُ. ٢٨ أَمَّا ابْنَا دِيشَانَ فَهُمَا: عُوصٌ وَأَرَانُ. ٢٩ هَؤُلاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ الْحُورِيِّينَ: لُوطَانُ وَشُوبَالُ وَصِبْعُونُ وَعَنَى. ٣٠ وَدِيشُونُ وَإِيصَرُ وَدِيشَانُ. هَؤُلاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ قَبَائِلِ الْحُورِيِّينَ وَفْقاً لِطَوَائِفِهِمِ الْمُقِيمَةِ فِي أَرْضِ سِعِيرَ.
ملوك أدوم
٣١ وَهَؤُلاءِ هُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ حَكَمُوا أَرْضَ أَدُومَ قَبْلَ أَنْ يُتَوَّجَ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ: ٣٢ بَالَعُ بْنُ بَعُورَ مَلَكَ فِي أَدُومَ وَكَانَ اسْمُ مَدِينَتِهِ دِنْهَابَةَ. ٣٣ وَمَاتَ بَالَعُ فَخَلَفَهُ يُوبَابُ بْنُ زَارَحَ مِنْ بُصْرَةَ. ٣٤ وَمَاتَ يُوبَابُ فَخَلَفَهُ حُوشَامُ مِنْ أَرْضِ التَّيْمَانِيِّ. ٣٥ وَمَاتَ حُوشَامُ فَخَلَفَهُ هَدَادُ بْنُ بَدَادَ الَّذِي قَهَرَ الْمِدْيَانِيِّينَ فِي بِلادِ مُوآبَ. وَاسْمُ مَدِينَتِهِ عَوِيتُ. ٣٦ وَمَاتَ هَدَادُ فَخَلَفَهُ سَمْلَةُ مِنْ مَسْرِيقَةَ. ٣٧ وَمَاتَ سَمْلَةُ فَخَلَفَهُ شَأُولُ مِنْ رَحُوبُوتِ النَّهْرِ. ٣٨ وَمَاتَ شَأُولُ فَخَلَفَهُ بَعْلُ حَانَانَ بْنُ عَكْبُورَ. ٣٩ وَمَاتَ بَعْلُ حَانَانَ فَخَلَفَهُ هَدَارُ وَاسْمُ مَدِينَتِهِ فَاعُوَ، وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ مَهِيطَبْئِيلَ بِنْتَ مَطْرِدَ بِنْتِ مَاءِ ذَهَبٍ.
٤٠ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ مِنْ نَسْلِ عِيسُو حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وَأَمَاكِنِهِمِ الَّتِي حَمَلَتْ أَسْمَاءَهُمْ: رُؤَسَاءُ تِمْنَاعَ وَعَلْوَةَ وَيَتِيتَ ٤١ وَأُهُولِيبَامَةَ وَإِيلَةَ وَفِينُونَ ٤٢ وَقَنَازَ وَتَيْمَانَ وَمِبْصَارَ ٤٣ وَمَجْدِيئِيلَ وَعِيرَامَ. هَؤُلاءِ هُمْ رُؤَسَاءُ أَدُومَ، حَسَبَ مَوَاطِنِ سُكْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ الَّتِي امْتَلَكُوهَا. وَجَمِيعُهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ عِيسُو، أَبِي أَدُومَ.
٣٧
أحلام يوسف
١ وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، حَيْثُ تَغَرَّبَ أَبُوهُ، ٢ وَهَذَا سِجِلٌّ بِسِيرَةِ يَعْقُوبَ. إِذْ كَانَ يُوسُفُ غُلَاماً فِي السَّابِعَةِ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ، رَاحَ يَرْعَى الْغَنَمَ مَعَ إِخْوَتِهِ أَبْنَاءِ بِلْهَةَ وَزِلْفَةَ زَوْجَتَيْ أَبِيهِ، فَأَبْلَغَ يُوسُفُ أَبَاهُ بِنَمِيمَتِهِمِ الرَّدِيئَةِ. ٣ وَكَانَ إِسْرَائِيلُ يُحِبُّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مِنْ بَقِيَّةِ إِخْوَتِهِ، لأَنَّهُ كَانَ ابْنَ شَيْخُوخَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُ قَمِيصاً مُلَوَّناً. ٤ وَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ يُحِبُّهُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ كَرِهُوهُ وَأَسَاءُوا إِلَيْهِ بِكَلامِهِمْ.
٥ وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْماً قَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، فَازْدَادُوا لَهُ بُغْضاً. ٦ قَالَ لَهُمْ: «اسْمَعُوا هَذَا الْحُلْمَ الَّذِي حَلَمْتُهُ. ٧ رَأَيْتُ وَكَأَنَّنَا نَحْزِمُ حُزَماً فِي الْحَقْلِ، فَإِذَا بِحُزْمَتِي وَقَفَتْ ثُمَّ انْتَصَبَتْ، فَأَحَاطَتْ بِها حُزَمُكُمْ وَانْحَنَتْ لَهَا». ٨ فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «أَلَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا أَوْ تَحْكُمُنَا؟» وَزَادَ بُغْضُهُمْ لَهُ بِسَبَبِ أَحْلامِهِ وَكَلامِهِ. ٩ ثُمَّ حَلُمَ حُلْماً آخَرَ سَرَدَهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، قَالَ: «حَلَمْتُ حُلْماً آخَرَ، وَإذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً سَاجِدَةٌ لِي». ١٠ وَقَصَّهُ عَلَى أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ، فَأَنَّبَهُ أَبُوهُ وَقَالَ: «أَيُّ حُلْمٍ هَذَا الَّذِي حَلَمْتَهُ؟ أَتَظُنُّ حَقّاً أَنَّنِي وَأُمَّكَ وَإِخْوَتَكَ سَنَأْتِي وَنَنْحَنِي لَكَ إِلَى الأَرْضِ؟» ١١ فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ. أَمَّا أَبُوهُ فَأَسَرَّ هَذَا الْكَلامَ فِي قَلْبِهِ.
إخوة يوسف يبيعونه
١٢ وَانْطَلَقَ إِخْوَتُهُ لِيَرْعَوْا غَنَمَ أَبِيهِمْ عِنْدَ شَكِيمَ، ١٣ فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: أَلا يَرْعَى إِخْوَتُكَ الْغَنَمَ عِنْدَ شَكِيمَ؟ تَعَالَ لأُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ. ١٤ اذْهَبْ وَاطْمَئِنَّ عَلَى إِخْوَتِكَ وَعَلَى الْمَوَاشِي، ثُمَّ عُدْ وَأَخْبِرْنِي عَنْ أَحْوَالِهِمْ، فَمَضَى مِنْ وَادِي حَبْرُونَ حَتَّى أَقْبَلَ إِلَى شَكِيمَ. ١٥ وَالْتَقَاهُ رَجُلٌ فَوَجَدَهُ تَائِهاً فِي الْحُقُولِ، فَسَأَلَهُ: «عَمَّنْ تَبْحَثُ؟» ١٦ فَأَجَابَهُ: «أَبْحَثُ عَنْ إِخْوَتِي. أَرْجُوكَ أَنْ تُخْبِرَنِي أَيْنَ يَرْعَوْنَ مَوَاشِيَهُمْ؟» ١٧ فَقَالَ الرَّجُلُ: «لَقَدِ انْتَقَلُوا مِنْ هُنَا، وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لِنَذْهَبْ إِلَى دُوثَانَ». فَانْطَلَقَ يُوسُفُ فِي إِثْرِ إِخْوَتِهِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ فِي دُوثَانَ.
١٨ وَمَا إِنْ رَأَوْهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَقَبْلَ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْهُمْ حَتَّى تَآمَرُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ. ١٩ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هَا هُوَ صَاحِبُ الأَحْلامِ مُقْبِلٌ. ٢٠ هَيَّا نَقْتُلُهُ وَنُلْقِ بِهِ فِي إِحْدَى الآبَارِ، وَنَدَّعِي أَنَّ وَحْشاً ضَارِياً افْتَرَسَهُ، لِنَرَى مَاذَا تُجْدِيهِ أَحْلامُهُ». ٢١ وَإِذْ سَمِعَ رَأُوبَيْنُ حَدِيثَهُمْ، أَرَادَ أَنْ يُنْقِذَهُ فَقَالَ: «لا نَقْتُلُهُ، ٢٢ وَلا تَسْفِكُوا دَماً، بَلِ اطْرَحُوهُ فِي هَذِهِ الْبِئْرِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَلا تَمُدُّوا إِلَيْهِ يَداً بِأَذىً». وَقَدْ أَشَارَ رَأُوبَيْنُ بِهَذَا لأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْهُمْ وَيَرُدَّهُ إِلَى أَبِيهِ. ٢٣ وَعِنْدَمَا قَدِمَ عَلَى إِخْوَتِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ قَمِيصَهُ الْمُلَوَّنَ الَّذِي كَانَ يَرْتَدِيهِ، ٢٤ وَأَخَذُوهُ وَأَلْقَوْا بِهِ فِي الْبِئْرِ. وَكَانَتِ الْبِئْرُ فَارِغَةً مِنَ الْمَاءِ.
٢٥ وَحِينَ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا شَاهَدُوا عَنْ بُعْدٍ قَافِلَةً مِنَ الإِسْمَاعِيلِيِّينَ قَادِمِينَ مِنْ جِلْعَادَ فِي طَرِيقِهِمْ إِلَى مِصْرَ، وَجِمَالُهُمْ مُثَقَّلَةٌ بِالتَّوَابِلِ وَالْبَلَسَانِ وَالْمُرِّ. ٢٦ فَقَالَ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِ: «مَا جَدْوَى قَتْلِ أَخِينَا وَإِخْفَاءِ دَمِهِ؟ ٢٧ تَعَالَوْا نَبِيعُهُ إِلَى الإِسْمَاعِيلِيِّينَ وَنُبْرِئُ أَيْدِينَا مِنْ دَمِهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَمِنْ لَحْمِنَا». فَوَافَقَ إِخْوَتُهُ عَلَى رَأْيِهِ. ٢٨ وَعِنْدَمَا دَنَا مِنْهُمُ التُّجَّارُ الْمِدْيَانِيُّونَ، سَحَبُوا يُوسُفَ مِنَ الْبِئْرِ وَبَاعُوهُ لَهُمْ بِعِشْرِينَ قِطْعَةً مِنَ الْفِضَّةِ، فَحَمَلُوهُ إِلَى مِصْرَ. ٢٩ ثُمَّ ذَهَبَ رَأُوبَيْنُ إِلَى الْبِئْرِ لِيُنْقِذَ يُوسُفَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَمَزَّقَ ثِيَابَهُ، ٣٠ وَرَجَعَ إِلَى إِخْوَتِهِ يَقُولُ: «الْوَلَدُ لَيْسَ مَوْجُوداً، وَأَنَا الآنَ إِلَى أَيْنَ أَتَوَجَّهُ؟»
٣١ فَأَخَذُوا قَمِيصَ يُوسُفَ الْمُلَوَّنَ، وَذَبَحُوا تَيْساً مِنَ الْمِعْزَى وَغَمَسُوا الْقَمِيصَ فِي الدَّمِ، ٣٢ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى أَبِيهِمْ قَائِلِينَ: «لَقَدْ وَجَدْنَا هَذَا الْقَمِيصَ، فَتَحَقَّقْ مِنْهُ، أَهُوَ قَمِيصُ ابْنِكَ أَمْ لا؟» ٣٣ فَتَعَرَّفَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «هَذَا قَمِيصُ ابْنِي. وَحْشٌ ضَارٍ افْتَرَسَهُ وَمَزَّقَهُ أَشْلاءَ». ٣٤ فَشَقَّ يَعْقُوبُ ثِيَابَهُ، وَارْتَدَى الْمُسُوحَ عَلَى حَقْوَيْهِ، وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ أَيَّاماً عَدِيدَةً. ٣٥ وَعِنْدَمَا قَامَ جَمِيعُ أَبْنَائِهِ لِيُعَزُّوهُ أَبَى أَنْ يَتَعَزَّى وَقَالَ: «إِنِّي أَمْضِي إِلَى ابْنِي نَائِحاً إِلَى الْهَاوِيَةِ». وَبَكَى عَلَيْهِ أَبُوهُ. ٣٦ وَبَاعَ الْمِدْيَانِيُّونَ يُوسُفَ فِي مِصْرَ لِفُوطِيفَارَ كَبِيرِ خَدَمِ فِرْعَوْنَ، رَئِيسِ الْحَرَسِ.
٣٨
يهوذا وثامار
١ وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّ يَهُوذَا افْتَرَقَ عَنْ إِخْوَتِهِ وَأَقَامَ عِنْدَ رَجُلٍ عَدُلَّامِيٍّ يُدْعَى حِيرَةَ ٢ وَشَاهَدَ هُنَاكَ ابْنَةَ كَنْعَانِيٍّ اسْمُهُ شُوعٌ، فَتَزَوَّجَهَا، ٣ فَحَمَلَتْ وَأَنْجَبَتْ لَهُ ابْناً دَعَاهُ عِيراً. ٤ ثُمَّ حَمَلَتْ أَيْضاً وَأَنْجَبَتِ ابْناً سَمَّتْهُ أُونَانَ. ٥ ثُمَّ عَادَتْ فَأَنْجَبَتْ فِي كَزِيبَ ابْناً دَعَتْهُ شِيلَةَ.
٦ وَأَخَذَ يَهُوذَا لِعِيرَ بِكْرِهِ زَوْجَةً تُدْعَى ثَامَارَ. ٧ وَإِذْ كَانَ عِيرُ بِكْرُ يَهُوذَا شِرِّيراً، أَمَاتَهُ الرَّبُّ. ٨ فَقَالَ يَهُوذَا لأُونَانَ: «ادْخُلْ عَلَى زَوْجَةِ أَخِيكَ وَتَزَوَّجْهَا وَأَقِمْ لأَخِيكَ نَسْلاً». ٩ وَعَرَفَ أُونَانُ أَنَّ النَّسْلَ لَا يَكُونُ لَهُ، فَكَانَ كُلَّمَا عَاشَرَ امْرَأَةَ أَخِيهِ يُفْسِدُ عَلَى الأَرْضِ، كَيْ لا يُقِيمَ لأَخِيهِ نَسْلاً. ١٠ فَسَاءَ عَمَلُهُ هَذَا فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ فَأَمَاتَهُ أَيْضاً. ١١ فَقَالَ يَهُوذَا لِثَامَارَ كَنَّتِهِ: «امْكُثِي أَرْمَلَةً فِي بَيْتِ أَبِيكِ رَيْثَمَا يَكْبُرُ شِيلَةُ ابْنِي». لأَنَّهُ قَالَ: «لِئَلّا يَمُوتَ شِيلَةُ أَيْضاً كَمَا مَاتَ أَخَوَاهُ». فَمَضَتْ ثَامَارُ وَمَكَثَتْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا.
١٢ وَبَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ مَاتَتْ زَوْجَةُ يَهُوذَا ابْنةُ شُوعٍ. وَإِذْ تَعَزَّى يَهُوذَا بَعْدَهَا انْطَلَقَ إِلَى جُزَّازِ غَنَمِهِ فِي تِمْنَةَ بِرِفْقَةِ حِيرَةَ صَاحِبِهِ الْعَدُلامِيِّ. ١٣ فَقِيلَ لِثَامَارَ: «هُوَذَا حَمُوكِ قَادِمٌ لِتِمْنَةَ لِجَزِّ غَنَمِهِ». ١٤ فَنَزَعَتْ عَنْهَا ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا، وَتَبَرْقَعَتْ وَتَلَفَّعَتْ وَجَلَسَتْ عِنْدَ مَدْخَلِ عَيْنَايِمَ الَّتِي عَلَى طَرِيقِ تِمْنَةَ، لأَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّ شِيلَةَ قَدْ كَبُرَ وَأَنَّهَا لَنْ تُزَفَّ إِلَيْهِ. ١٥ فَعِنْدَمَا رَآهَا يَهُوذَا ظَنَّهَا زَانِيَةً لأَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا، ١٦ فَمَالَ نَحْوَهَا إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ وَقَالَ: «دَعِينِي أُعَاشِرُكِ». وَلَمْ يَكُنْ يَدْرِي أَنَّهَا كَنَّتُهُ. فَقَالَتْ: «مَاذَا تُعْطِينِي لِكَيْ تُعَاشِرَنِي؟» ١٧ فَقَالَ: «أَبْعَثُ إِلَيْكِ جَدْيَ مِعْزَى مِنَ الْقَطِيعِ». فَقَالَتْ: «أَتُعْطِينِي رَهْناً حَتَّى تَبْعَثَ بِهِ؟» ١٨ فَسَأَلَهَا: «أَيُّ رَهْنٍ أُعْطِيكِ؟» فَأَجَابَتْهُ: «خَاتَمُكَ وَعِصَابَتُكَ وَعَصَاكَ». فَأَعْطَاهَا مَا طَلَبَتْ، وَعَاشَرَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ. ١٩ ثُمَّ قَامَتْ وَمَضَتْ، وَخَلَعَتْ بُرْقُعَهَا وَارْتَدَتْ ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا.
٢٠ وَعِنْدَمَا أَرْسَلَ الْجَدْيَ مَعَ صَاحِبِهِ الْعَدُلامِيِّ لِيَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ مِنْ يَدِ الْمَرْأَةِ لَمْ يَجِدْهَا. ٢١ فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَكَانِ: «أَيْنَ الزَّانِيَةُ الَّتِي كَانَتْ تَجْلِسُ عَلَى الطَّرِيقِ فِي عَيْنَايِمَ؟» فَقَالُوا: «لَمْ تَكُنْ فِي هَذَا الْمَكَانِ زَانِيَةٌ». ٢٢ فَعَادَ إِلَى يَهُوذَا وَقَالَ: «لَمْ أَجِدْهَا؛ وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْمَكَانِ: لَمْ تَكُنْ هَهُنَا زَانِيَةٌ». ٢٣ فَأَجَابَ يَهُوذَا: «فَلْتَحْتَفِظْ بِمَا عِنْدَهَا، فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ يَسْخَرَ النَّاسُ مِنِّي. لَقَدْ بَعَثْتُ بِهَذَا الْجَدْيِ أُجْرَةً لَهَا وَلَكِنَّكَ لَمْ تَجِدْهَا».
٢٤ وَبَعْدَ مُضِيِّ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ قِيلَ لِيَهُوذَا: «ثَامَارُ كَنَّتُكَ زَنَتْ، وَحَبِلَتْ مِنْ زِنَاهَا». فَقَالَ يَهُوذَا: «أَخْرِجُوهَا لِتُحْرَقَ». ٢٥ وَعِنْدَمَا أُخْرِجَتْ أَرْسَلَتْ إِلَى حَمِيهَا قَائِلَةً: «أَنَا حُبْلَى مِنْ صَاحِبِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ. تَحَقَّقْ لِمَنْ هَذَا الْخَاتَمُ وَالْعِصَابَةُ وَالْعَصَا؟» ٢٦ فَأَقَرَّ بِها يَهُوذَا وَقَالَ: «هِيَ حَقّاً أَبَرُّ مِنِّي، لأَنَّنِي لَمْ أُزَوِّجْهَا مِنِ ابْنِي شِيلَةَ». وَلَمْ يُعَاشِرْهَا فِي مَا بَعْدُ.
٢٧ وَعِنْدَمَا أَزِفَ مَوْعِدُ وِلادَتِهَا إِذَا فِي أَحْشَائِهَا تَوْأَمَانِ. ٢٨ وَفِي أَثْنَاءِ وِلادَتِهَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا يَداً فَرَبَطَتِ الْقَابِلَةُ حَوْلَهَا خَيْطاً أَحْمَرَ، وَقَالَتْ: «هَذَا خَرَجَ أَوَّلاً». ٢٩ غَيْرَ أَنَّهُ سَحَبَ يَدَهُ فَخَرَجَ أَخُوهُ، فَقَالَتْ: «أَيُّ اقْتِحَامٍ اقْتَحَمْتَ لِنَفْسِكَ؟» لِذَلِكَ دُعِيَ اسْمُهُ فَارَصَ (وَمَعْنَاهُ: اقْتِحَامٌ). ٣٠ وَبَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ ذُو الْمِعْصَمِ الْمُطَوَّقِ بِالْخَيْطِ الأَحْمَرِ فَسُمِّيَ زَارَحَ (وَمَعْنَاهُ: أَحْمَرُ، أَوْ إِشْرَاقٌ).
٣٩
يوسف وزوجة فوطيفار
١ وَأَخَذَ الإِسْمَاعِيلِيُّونَ يُوسُفَ إِلَى مِصْرَ، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُمْ مِصْرِيٌّ يُدْعَى فُوطِيفَارَ، كَانَ خَصِيَّ فِرْعَوْنَ وَرَئِيسَ الْحَرَسِ. ٢ وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ، فَأَفْلَحَ فِي أَعْمَالِهِ، وَأَقَامَ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ الْمِصْرِيِّ. ٣ وَرَأَى مَوْلاهُ أَنَّ الرَّبَّ مَعَهُ وَأَنَّهُ يُكَلِّلُ كُلَّ مَا تَصْنَعُهُ يَدَاهُ بِالنَّجَاحِ، ٤ فَحَظِيَ يُوسُفُ بِرِضَى سَيِّدِهِ، فَجَعَلَهُ وَكِيلاً عَلَى بَيْتِهِ وَوَلَّاهُ عَلَى كُلِّ مَالَهُ. ٥ وَبَارَكَ الرَّبُّ بَيْتَ الْمِصْرِيِّ وَكُلَّ مَالَهُ مِنْ مُقْتَنَيَاتٍ فِي الْبَيْتِ وَالْحَقْلِ بِفَضْلِ يُوسُفَ. ٦ فَعَهِدَ بِكُلِّ مَالَهُ إِلَى يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَعَهُ شَيْئاً إِلّا الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُهُ. وَكَانَ يُوسُفُ جَمِيلَ الْهَيْئَةِ وَسِيمَ الْوَجْهِ.
٧ ثُمَّ لَمْ تَلْبَثْ أَنْ أُغْرِمَتْ بِهِ زَوْجَةُ مَوْلاهُ فَقَالَتْ: «اضْطَجِعْ مَعِي». ٨ فَأَبَى وَقَالَ لَهَا: «هُوَذَا سَيِّدِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِكُلِّ مَا يَمْلِكُ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَمْ يُشْغِلْ نَفْسَهُ بِأَيِّ شَأْنٍ فِيهِ. ٩ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنِّي. وَلَمْ يَمْنَعْ عَنِّي شَيْئاً غَيْرَكِ لأَنَّكِ زَوْجَتُهُ. فَكَيْفَ أَقْتَرِفُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟» ١٠ وَلَمْ يُذْعِنْ يُوسُفُ لَهَا مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُلِحُّ عَلَيْهِ يَوْماً بَعْدَ آخَرَ.
١١ وَحَدَثَ يَوْماً أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ لِيَقُومَ بِعَمَلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَنْزِلِ أَحَدٌ، ١٢ فَأَمْسَكَتْهُ مِنْ رِدَائِهِ وَقَالَتْ: «اضْطَجِعْ مَعِي». فَتَرَكَ رِدَاءَهُ بِيَدِهَا وَهَرَبَ خَارِجاً تَارِكاً رِدَاءَهُ بِيَدِهَا ١٣ وَعِنْدَمَا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ رَفَضَ وَهَرَبَ خَارِجاً تَارِكاً رِدَاءَهُ بِيَدِهَا ١٤ نَادَتْ أَهْلَ بَيْتِهَا وَقَالَتْ: «انْظُرُوا مَا جَرَى؟ هَذَا الْعِبْرَانِيُّ الَّذِي جَاءَ بِهِ زَوْجِي إِلَى الْبَيْتِ. شَرَعَ يُرَاوِدُنِي عَنْ نَفْسِي. دَخَلَ غُرْفَتِي وَحَاوَلَ اغْتِصَابِي، فَصَرَخْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي. ١٥ وَعِنْدَمَا سَمِعَنِي قَدْ رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، تَرَكَ رِدَاءَهُ مَعِي وَهَرَبَ خَارِجاً».
١٦ وَأَلْقَتْ رِدَاءَهُ إِلَى جَانِبِهَا حَتَّى قَدِمَ مَوْلاهُ إِلَى بَيْتِهِ، ١٧ فَقَصَّتْ عَلَيْهِ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ قَائِلَةً: «دَخَلَ الْعَبْدُ الْعِبْرَانِيُّ الَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَيْنَا لِيُرَاوِدَنِي عَنْ نَفْسِي، ١٨ وَحِينَ رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَفَرَّ خَارِجاً».
١٩ فَلَمَّا سَمِعَ سَيِّدُهُ كَلامَ زَوْجَتِهِ وَمَا اتَّهَمَتْ بِهِ يُوسُفَ احْتَدَمَ غَضَبُهُ، ٢٠ فَقَبَضَ عَلَى يُوسُفَ وَزَجَّهُ فِي السِّجْنِ، حَيْثُ كَانَ أَسْرَى الْمَلِكِ مُعْتَقَلِينَ، فَمَكَثَ هُنَاكَ.
٢١ وَلَكِنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَ يُوسُفَ، فَأَغْدَقَ عَلَيْهِ رَحْمَتَهُ، فَنَالَ رِضَى رَئِيسِ السِّجْنِ، ٢٢ حَتَّى عَهِدَ إِلَى يُوسُفَ بِكُلِّ الْمَسَاجِينِ الْمُعْتَقَلِينَ، وَجَعَلَهُ مَسْؤولاً عَنْ كُلِّ مَا يَجْرِي هُنَاكَ. ٢٣ وَلَمْ يُحَاسِبْ رَئِيسُ السِّجْنِ يُوسُفَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْكَلَهُ إِلَيْهِ، لأَنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَهُ. وَمَهْمَا فَعَلَ كَانَ الرَّبُّ يُكَلِّلُهُ بِالنَّجَاحِ.
٤٠
ساقي فرعون وخبازه
١ وَاتَّفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ سَاقِيَ مَلِكِ مِصْرَ وَالْخَبَّازَ أَذْنَبَا إِلَى سَيِّدِهِمَا مَلِكِ مِصْرَ، ٢ فَسَخَطَ فِرْعَوْنُ عَلَى خَصِيَّيْهِ: رَئِيسِ السُّقَاةِ وَرَئِيسِ الْخَبَّازِينَ، ٣ وَزَجَّهُمَا فِي مُعْتَقَلِ بَيْتِ رَئِيسِ الْحَرَسِ فِي السِّجْنِ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوسُفُ مَحْبُوساً فِيهِ. ٤ فَوَلَّى رَئِيسُ الْحَرَسِ يُوسُفَ أَمْرَهُمَا، فَقَامَ عَلَى خِدْمَتِهِمَا، فَمَكَثَا فِي الْمُعْتَقَلِ أَيَّاماً.
٥ وَحَلُمَ كُلٌّ مِنْ سَاقِي مَلِكِ مِصْرَ وَخَبَّازِهِ الْمُعْتَقَلَيْنِ فِي السِّجْنِ حُلْماً فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَانَ لِحُلْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنَاهُ الْخَاصُّ بِصَاحِبِهِ. ٦ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا يُوسُفُ فِي الصَّبَاحِ فَوَجَدَهُمَا مُكْتَئِبَيْنِ. ٧ فَسَأَلَهُمَا: «لِمَاذَا وَجْهَاكُمَا مُكَمَّدَانِ فِي هَذَا الْيَوْمِ؟» ٨ فَأَجَابَاهُ: «حَلُمَ كُلٌّ مِنَّا حُلْماً وَلَيْسَ مَنْ يُفَسِّرُهُ». فَقَالَ يُوسُفُ: «أَلَيْسَتْ تَفَاسِيرُ الأَحْلامِ لِلهِ؟ حَدِّثَانِي بِهِمَا».
٩ فَسَرَدَ رَئِيسُ السُّقَاةِ حُلْمَهُ عَلَى يُوسُفَ. قَالَ: «رَأَيْتُ فِي حُلْمِي وَإذَا كَرْمَةٌ أَمَامِي، ١٠ فِيهَا ثَلاثَةُ أَغْصَانٍ أَفْرَخَتْ ثُمَّ أَزْهَرَتْ، وَمَا لَبِثَتْ عَنَاقِيدُهَا أَنْ أَثْمَرَتْ عِنَباً نَاضِجاً. ١١ وَكَانَتْ كَأْسُ فِرْعَوْنَ فِي يَدِي، فَتَنَاوَلْتُ الْعِنَبَ وَعَصَرْتُهُ فِي كَأْسِ فِرْعَوْنَ وَوَضَعْتُ الْكَأْسَ فِي يَدِهِ». ١٢ فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: «إِلَيْكَ تَفْسِيرَهُ: الثَّلاثَةُ الأَغْصَان هِيَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ. ١٣ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَرْضَى عَنْكَ فِرْعَوْنُ، وَيَرُدُّكَ إِلَى مَنْزِلَتِكَ حَيْثُ تُنَاوِلُ فِرْعَوْنَ كَأْسَهُ، تَمَاماً كَمَا كُنْتَ مُعْتَاداً أَنْ تَفْعَلَ عِنْدَمَا كُنْتَ سَاقِيَهُ. ١٤ إِنَّمَا إِذَا أَصَابَكَ خَيْرٌ فَاذْكُرْنِي وَأَحْسِنْ إِلَيَّ. اذْكُرْنِي لَدَى فِرْعَوْنَ وَأَخْرِجْنِي مِنْ هَذَا السِّجْنِ، ١٥ لأَنَّنِي حُمِلْتُ عَنْوَةً مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ، وَهُنَا أَيْضاً لَمْ أَجْنِ شَيْئاً لِيَزُجُّوا بِي فِي هَذَا السِّجْنِ».
١٦ وَعِنْدَمَا رَأَى رَئِيسُ الْخَبَّازِينَ أَنَّ يُوسُفَ أَحْسَنَ التَّفْسِيرَ، قَالَ لَهُ: «رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً حُلْماً، وَإذَا بِثَلاثَةِ سِلالٍ بَيْضَاءَ عَلَى رَأْسِي. ١٧ وَكَانَ السَّلُّ الأَعْلَى مَلِيئاً مِنْ طَعَامِ فِرْعَوْنَ مِمَّا يُعِدُّهُ الْخَبَّازُ، إِلّا أَنَّ الطُّيُورَ كَانَتْ تَلْتَهِمُهُ مِنَ السَّلِّ الَّذِي عَلَى رَأْسِي». ١٨ فَقَالَ يُوسُفُ: «إِلَيْكَ تَفْسِيرَهُ: الثَّلاثَةُ السِّلالُ هِيَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ ١٩ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَقْطَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ وَيُعَلِّقُكَ عَلَى خَشَبَةٍ فَتَأْكُلُ الطُّيُورُ لَحْمَكَ».
٢٠ وَكَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ هُوَ يَوْمُ عِيدِ مِيلادِ فِرْعَوْنَ، فَأَقَامَ مَأْدُبَةً لِجَمِيعِ رِجَالِهِ، وَأَحْضَرَ مِنَ السِّجْنِ رَئِيسَ السُّقَاةِ وَرَئِيسَ الْخَبَّازِينَ أَمَامَهُمْ. ٢١ وَرَدَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ إِلَى عَمَلِهِ، فَصَارَ يُقَدِّمُ الْكَأْسَ لِيَدِ فِرْعَوْنَ. ٢٢ أَمَّا رَئِيسُ الْخَبَّازِينَ فَقَدْ عَلَّقَهُ (عَلَى خَشَبَةٍ) مِثْلَمَا فَسَّرَ لَهُمَا يُوسُفُ حُلْمَيْهِمَا. ٢٣ وَلَكِنَّ رَئِيسَ السُّقَاةِ لَمْ يَذْكُرْ يُوسُفَ بَلْ نَسِيَهُ.
٤١
أحلام فرعون
١ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ سَنَتَيْنِ رَأَى فِرْعَوْنُ حُلْماً، وَإذَا بِهِ وَاقِفٌ بِجُوَارِ نَهْرِ النِّيلِ ٢ وَإذَا بِسَبْعِ بَقَرَاتٍ حِسَانِ الْمَنْظَرِ وَسَمِينَاتِ الأَبْدَانِ، صَاعِدَاتٍ مِنَ النَّهْرِ أَخَذَتْ تَرْعَى فِي الْمَرْجِ، ٣ ثُمَّ إِذَا بِسَبْعِ بَقَرَاتٍ أُخْرَى قَبِيحَاتِ الْمَنْظَرِ وَهَزِيلاتٍ تَصْعَدُ وَرَاءَهَا مِنَ النَّهْرِ وَتَقِفُ إِلَى جُوَارِ الْبَقَرَاتِ الأُولَى عَلَى ضَفَّةِ النَّهْرِ. ٤ وَالْتَهَمَتِ الْبَقَرَاتُ الْقَبِيحَاتُ الْبَقَرَاتِ السَّبْعَ الْحَسَنَاتِ الْمَنْظَرِ وَالسَّمِينَاتِ. وَأَفَاقَ فِرْعَوْنُ. ٥ ثُمَّ نَامَ، فَحَلُمَ ثَانِيَةً، وَإذَا بِسَبْعِ سَنَابِلَ نَابِتَةٍ مِنْ سَاقٍ وَاحِدَةٍ زَاهِيَةٍ وَمُمْتَلِئَةٍ ٦ ثُمَّ رَأَى سَبْعَ سَنَابِلَ عَجْفَاءَ قَدْ لَفَحَتْهَا الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ نَابِتَةً وَرَاءَهَا، ٧ فَابْتَلَعَتِ السَّنَابِلُ الْعَجْفَاءُ السَّبْعَ السَّنَابِلَ الزَّاهِيَةَ الْمُمْتَلِئَةَ. وَأَفَاقَ فِرْعَوْنُ، وَأَدْرَكَ أَنَّهُ حُلْمٌ. ٨ وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ اسْتَوْلَى الانْزِعَاجُ عَلَى فِرْعَوْنَ فَأَرْسَلَ وَاسْتَدْعَى جَمِيعَ سَحَرَةِ مِصْرَ وَكُلَّ حُكَمَائِهَا، وَسَرَدَ عَلَيْهِمْ حُلْمَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُفَسِّرُهُ لَهُ.
٩ عِنْدَئِذٍ قَالَ رَئِيسُ السُّقَاةِ لِفِرْعَوْنَ: «إِنِّي أَذْكُرُ الْيَوْمَ ذُنُوبِي. ١٠ لَقَدْ سَخَطَ فِرْعَوْنُ عَلَى عَبْدَيْهِ، فَزَجَّنِي وَرَئِيسَ الْخَبَّازِينَ فِي مُعْتَقَلِ بَيْتِ رَئِيسِ الْحَرَسِ. ١١ فَحَلُمَ كُلٌّ مِنَّا حُلْماً فِي نَفْسِ اللَّيْلَةِ، وَكَانَ تَفْسِيرُ كُلِّ حُلْمٍ يَتَّفِقُ مَعَ أَحْوَالِ رَائِيهِ. ١٢ وَكَانَ مَعَنَا هُنَاكَ غُلامٌ عِبْرَانِيٌّ، عَبْدٌ لِرَئِيسِ الْحَرَسِ، فَسَرَدْنَا عَلَيْهِ حُلْمَيْنَا فَفَسَّرَهُمَا لِكُلٍّ مِنَّا حَسَبَ تَعْبِيرِ حُلْمِهِ. ١٣ وَقَدْ تَمَّ مَا فَسَّرَهُ لَنَا. فَرَدَّنِي فِرْعَوْنُ إِلَى وَظِيفَتِي وَأَمَّا ذَاكَ فَعَلَّقَهُ (عَلَى خَشَبَةٍ)».
١٤ فَبَعَثَ فِرْعَوْنُ وَاسْتَدْعَى يُوسُفَ، فَأَسْرَعُوا وَأَتَوْا بِهِ مِنَ السِّجْنِ فَحَلَقَ وَاسْتَبْدَلَ ثِيَابَهُ وَمَثَلَ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. ١٥ فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ حُلْماً وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُفَسِّرُهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ حَدِيثاً أَنَّكَ إِنْ سَمِعْتَ حُلْماً تَقْدِرُ أَنْ تُفَسِّرَهُ». ١٦ فَأَجَابَ يُوسُفُ: «لا فَضْلَ لِي فِي ذَلِكَ، بَلْ إِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُعْطِي فِرْعَوْنَ الْجَوَابَ الصَّائِبَ».
١٧ فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «رَأَيْتُ نَفْسِي فِي الْحُلْمِ وَإذَا بِي أَقِفُ عَلَى ضَفَّةِ النَّهْرِ، ١٨ وَإذَا بِسَبْعِ بَقَرَاتٍ حِسَانِ الْمَنْظَرِ وَسَمِينَاتِ الأَبْدَانِ صَاعِدَاتٍ مِنَ النَّهْرِ تَرْعَى فِي الْمَرْجِ، ١٩ ثُمَّ إِذَا بِسَبْعِ بَقَرَاتٍ أُخَرَ قَبِيحَاتِ الْمَنْظَرِ وَهَزِيلاتٍ تَصْعَدُ وَرَاءَهَا مِنَ النَّهْرِ. لَمْ أَرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ كُلِّهَا نَظِيرَهَا فِي الْقَبَاحَةِ. ٢٠ فَالْتَهَمَتِ الْبَقَرَاتُ الْهَزِيلاتُ الْقَبِيحَاتُ السَّبْعَ الْبَقَرَاتِ الأُولَى السَّمِينَاتِ. ٢١ وَمَعَ أَنَّهَا ابْتَلَعَتْهَا ظَلَّتْ عَجْفَاءَ وَكَأَنَّهَا لَمْ تَبْتَلِعْهَا وَبَقِيَ مَنْظَرُهَا قَبِيحاً كَمَا كَانَتْ. وَاسْتَيْقَظْتُ. ٢٢ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي حُلْمِي وَإذَا بِسَبْعِ سَنَابِلَ زَاهِيَةٍ وَمُمْتَلِئَةٍ نَابِتَةٍ مِنْ سَاقٍ وَاحِدَةٍ، ٢٣ ثُمَّ إِذَا بِسَبْعِ سَنَابِلَ يَابِسَةٍ عَجْفَاءَ قَدْ لَفَحَتْهَا الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ نَابِتَةٍ وَرَاءَهَا، ٢٤ فَابْتَلَعَتِ السَّنَابِلُ الْعَجْفَاءُ السَّبْعَ الزَّاهِيَةَ. وَلَقَدْ سَرَدْتُ عَلَى السَّحَرَةِ هَذَيْنِ الْحُلْمَيْنِ، فَلَمْ أَجِدْ بَيْنَهُمْ مَنْ يُفَسِّرُهُمَا لِي».
٢٥ فَقَالَ يُوسُفُ لِفِرْعَوْنَ: «حُلْمَا فِرْعَوْنَ هُمَا حُلْمٌ وَاحِدٌ. وَقَدْ أَطْلَعَ اللهُ فِرْعَوْنَ عَمَّا هُوَ فَاعِلٌ. ٢٦ السَّبْعُ الْبَقَرَاتُ الْحِسَانُ هِيَ سَبْعُ سَنَوَاتٍ. وَالسَّبْعُ السَّنَابِلُ الزَّاهِيَاتُ هِيَ أَيْضاً سَبْعُ سَنَوَاتٍ. فَالْحُلْمَانِ هُمَا حُلْمٌ وَاحِدٌ. ٢٧ وَالسَّبْعُ الْبَقَرَاتُ الْقَبِيحَاتُ الْهَزِيلاتُ الَّتِي صَعِدَتْ وَرَاءَهَا هِيَ سَبْعُ سَنَوَاتٍ. وَالسَّبْعُ السَّنَابِلُ الْفَارِغَاتُ الْمَلْفُوحَاتُ بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ سَتَكُونُ سَبْعَ سَنَوَاتِ جُوعٍ ٢٨ وَالأَمْرُ هُوَ كَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ فِرْعَوْنَ: فَقَدْ أَطْلَعَ اللهُ فِرْعَوْنَ عَمَّا هُوَ صَانِعٌ ٢٩ هُوَذَا سَبْعُ سِنِينَ رَخَاءٍ عَظِيمٍ قَادِمَةٌ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، ٣٠ تَعْقُبُهَا سَبْعُ سَنَوَاتِ جُوعٍ، حَتَّى يَنْسَى النَّاسُ كُلَّ الرَّخَاءِ الَّذِي عَمَّ أَرْضَ مِصْرَ، وَيُتْلِفُ الْجُوعُ الأَرْضَ، ٣١ وَيَخْتَفِي كُلُّ أَثَرٍ لِلرَّخَاءِ فِي الْبِلادِ مِنْ جَرَّاءِ الْمَجَاعَةِ الَّتِي تَعْقُبُهُ، لأَنَّهَا سَتَكُونُ قَاسِيَةً جِدّاً ٣٢ أَمَّا تَكْرَارُ الْحُلْمِ عَلَى فِرْعَوْنَ مَرَّتَيْنِ فَلَأَنَّ الأَمْرَ قَدْ قَرَّرَهُ اللهُ، وَلابُدَّ أَنْ يُجْرِيَهُ سَرِيعاً.
٣٣ وَالآنَ لِيَبْحَثْ فِرْعَوْنُ عَنْ رَجُلٍ بَصِيرٍ حَكِيمٍ يُوَلِّيهِ عَلَى الْبِلادِ، ٣٤ وَلْيُقِمْ فِرْعَوْنُ نُظَّاراً عَلَى أَرْضِ مِصْرَ يَجْبُونَ خُمْسَ غَلَّتِهَا فِي سَنَوَاتِ الرَّخَاءِ السَّبْعِ. ٣٥ وَلِيَجْمَعُوا كُلَّ طَعَامِ سَنَوَاتِ الْخَيْرِ الْمُقْبِلَةِ، وَيَخْزِنُوا الْقَمْحَ بِتَفْوِيضٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَيَحْفَظُوهُ فِي الْمُدُنِ لِيَكُونَ طَعَاماً، ٣٦ وَمَؤُونَةً لأَهْلِ الأَرْضِ فِي سَنَوَاتِ الْمَجَاعَةِ السَّبْعِ الَّتِي سَتَسُودُ أَرْضَ مِصْرَ فَلا يَهْلِكُونَ جُوعاً».
٣٧ فَاسْتَحْسَنَ فِرْعَوْنُ وَرِجَالُهُ جَمِيعاً هَذَا الْكَلامَ، ٣٨ وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِعَبِيدِهِ: «هَلْ نَجِدُ نَظِيرَ هَذَا رَجُلاً فِيهِ رُوحُ اللهِ؟» ٣٩ ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللهَ قَدْ أَطْلَعَكَ عَلَى كُلِّ هَذَا، فَلَيْسَ هُنَاكَ بَصِيرٌ وَحَكِيمٌ نَظِيرَكَ. ٤٠ لِذَلِكَ أُوَلِّيكَ عَلَى بَيْتِي، وَيُذْعِنُ شَعْبِي لِكُلِّ أَمْرٍ تُصْدِرُهُ، وَلَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مِنْكَ سِوَايَ أَنَا صَاحِبِ الْعَرْشِ».
يوسف يصبح حاكم مصر
٤١ ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «هَا أَنَا قَدْ وَلَّيْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ». ٤٢ وَنَزَعَ فِرْعَوْنُ خَاتَمَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَضَعَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ، وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ كَتَّانٍ فَاخِرَةً وَطَوَّقَ عُنُقَهُ بِطَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ، ٤٣ وَأَرْكَبَهُ فِي مَرْكَبَتِهِ الثَّانِيَةِ، وَنَادُوا: «ارْكَعُوا أَمَامَهُ». وَأَقَامَهُ وَالِياً عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. ٤٤ وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «أَنَا فِرْعَوْنُ، وَلا أَحَدَ يُمْكِنُ أَنْ يُحَرِّكَ سَاكِناً فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِكَ».
٤٥ وَدَعَا فِرْعَوْنُ اسْمَ يُوسُفَ صَفْنَاتَ فَعْنِيحَ (وَمَعْنَاهُ بِالْمِصْرِيَّةِ الْقَدِيمَةِ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ أَوْ حَافِظُ الْحَيَاةِ). وَزَوَّجَهُ مِنْ أَسْنَاتَ بِنْتِ فُوطِيفَارَعَ كَاهِنِ أُونَ، فَذَاعَ اسْمُ يُوسُفَ فِي جَمِيعِ أَرْجَاءِ مِصْرَ.
٤٦ وَكَانَ يُوسُفُ فِي الثَّلاثِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا مَثَلَ أَمَامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ. وَبَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ حَضْرَةِ فِرْعَوْنَ شَرَعَ يَجُولُ فِي جَمِيعِ أَرْجَاءِ الْبِلادِ.
٤٧ وَفِي سَنَوَاتِ الْخِصْبِ السَّبْعِ غَلَّتِ الأَرْضُ بِوَفْرَةٍ، ٤٨ فَجَمَعَ كُلَّ طَعَامِ السَّبْعِ سَنَوَاتٍ الْمُتَوَافِرِ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَخَزَنَهُ فِي الْمُدُنِ، فَاخْتَزَنَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ غَلَّاتِ مَا حَوْلَهَا مِنْ حُقُولٍ. ٤٩ وَادَّخَرَ يُوسُفُ كَمِّيَّاتٍ هَائِلَةً مِنَ الْقَمْحِ حَتَّى كَفَّ عَنْ إِحْصَائِهَا لِوَفْرَتِهَا الْعَظِيمَةِ.
٥٠ وَأَنْجَبَتْ أَسْنَاتُ بِنْتُ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ أُونَ لِيُوسُفَ ابْنَيْنِ قَبْلَ حُلُولِ سَنَوَاتِ الْجُوعِ. ٥١ فَدَعَا يُوسُفُ اسْمَ الْبِكْرِ مَنَسَّى (وَمَعْنَاهُ: مَنْ يَنْسَى أَوْ الْمَنْسِيُّ) وَقَالَ: «لأَنَّ اللهَ أَنْسَانِي كُلَّ مَشَقَّتِي وَكُلَّ بَيْتِ أَبِي». ٥٢ أَمَّا الثَّانِي فَدَعَا اسْمَهُ أَفْرَايِمَ (وَمَعْنَاهُ: الْمُثْمِرُ مُضَاعَفاً) وَقَالَ: «لأَنَّ اللهَ جَعَلَنِي مُثْمِراً فِي أَرْضِ مَذَلَّتِي».
٥٣ ثُمَّ انْتَهَتْ سَبْعُ سَنَوَاتِ الرَّخَاءِ الَّذِي عَمَّ أَرْضَ مِصْرَ. ٥٤ وَحَلَّتْ سَبْعُ سَنَوَاتِ الْمَجَاعَةِ كَمَا أَنْبَأَ يُوسُفُ. فَحَدَثَتْ مَجَاعَةٌ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ. أَمَّا أَرْضُ مِصْرَ فَقَدْ تَوَافَرَ فِيهَا الْخُبْزُ. ٥٥ وَعِنْدَمَا عَمَّتِ الْمَجَاعَةُ جَمِيعَ أَرْضِ مِصْرَ صَرَخَ الشَّعْبُ إِلَى فِرْعَوْنَ طَالِبِينَ الْخُبْزَ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِكُلِّ الْمِصْرِيِّينَ: «اذْهَبُوا إِلَى يُوسُفَ وَافْعَلُوا كَمَا يَقُولُ لَكُمْ». ٥٦ وَطَغَتِ الْمَجَاعَةُ عَلَى كُلِّ أَرْجَاءِ الْبِلادِ فَفَتَحَ يُوسُفُ الْمَخَازِنَ وَبَاعَ الطَّعَامَ لِلْمِصْرِيِّينَ. وَلَكِنَّ وَطْأَةَ الْجُوعِ اشْتَدَّتْ فِي أَرْضِ مِصْرَ. ٥٧ وَأَقْبَلَ أَهْلُ الْبُلْدَانِ الأُخْرَى إِلَى مِصْرَ، إِلَى يُوسُفَ، لِيَبْتَاعُوا قَمْحاً لأَنَّ الْمَجَاعَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً فِي كُلِّ الأَرْضِ.
٤٢
إخوة يوسف في مصر
١ وَعِنْدَمَا رَأَى يَعْقُوبُ أَنَّ الْقَمْحَ مُتَوَافِرٌ فِي مِصْرَ، قَالَ لأَبْنَائِهِ: «مَا بَالُكُمْ تَنْظُرُونَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ ٢ لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ الْقَمْحَ مُتَوَافِرٌ فِي مِصْرَ. فَانْحَدِرُوا إِلَى هُنَاكَ وَاشْتَرُوا لَنَا قَمْحاً لِنَبْقَى عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ وَلا نَمُوتَ». ٣ فَذَهَبَ عَشَرَةٌ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ لِيَشْتَرُوا قَمْحاً مِنْ مِصْرَ، ٤ أَمَّا بَنْيَامِينُ أَخُو يُوسُفَ فَلَمْ يُرْسِلْهُ يَعْقُوبُ مَعَ إِخْوَتِهِ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَنَالَهُ مَكْرُوهٌ.
٥ فَقَدِمَ أَبْنَاءُ إِسْرَائِيلَ إِلَى مِصْرَ مَعَ جُمْلَةِ الْقَادِمِينَ لِيَشْتَرُوا قَمْحاً، لأَنَّ الْمَجَاعَةَ كَانَتْ قَدْ أَصَابَتْ أَرْضَ كَنْعَانَ أَيْضاً. ٦ وَكَانَ يُوسُفُ هُوَ الْمُتَسَلِّطُ عَلَى مِصْرَ، وَالْقَائِمُ عَلَى بَيْعِ الْقَمْحِ لأَهْلِهَا جَمِيعاً. فَأَقْبَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ وَسَجَدُوا لَهُ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ. ٧ فَلَمَّا رَآهُمْ عَرَفَهُمْ، وَلَكِنَّهُ تَنَكَّرَ لَهُمْ وَخَاطَبَهُمْ بِجَفَاءٍ وَسَأَلَهُمْ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟» فَأَجَابُوهُ: «مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ لِنَشْتَرِيَ طَعَاماً». ٨ وَمَعَ أَنَّ يُوسُفَ عَرَفَهُمْ، إِلّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ.
٩ ثُمَّ تَذَكَّرَ يُوسُفُ أَحْلامَهُ الَّتِي حَلَمَهَا بِشَأْنِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ، وَقَدْ جِئْتُمْ لاكْتِشَافِ ثُغُورِنَا غَيْرِ الْمَحْمِيَّةِ» ١٠ فَقَالُوا لَهُ: «لا يَا سَيِّدِي إِنَّمَا قَدِمَ عَبِيدُكَ لِشِرَاءِ الطَّعَامِ، ١١ فَنَحْنُ كُلُّنَا أَبْنَاءُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، نَحْنُ أُمَنَاءُ وَلَيْسَ عَبِيدُكَ جَوَاسِيسَ». ١٢ وَلَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: «لا! أَنْتُمْ قَدْ جِئْتُمْ لاكْتِشَافِ ثُغُورِنَا غَيْرِ الْمَحْمِيَّةِ» ١٣ فَأَجَابُوهُ: «إِنَّ عَبِيدَكَ اثْنَا عَشَرَ أَخاً، أَبْنَاءُ رَجُلٍ وَاحِدٍ مُقِيمٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَقَدْ بَقِيَ أَخُونَا الصَّغِيرُ عِنْدَ أَبِينَا الْيَوْمَ، وَالآخَرُ مَفْقُودٌ». ١٤ فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ الأَمْرَ كَمَا قُلْتُ لَكُمْ! أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ. ١٥ وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ إِنَّكُمْ لَنْ تُغَادِرُوا هُنَا حَتَّى تَأْتُوا بِأَخِيكُمُ الأَصْغَرِ، وَبِذَلِكَ تُثْبِتُونَ صِدْقَكُمْ. ١٦ أَوْفِدُوا وَاحِداً مِنْكُمْ لِيَأْتِيَ بِأَخِيكُمْ، أَمَّا بَقِيَّتُكُمْ فَتَمْكُثُونَ فِي السِّجْنِ حَتَّى تَثْبُتَ صِحَّةُ كَلامِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَإلَّا فَوَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ أَنْتُمْ لَسْتُمْ سِوَى جَوَاسِيسَ». ١٧ وَطَرَحَهُمْ فِي السِّجْنِ مَعاً ثَلاثَةَ أَيَّامٍ.
١٨ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَالَ لَهُمْ: «افْعَلُوا مَا أَطْلُبُهُ مِنْكُمْ فَتَحْيَوْا، فَأَنَا رَجُلٌ أَتَّقِي اللهَ. ١٩ إِنْ كُنْتُمْ حَقّاً صَادِقِينَ فَلْيَبْقَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ رَهِينَةً، بَيْنَمَا يَأْخُذُ بَقِيَّتُكُمُ الْقَمْحَ وَيَنْطَلِقُونَ إِلَى بُيُوتِكُمُ الْجَائِعَةِ. ٢٠ وَلَكِنْ إِيتُونِي بِأَخِيكُمُ الأَصْغَرِ فَأَتَحَقَّقَ بِذَلِكَ مِنْ صِدْقِكُمْ وَلا تَمُوتُوا». فَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ. ٢١ وَقَالُوا: «حَقّاً إِنَّنَا أَذْنَبْنَا فِي حَقِّ أَخِينَا. لَقَدْ رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ عِنْدَمَا اسْتَرْحَمَنَا فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ. لِذَلِكَ أَصَابَتْنَا هَذِهِ الضِّيقَةُ» ٢٢ فَقَالَ رَأُوبَيْنُ: «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَا تَجْنُوا عَلَيْهِ فَلَمْ تَسْمَعُوا؟ وَالآنَ هَا نَحْنُ مُطَالَبُونَ بِدَمِهِ». ٢٣ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ يُوسُفَ كَانَ فَاهِماً حَدِيثَهُمْ، لأَنَّهُ كَانَ يُخَاطِبُهُمْ عَنْ طَرِيقِ مُتَرْجِمٍ. ٢٤ فَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ وَبَكَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ وَخَاطَبَهُمْ، وَأَخَذَ شِمْعُونَ وَقَيَّدَهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ.
٢٥ ثُمَّ أَمَرَ يُوسُفُ مُوَظَّفِيهِ أَنْ يَمْلَأُوا أَكْيَاسَهُمْ بِالْقَمْحِ، وَأَنْ يَرُدُّوا فِضَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى كِيسِهِ، وَأَنْ يُعْطُوهُمْ زَاداً لِلطَّرِيقِ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ. ٢٦ فَحَمَّلُوا حَمِيرَهُمُ الْقَمْحَ وَانْطَلَقُوا مِنْ هُنَاكَ. ٢٧ وَحِينَ فَتَحَ أَحَدُهُمْ كِيسَهُ فِي الْخَانِ لِيَعْلِفَ حِمَارَهُ، لَمَحَ فِضَّتَهُ لأَنَّهَا كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي فَمِ الْكِيسِ. ٢٨ فَقَالَ لإِخْوَتِهِ: «لَقَدْ رُدَّتْ إِلَيَّ فِضَّتِي، انْظُرُوا هَا هِيَ فِي كِيسِي». فَغَاصَتْ قُلُوبُهُمْ، وَتَطَلَّعَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مُرْتَعِدِينَ وَقَالُوا: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ اللهُ بِنَا؟».
٢٩ وَعِنْدَمَا قَدِمُوا عَلَى أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ قَصُّوا عَلَيْهِ مَا حَلَّ بِهِمْ، وَقَالُوا: ٣٠ «الرَّجُلُ الْمُتَسَلِّطُ عَلَى مِصْرَ خَاطَبَنَا بِجَفَاءٍ، وَظَنَّ أَنَّنَا جَوَاسِيسُ عَلَى الأَرْضِ، ٣١ فَقُلْنَا لَهُ: نَحْنُ أُمَنَاءُ وَلَسْنَا جَوَاسِيسَ. ٣٢ نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ أَخاً أَبْنَاءُ أَبِينَا. أَحَدُنَا مَفْقُودٌ، وَالأَصْغَرُ بَقِيَ الْيَوْمَ مَعَ أَبِينَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. ٣٣ فَقَالَ لَنَا الرَّجُلُ سَيِّدُ الْبِلادِ: لِكَيْ أَتَحَقَّقَ مِنْ كَوْنِكُمْ أُمَنَاءَ. دَعُوا أَخاً وَاحِداً مِنْكُمْ عِنْدِي رَهِينَةً وَخُذُوا طَعَاماً لِبُيُوتِكُمُ الْجَائِعَةِ وَامْضُوا، ٣٤ ثُمَّ أَحْضِرُوا لِي أَخَاكُمُ الأَصْغَرَ، وَبَذَلِكَ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَوَاسِيسَ بَلْ قَوْماً أُمَنَاءَ، فَأُطْلِقَ لَكُمْ أَخَاكُمْ وَتَتَّجِرُونَ فِي الأَرْضِ». ٣٥ وَإِذْ شَرَعُوا فِي تَفْرِيغِ أَكْيَاسِهِمْ وَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِضَّتَهُ فِي كِيسِهِ، وَمَا إِنْ رَأَوْا هُمْ وَأَبُوهُمْ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَبَدَّ بِهِمِ الْخَوْفُ.
٣٦ فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: «لَقَدْ أَثْكَلْتُمُونِي أَوْلادِي. يُوسُفُ مَفْقُودٌ، وَشِمْعُونُ مَفْقُودٌ، وَهَا أَنْتُمْ تَأْخُذُونَ بِنْيَامِينَ بَعِيداً! كُلُّ هَذِهِ الدَّوَاهِي حَلَّتْ بِي!» ٣٧ فَقَالَ لَهُ رَأُوبَيْنُ: «اقْتُلِ ابْنَيَّ إِنْ لَمْ أَرْجِعْ بِهِ إِلَيْكَ. اعْهَدْ بِهِ إِلَيَّ وَأَنَا أَرُدُّهُ إِلَيْكَ». ٣٨ فَقَالَ: «لَنْ يَذْهَبَ ابْنِي مَعَكُمْ، فَقَدْ مَاتَ أَخُوهُ، وَهُوَ وَحْدَهُ بَاقٍ. فَإِنْ نَالَهُ مَكْرُوهٌ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي تَذْهَبُونَ فِيهَا، فَإِنَّكُمْ تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِحُزْنٍ إِلَى قَبْرِي».
٤٣
الرحلة الثانية إلى مصر
١ وَتَفَاقَمَتِ الْمَجَاعَةُ فِي الأَرْضِ. ٢ وَلَمَّا اسْتَهْلَكُوا الْقَمْحَ الَّذِي أَحْضَرُوهُ مِنْ مِصْرَ، قَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: «ارْجِعُوا وَاشْتَرُوا لَنَا قَلِيلاً مِنَ الطَّعَامِ». ٣ فَقَالَ يَهُوذَا: «لَقَدْ حَذَّرَنَا الرَّجُلُ أَشَدَّ تَحْذِيرٍ وَقَالَ: لَنْ تَرَوْا وَجْهِي مَا لَمْ يَكُنْ أَخُوكُمْ مَعَكُمْ. ٤ فَإِنْ كُنْتَ تُرْسِلُ أَخَانَا مَعَنَا، نَمْضِي وَنَشْتَرِي لَكَ طَعَاماً ٥ وَإلَّا فَلَنْ نَذْهَبَ لأَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لَنَا: لَا تَرَوْا وَجْهِي مَا لَمْ يَكُنْ أَخُوكُمْ مَعَكُمْ».
٦ فَقَالَ إِسْرَائِيلُ: «لِمَاذَا أَسَأْتُمْ إِلَيَّ فَأَخْبَرْتُمُ الرَّجُلَ أَنَّ لَكُمْ أَخاً أَيْضاً؟» ٧ فَأَجَابُوا: «إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ دَقَّقَ فِي اسْتِجْوَابِنَا عَنْ أَنْفُسِنَا وَعَنْ عَشِيرَتِنَا سَائِلاً: هَلْ أَبُوكُمْ حَيٌّ بَعْدُ؟ هَلْ لَكُمْ أَخٌ؟ فَأَجَبْنَاهُ حَسَبَ أَسْئِلَتِهِ. فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّهُ سَيَقُولُ: أَحْضِرُوا أَخَاكُمْ إِلَى هُنَا؟»
٨ وَقَالَ يَهُوذَا لإِسْرَائِيلَ أَبِيهِ: «أَرْسِلِ الْغُلامَ مَعِي فَنَقُومَ وَنَذْهَبَ فَنَحْيَا وَلا نَمُوتَ نَحْنُ وَأَنْتَ وَأَوْلادُنَا جَمِيعاً. ٩ وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ. مِنْ يَدِي تَطْلُبُهُ. فَإِنْ لَمْ أَرُدَّهُ إِلَيْكَ وَأُوقِفْهُ أَمَامَكَ، أَكُنْ مُذْنِباً إِلَيْكَ كُلَّ الأَيَّامِ. ١٠ فَلَوْ لَمْ نَتَوَانَ فِي السَّفَرِ لَكُنَّا قَدْ رَجَعْنَا مَرَّتَيْنِ».
١١ فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: «إِنْ كَانَ لابُدَّ مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلُوا. وَخُذُوا مَعَكُمْ هَدِيَّةً لِلرَّجُلِ: وَامْلَأُوا أَوْعِيَتَكُمْ مِنْ أَحْسَنِ مَا تُنْتِجُهُ الأَرْضُ وَقَلِيلاً مِنَ الْبَلَسَانِ وَالْعَسَلِ وِالتَّوَابِلِ الْمُرِّ وَالْفُسْتُقِ وَاللَّوْزِ. ١٢ وَخُذُوا مَعَكُمْ فِضَّةً أُخْرَى، وَالْفِضَّةَ الْمَرْدُودَةَ فِي أَفْوَاهِ أَكْيَاسِكُمْ وَأَعِيدُوهَا. فَلَعَلَّ فِي الأَمْرِ سَهْواً. ١٣ وَاسْتَصْحِبُوا مَعَكُمْ أَيْضاً أَخَاكُمْ وَقُومُوا ارْجِعُوا إِلَى الرَّجُلِ. ١٤ وَلْيُنْعِمْ عَلَيْكُمُ اللهُ الْقَدِيرُ بِالرَّحْمَةِ لَدَى الرَّجُلِ، فَيُطْلِقَ لَكُمْ أَخَاكُمُ الآخَرَ وَبَنْيَامِينَ أَيْضاً. وَأَنَا إِنْ ثَكِلْتُهُمَا، أَكُونُ قَدْ ثَكِلْتُهُمَا».
١٥ فَأَخَذَ الرِّجَالُ تِلْكَ الْهَدِيَّةَ، وَضِعْفَ الْفِضَّةِ، وَبَنْيَامِينَ، وَسَافَرُوا إِلَى مِصْرَ وَمَثَلُوا أَمَامَ يُوسُفَ. ١٦ وَعِنْدَمَا شَاهَدَ يُوسُفُ بِنْيَامِينَ مَعَهُمْ قَالَ لِمُدَبِّرِ بَيْتِهِ: «أَدْخِلِ الرِّجَالَ إِلَى الْبَيْتِ وَاذْبَحْ ذَبِيحَةً وَهَيِّئْهَا، لأَنَّ هَؤُلاءِ الرِّجَالَ سَيَتَنَاوَلُونَ مَعِي الطَّعَامَ فِي سَاعَةِ الْغَذَاءِ». ١٧ فَفَعَلَ الرَّجُلُ كَمَا أَمَرَ يُوسُفُ، وَأَدْخَلَ الرِّجَالَ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ.
١٨ وَلَمَّا أُدْخِلُوا إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ اعْتَرَاهُمُ الْخَوْفُ وَقَالُوا: «لَقَدْ جِيءَ بِنَا إِلَى هُنَا لِيَهْجُمَ عَلَيْنَا وَيَقَعَ بِنَا وَيَسْتَعْبِدَنَا وَيَسْتَوْلِيَ عَلَى حَمِيرِنَا، بِسَبَبِ الْفِضَّةِ الأُولَى الْمَرْدُودَةِ فِي أَكْيَاسِنَا». ١٩ فَتَقَدَّمُوا إِلَى مُدَبِّرِ بَيْتِ يُوسُفَ وَقَالُوا لَهُ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ: ٢٠ «اسْتَمِعْ يَا سَيِّدِي، لَقَدْ قَدِمْنَا إِلَى هُنَا فِي الْمَرَّةِ الأُولَى لِنَشْتَرِيَ طَعَاماً، ٢١ وَلَكِنَّنَا حِينَ نَزَلْنَا فِي الْخَانِ وَفَتَحْنَا أَكْيَاسَنَا عَثَرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى فِضَّتِهِ بِكَامِلِ وَزْنِهَا فِي فَمِ كِيسِهِ، فَأَحْضَرْنَاهَا مَعَنَا لِنَرُدَّهَا. ٢٢ وَجِئْنَا مَعَنَا بِفِضَّةٍ أُخْرَى لِنَشْتَرِيَ طَعَاماً. وَلَسْنَا نَدْرِي مَنْ وَضَعَ فِضَّتَنَا فِي أَكْيَاسِنَا».
٢٣ فَقَالَ: «سَلامٌ لَكُمْ، لَا تَخَافُوا، فَإِنَّ إِلَهَكُمْ وَإِلَهَ أَبِيكُمْ قَدْ وَهَبَكُمْ كَنْزاً فِي أَكْيَاسِكُمْ، أَمَّا فِضَّتُكُمْ فَقَدْ وَصَلَتْ إِلَيَّ». ثُمَّ أَخْرَجَ إِلَيْهِمْ شِمْعُونَ. ٢٤ وَأَدْخَلَ الرَّجُلُ الْقَوْمَ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ وَقَدَّمَ لَهُمْ مَاءً لِيَغْسِلُوا أَرْجُلَهُمْ، وَعَلِيقاً لِحَمِيرِهِمْ. ٢٥ وَأَعَدُّوا الْهَدِيَّةَ فِي انْتِظَارِ مَجِيءِ يُوسُفَ عِنْدَ الظُّهْرِ، لأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُمْ سَيَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ هُنَاكَ.
٢٦ فَلَمَّا أَقْبَلَ يُوسُفُ إِلَى الْبَيْتِ أَحْضَرُوا إِلَيْهِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي حَمَلُوهَا مَعَهُمْ إِلَى الْبَيْتِ، وَانْحَنَوْا أَمَامَهُ إِلَى الأَرْضِ. ٢٧ فَسَأَلَهُمْ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ أَبُوكُمُ الشَّيْخُ الَّذِي أَخْبَرْتُمْ عَنْهُ بِخَيْرٍ؟ أَمَازَالَ حَيًّا؟» ٢٨ فَأَجَابُوا: «عَبْدُكَ أَبُونَا بِخَيْرٍ، وَهُوَ مَازَالَ حَيًّا». وَانْحَنَوْا وَسَجَدُوا.
٢٩ وَتَلَفَّتَ فَرَأَى أَخَاهُ الشَّقِيقَ بِنْيَامِينَ، فَقَالَ: «أَهَذَا أَخُوكُمُ الأَصْغَرُ الَّذِي أَخْبَرْتُمُونِي عَنْهُ؟» ثُمَّ قَالَ: «لِيُنْعِمِ اللهُ عَلَيْكَ يَا ابْنِي». ٣٠ وَانْدَفَعَ يُوسُفُ إِلَى مُخْدَعِهِ وَبَكَى هُنَاكَ لأَنَّ عَوَاطِفَهُ حَنَّتْ إِلَى أَخِيهِ.
٣١ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَخَرَجَ مُمْسِكاً نَفْسَهُ عَنْ الْبُكَاءِ، وَقَالَ: «قَدِّمُوا الطَّعَامَ». ٣٢ فَقَدَّمُوا لَهُ وَحْدَهُ، وَلَهُمْ وَحْدَهُمْ، وَلِلْمِصْرِيِّينَ الآكِلِينَ مَعَهُ وَحْدَهُمْ، إِذْ أَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ أَنْ يَأْكُلُوا مَعَ الْعِبْرَانِيِّينَ، لأَنَّ ذَلِكَ رِجْسٌ عِنْدَهُمْ. ٣٣ فَجَلَسُوا فِي مَحْضَرِهِ، كُلٌّ وَفْقاً لِعُمْرِهِ، مِنَ الْبِكْرِ حَتَّى الصَّغِيرِ. فَنَظَرُوا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مُتَعَجِّبِين. ٣٤ وَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ حِصَصاً مِنْ مَائِدَتِهِ، فَكَانَتْ حِصَّةُ بِنْيَامِينَ خَمْسَةَ أَضْعَافِ حِصَصِ إِخْوَتِهِ. وَاحْتَفُوا وَشَرِبُوا مَعَهُ.
٤٤
الكأس الفضية في الكيس
١ وَأَمَرَ يُوسُفُ مَدَبِّرَ بَيْتِهِ قَائِلاً: «امْلأْ أَكْيَاسَ الرِّجَالِ بِالطَّعَامِ بِقَدْرِ وُسْعِهَا، وَرُدَّ فِضَّةَ كُلِّ رَجُلٍ إِلَى فَمِ كِيسِهِ. ٢ وَضَعْ فِي فَمِ كِيسِ الصَّغِيرِ كَأْسِيَ الْفِضِّيَّةَ وَثَمَنَ قَمْحِهِ». فَنَفَّذَ أَمْرَ يُوسُفَ. ٣ وَمَا إِنْ أَشْرَقَ الصَّبَاحُ حَتَّى انْطَلَقَ الرِّجَالُ، هُمْ وَحَمِيرُهُمْ. ٤ وَمَا كَادُوا يَبْتَعِدُونَ عَنِ الْمَدِينَةِ قَلِيلاً حَتَّى قَالَ يُوسُفُ لِمُدَبِّرِ بَيْتِهِ: «اسْعَ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَمَا إِنْ تُدْرِكُهُمْ حَتَّى تَقُولَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُكَافِئُونَ الْخَيْرَ بِالشَّرِّ؟ ٥ أَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الكَأْسُ الَّتِي يَشْرَبُ فِيهَا سَيِّدِي وَيَتَفَاءَلُ بِالْغَيْبِ؟ لَشَدَّ مَا أَسَأْتُمْ فِي مَا صَنَعْتُمْ».
٦ فَلَمَّا أَدْرَكَهُمْ خَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ، فَأَجَابُوهُ: ٧ «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ سَيِّدِي بِمِثْلِ هَذَا الْكَلامِ؟ حَاشَا لِعَبِيدِكَ أَنْ يَرْتَكِبُوا هَذَا الأَمْرَ. ٨ هُوَذَا الْفِضَّةُ الَّتِي عَثَرْنَا عَلَيْهَا فِي أَفْوَاهِ أَكْيَاسِنَا رَدَدْنَاهَا لَكَ مَعَنَا مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ، فَكَيْفَ نَسْرِقُ فِضَّةً أَوْ ذَهَباً مِنْ بَيْتِ سَيِّدِكَ؟ ٩ مَنْ تَجِدْ مَعَهُ الْكَأْسَ مِنْ عَبِيدِكَ يَمُتْ، وَنَكُنْ نَحْنُ أَيْضاً عَبِيداً لِسَيِّدِي». ١٠ فَقَالَ: «فَلْيَكُنْ كَمَا تَقُولُونَ. فَالَّذِي أَجِدُهَا مَعَهُ يُصْبِحُ عَبْداً لِي، وَالْبَاقُونَ يَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ». ١١ فَبَادَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى كِيسِهِ وَحَطَّهُ عَلَى الأَرْضِ وَفَتَحَهُ، ١٢ فَفَتَّشَ مُبْتَدِئاً مِنْ كِيسِ الْكَبِيرِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى كِيسِ الصَّغِيرِ، فَعَثَرَ عَلَى الْكَأْسِ فِي كِيسِ بِنْيَامِينَ. ١٣ فَمَزَّقُوا ثِيَابَهُمْ وَحَمَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ كِيسَهُ عَلَى حِمَارِهِ وَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ.
١٤ وَدَخَلَ يَهُوذَا وَإخْوَتُهُ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ إِذْ كَانَ مَا بَرِحَ هُنَاكَ، فَارْتَمَوا أَمَامَهُ إِلَى الأَرْضِ. ١٥ فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «أَيُّ جِنَايَةٍ اقْتَرَفْتُمْ؟ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَجُلاً مِثْلِي يَسْتَخْدِمُ كَأْسَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْغَيْبِ؟» ١٦ فَقَالَ يَهُوذَا: «مَاذَا نَقُولُ لِسَيِّدِي، وَبِمَاذَا نُخَاطِبُهُ، وَكَيْفَ نُبْرِئُ أَنْفُسَنَا؟ إِنَّ اللهَ قَدْ فَضَحَ إِثْمَ عَبِيدِكَ. فَنَحْنُ وَمَنْ عُثِرَ مَعَهُ عَلَى الْكَأْسِ عَبِيدٌ لِسَيِّدِي». ١٧ فَقَالَ: «حَاشَا لِي أَنْ أَفْعَلَ هَذَا؛ إِنَّمَا الرَّجُلُ الَّذِي عُثِرَ مَعَهُ عَلَى الْكَأْسِ هُوَ يَكُونُ لِي عَبْداً، أَمَّا أَنْتُمْ فَامْضُوا إِلَى أَبِيكُمْ بِأَمَانٍ».
١٨ فَتَقَدَّمَ مِنْهُ يَهُوذَا وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي، دَعْ عَبْدَكَ يَنْطِقُ بِكَلِمَةٍ فِي مَسْمَعِ سَيِّدِي، وَلا يَحْتَدِمْ غَضَبُكَ عَلَى عَبْدِكَ، لأَنَّ سُلْطَتَكَ مُمَاثِلَةٌ لِسُلْطَةِ فِرْعَوْنَ. ١٩ لَقَدْ سَأَلَ سَيِّدِي عَبِيدَهُ: أَلَكُمْ أَبٌ أَوْ أَخٌ؟ ٢٠ فَأَجَبْنَا سَيِّدِي: لَنَا أَبٌ شَيْخٌ، وَابْنُ شَيْخُوخَةٍ صَغِيرٌ مَاتَ أَخُوهُ الشَّقِيقُ وَبَقِيَ هُوَ وَحْدَهُ مِنْ أُمِّهِ، وَأَبُوهُ يُحِبُّهُ. ٢١ فَقُلْتَ لِعَبِيدِكَ: أَحْضِرُوهُ إِلَيَّ لأَرَاهُ بِعَيْنَيَّ. ٢٢ فَقُلْنَا لِسَيِّدِي: لَا يَقْدِرُ الْغُلامُ أَنْ يَتْرُكَ أَبَاهُ لِئَلّا يَمُوتَ أَبُوهُ إِذَا فَارَقَهُ. ٢٣ فَقُلْتَ لِعَبِيدِكَ: مَا لَمْ تُحْضِرُوا أَخَاكُمْ إِلَيَّ لَا تَرَوْنَ وَجْهِي بَعْدُ. ٢٤ فَعِنْدَمَا قَدِمْنَا عَلَى عَبْدِكَ أَبِي، أَخْبَرْنَاهُ بِحَدِيثِ سَيِّدِي. ٢٥ فَقَالَ أَبُونَا: ارْجِعُوا وَاشْتَرُوا لَنَا بَعْضَ الطَّعَامِ. ٢٦ فَأَجَبْنَا: لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ مَا لَمْ نَأْخُذْ أَخَانَا مَعَنَا، لأَنَّنَا لَا نَقْدِرُ أَنْ نُقَابِلَ الرَّجُلَ مَا لَمْ يَكُنْ أَخُونَا الصَّغِيرُ مَعَنَا. ٢٧ فَقَالَ لَنَا عَبْدُكَ أَبُونَا: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ زَوْجَتِي قَدْ أَنْجَبَتْ لِيَ ابْنَيْنِ، ٢٨ فَقَدْتُ أَحَدَهُمَا وَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ قَدِ افْتُرِسَ افْتِرَاساً. وَلَمْ أَرَهُ إِلَى الآنَ. ٢٩ فَإِنْ أَخَذْتُمْ هَذَا مِنِّي، وَلَحِقَهُ مَكْرُوهٌ، تُنْزِلُونَنِي إِلَى الْقَبْرِ بِشَيْبَةٍ شَقِيَّةٍ. ٣٠ فَإِذَا عُدْتُ إِلَى عَبْدِكَ أَبِي الَّذِي تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِنَفْسِ الْغُلامِ، وَلَمْ يَكُنِ الْغُلامُ مَعَنَا، ٣١ وَرَأَى أَنَّ الْغُلامَ مَفْقُودٌ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ، وَيُوَارِي عَبِيدُكَ شَيْبَةَ عَبْدِكَ أَبِيهِمْ بِشَقَاءٍ فِي الْقَبْرِ. ٣٢ لأَنَّ عَبْدَكَ ضَمِنَ الْغُلامَ لأَبِي، وَقُلْتُ: إِنْ لَمْ أُرْجِعْهُ إِلَيْكَ أَكُنْ مُذْنِباً إِلَيْكَ مَدَى الْحَيَاةِ. ٣٣ فَأَرْجُو مِنْ سَيِّدِي أَنْ يَتَّخِذَنِي عَبْداً لَهُ بَدَلاً مِنْ الْغُلامِ، وَدَعِ الْغُلامَ يَمْضِي مَعَ بَقِيَّةِ إِخْوَتِهِ، ٣٤ إِذْ كَيْفَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَبِي وَالْغُلامُ لَيْسَ مَعِي وَأَشْهَدَ مَا يَحِلُّ بِهِ مِنَ الشَّرِّ؟».
٤٥
يوسف يكشف عن نفسه
١ فَلَمْ يَسْتَطِعْ يُوسُفُ أَنْ يَتَمَالَكَ نَفْسَهُ أَمَامَ الْمَاثِلِينَ أَمَامَهُ، فَصَرَخَ: «لِيَخْرُجِ الْجَمِيعُ مِنْ هُنَا». فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مَعَ يُوسُفَ حِينَ كَشَفَ عَنْ نَفْسِهِ لإِخْوَتِهِ. ٢ وَبَكَى بِصَوْتٍ عَالٍ فَسَمِعَ الْمِصْرِيُّونَ كَمَا سَمِعَ بَيْتُ فِرْعَوْنَ. ٣ وَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: «أَنَا يُوسُفُ. فَهَلْ أَبِي مَازَالَ حَيًّا؟» فَلَمْ يَسْتَطِعْ إِخْوَتُهُ أَنْ يُجِيبُوهُ لأَنَّهُمُ امْتَلأُوا رُعْباً مِنْهُ.
٤ فَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: «اُدْنُوا مِنِّي». فَاقْتَرَبُوا مِنْهُ، فَقَالَ: «أَنَا يُوسُفُ أَخُوكُمُ الَّذِي بِعْتُمُوهُ إِلَى مِصْرَ. ٥ فَلا تَتَأَسَّفُوا الآنَ، وَلا يَصْعُبْ عَلَيْكُمْ أَنَّكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى هُنَا، لأَنَّ اللهَ أَرْسَلَنِي أَمَامَكُمْ حِفَاظاً عَلَى حَيَاتِكُمْ. ٦ فَقَدْ صَارَ لِلْمَجَاعَةِ فِي هَذِهِ الأَرْضِ سَنَتَانِ، وَبَقِيَتْ خَمْسُ سَنَوَاتٍ لَنْ يَكُونَ فِيهَا فَلاحَةٌ وَلا حَصَادٌ. ٧ وَقَدْ أَرْسَلَنِي اللهُ أَمَامَكُمْ لِيَجْعَلَ لَكُمْ بَقِيَّةً فِي الأَرْضِ وَيُنْقِذَ حَيَاتَكُمْ بِخَلاصٍ عَظِيمٍ. ٨ فَلَسْتُمْ إِذاً أَنْتُمُ الَّذِينَ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى هُنَا بَلِ اللهُ، الَّذِي جَعَلَنِي مُسْتَشَاراً لِفِرْعَوْنَ وَسَيِّداً لِكُلِّ بَيْتِهِ، وَمُتَسَلِّطاً عَلَى جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ. ٩ فَأَسْرِعُوا وَارْجِعُوا إِلَى أَبِي وَقُولُوا لَهُ: ابْنُكَ يُوسُفُ يَقُولُ: لَقَدْ أَقَامَنِي اللهُ سَيِّداً عَلَى كُلِّ مِصْرَ. تَعَالَ وَلا تَتَبَاطَأْ. ١٠ فَتُقِيمَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ لِتَكُونَ قَرِيباً مِنِّي أَنْتَ وَبَنُوكَ وَأَحْفَادُكَ وَغَنَمُكَ وَبَقَرُكَ وَكُلُّ مَالَكَ. ١١ وَأَعُولُكَ هُنَاكَ لأَنَّ الْجُوعَ سَيَسْتَمِرُّ خَمْسَ سَنَوَاتٍ أُخْرَى، فَلا تَحْتَاجُ أَنْتَ وَعَائِلَتُكَ وَبَهَائِمُكَ. ١٢ وَهَا أَنْتُمْ وَأَخِي بِنْيَامِينُ شُهُودٌ أَنَّنِي أَنَا حَقّاً الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ. ١٣ وَتُحَدِّثُونَ أَبِي عَنْ كُلِّ مَجْدِي فِي مِصْرَ وَعَمَّا شَهِدْتُمُوهُ. وَتُسْرِعُونَ فِي إِحْضَارِ أَبِي إِلَى هُنَا».
١٤ ثُمَّ تَعَانَقَ يُوسُفُ وَبِنْيَامِينُ وَبَكَيَا ١٥ وَقَبَّلَ يُوسُفُ بَاقِي إِخْوَتِهِ وَبَكَى مَعَهُمْ. وَعِنْدَئِذٍ فَقَطْ تَجَرَّأَ إِخْوَتُهُ عَلَى مُخَاطَبَتِهِ.
١٦ وَسَرَى الْخَبَرُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ وَقِيلَ قَدْ جَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ، فَسَرَّ ذَلِكَ فِرْعَوْنَ، وَعَبِيدَهُ أَيْضاً. ١٧ وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «اطْلُبْ مِنْ إِخْوَتِكَ أَنْ يُحَمِّلُوا دَوَابَهُمْ بِالْقَمْحِ وَيَرْجِعُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، ١٨ لِيُحْضِرُوا أَبَاهُمْ وَأُسَرَهُمْ وَيَجِيئُوا إِلَيَّ، فَأُعْطِيَهُمْ أَفْضَلَ أَرْضِ مِصْرَ لِيَسْتَمْتِعُوا بِخَيْرَاتِهَا. ١٩ وَقَدْ صَدَرَ أَمْرٌ إِلَيْكَ أَنْ يَأْخُذُوا لَهُمْ عَرَبَاتٍ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَنْقُلُوا عَلَيْهَا أَوْلادَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأَبَاهُمْ وَيَحْضُرُوا إِلَى هُنَا. ٢٠ لَا يَكْتَرِثُوا لِمَا يُخَلِّفُونَهُ مِنْ مَتَاعٍ، فَخَيْرَاتُ أَرْضِ مِصْرَ كُلِّهَا هِيَ لَهُمْ».
٢١ فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَكَذَا، وَأَعْطَاهُمْ يُوسُفُ عَرَبَاتٍ حَسَبَ أَمْرِ فِرْعَوْنَ وَمَؤُونَةً لِلطَّرِيقِ. ٢٢ وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُلَلَ ثِيَابٍ. أَمَّا بِنْيَامِينُ فَخَصَّهُ بِثَلاثِ مِئَةِ قِطْعَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَخَمْسِ حُلَلِ ثِيَابٍ. ٢٣ وَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهِ عَشَرَةَ حَمِيرٍ مُحَمَّلَةٍ بِأَفْضَلِ خَيْرَاتِ مِصْرَ وَعَشْرَ أُتُنٍ مُثْقَلَةٍ بِالْحِنْطَةِ وَخُبْزاً وَطَعَاماً يَقْتَاتُ مِنْهَا فِي الطَّرِيقِ. ٢٤ وَهَكَذَا صَرَفَ إِخْوَتَهُ بَعْدَ أَنْ أَوْصَاهُمْ: «لا تَتَخَاصَمُوا فِي الطَّرِيقِ».
٢٥ وَانْطَلَقُوا مِنْ مِصْرَ حَتَّى أَقْبَلُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ. ٢٦ فَقَالُوا لَهُ: «إِنَّ يُوسُفَ مَازَالَ حَيًّا، وَهُوَ الْمُتَسَلِّطُ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ». فَغُشِيَ عَلَى قَلْبِ يَعْقُوبَ لأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ. ٢٧ ثُمَّ حَدَّثُوهُ بِكَلامِ يُوسُفَ. وَعِنْدَمَا عَايَنَ يَعْقُوبُ الْعَرَبَاتِ الَّتِي أَرْسَلَهَا يُوسُفُ لِتَنْقُلَهُ، انْتَعَشَتْ رُوحُهُ، ٢٨ وَقَالَ: «كَفَى! يُوسُفُ ابْنِي حَيٌّ بَعْدُ، سَأَذْهَبُ لأَرَاهُ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ».
٤٦
يعقوب يرتحل إلى مصر
١ وَارْتَحَلَ إِسْرَائِيلُ وَكُلُّ مَالَهُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، فَقَدَّمَ ذَبَائِحَ إِلَى إِلَهِ أَبِيهِ إِسْحاقَ. ٢ وَقَالَ اللهُ لإِسْرَائِيلَ فِي رُؤَى اللَّيْلِ: «يَعْقُوبُ، يَعْقُوبُ». فَأَجَابَ: «هَا أَنَا» ٣ فَقَالَ: «أَنَا هُوَ اللهُ، إِلَهُ أَبِيكَ. لَا تَخَفْ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى مِصْرَ لأَنِّي أَجْعَلُكَ أُمَّةً عَظِيمَةً هُنَاكَ. ٤ أَنَا أَصْحَبُكَ إِلَى مِصْرَ، وَأَنَا أُرْجِعُكَ أَيْضاً، وَيُغْمِضُ يُوسُفُ أَجْفَانَكَ بِيَدَيْهِ عِنْدَ مَوْتِكَ».
٥ فَانْطَلَقَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ. وَحَمَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ أَبَاهُمْ وَأَوْلادَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ فِي الْعَرَبَاتِ الَّتِي أَرْسَلَهَا فِرْعَوْنُ لِنَقْلِهِ. ٦ وَأَخَذُوا مَعَهُمْ مَوَاشِيَهُمْ وَمُقْتَنَيَاتِهِمِ الَّتِي اقْتَنَوْهَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَجَاءُوا جَمِيعاً إِلَى مِصْرَ، ٧ فَقَدْ صَحِبَ يَعْقُوبُ مَعَهُ إِلَى مِصْرَ أَبْنَاءَهُ وَأَحْفَادَهُ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَسَائِرَ ذُرِّيَّتِهِ.
٨ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَدِمُوا مَعَهُ إِلَى مِصْرَ. يَعْقُوبُ وَأَبْنَاؤُهُ: رَأُوبَيْنُ بِكْرُ يَعْقُوبَ. ٩ وَأَبْنَاءُ رَأُوبَيْنَ: حَنُوكُ وَفَلُّو وَحَصْرُونُ وَكَرْمِي. ١٠ وَأَبْنَاءُ شِمْعُونَ: يَمُوئِيلُ وَيَامِينُ وَأُوهَدُ وَيَاكِينُ وَصُوحَرُ وَشَأُولُ ابْنُ الْكَنْعَانِيَّةِ. ١١ وَأَبْنَاءُ لاوِي: جِرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. ١٢ وَأَبْنَاءُ يَهُوذَا: عِيرٌ وَأُونَانُ وَشِيلَةُ وَفَارَصُ وَزَارَحُ. وَمَاتَ عِيرٌ وَأُونَانُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَأَمَّا ابْنَا فَارَصَ فَهُمَا حَصْرُونُ وَحَامُولُ. ١٣ وَأَبْنَاءُ يَسَّاكَرَ: تُولاعُ وَفَوَّةُ وَيُوبٌ وَشِمْرُونُ. ١٤ وَأَبْنَاءُ زَبُولُونَ: سَارَدُ وَإِيلُونُ وَيَاحَلْئِيلُ. ١٥ هَؤُلاءِ جَمِيعُهُمْ أَبْنَاءُ لَيْئَةَ الَّذِينَ أَنْجَبَتْهُمْ لِيَعْقُوبَ فِي سَهْلِ أَرَامَ، فَضْلاً عَنِ ابْنَتِهِ دِينَةَ. فَكَانَ مَجْمُوعُ عَدَدِ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَأَحْفَادِهِ مِنْ لَيْئَةَ ثَلاثَةً وَثَلاثِينَ.
١٦ وَأَبْنَاءُ جَادٍ صِفْيُونُ وَحَجِّي وَشُونِي وَأَصْبُونَ وَعِيرِي وَأَرُودِي وَأَرْئِيلِي. ١٧ وَأَبْنَاءُ أَشِيرَ: يِمْنَةُ وَيِشْوَةُ وَيِشْوِيُ وَبَرِيعَةُ وَأُخْتُهُمْ سَارَحُ. أَمَّا ابْنَا بَرِيعَةَ فَهُمَا حَابَرُ وَمَلْكِيئِيلُ. ١٨ هُؤُلاءِ هُمْ بَنُو زِلْفَةَ جَارِيَةِ لَيْئَةَ الَّتِي وَهَبَهَا إِيَّاهَا لابَانُ. فَكَانَ عَدَدُ ذُرِّيَّتِهَا الَّتِي أَنْجَبَتْهَا لِيَعْقُوبَ سِتَّ عَشْرَةَ نَفْساً.
١٩ أَمَّا ابْنَا رَاحِيلَ زَوْجَةِ يَعْقُوبَ فَهُمَا يُوسُفُ وَبِنْيَامِينُ. ٢٠ وَوُلِدَ لِيُوسُفَ فِي أَرْضِ مِصْرَ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمُ اللَّذَانِ أَنْجَبَتْهُمَا لَهُ أَسْنَاتُ ابْنَةُ فُوطِيفَارَعَ كَاهِنِ أُونٍ. ٢١ وَأَبْنَاءُ بِنْيَامِينَ بَالَعُ وَبَاكَرُ وَأَشْبِيلُ وَجِيرَا وَنَعْمَانُ وَإِيحِي وَرُوشُ وَمُفِّيمُ وَحُفِّيمُ وَأَرْدُ ٢٢ هَؤُلاءِ ذُرِّيَّةُ رَاحِيلَ الَّذِينَ وُلِدُوا لِيَعْقُوبَ. وَعَدَدُهُمْ جَمِيعاً أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَخْصاً.
٢٣ وَابْنُ دَانٍ هُوَ حُوشِيمُ. ٢٤ وَأَبْنَاءُ نَفْتَالِي: يَاحَصْئِيلُ وَجُونِي وَيِصْرُ وَشِلِّيمُ. ٢٥ هَؤُلاءِ بَنُو يَعْقُوبَ الَّذِينَ أَنْجَبَتْهُمْ لَهُ بِلْهَةُ جَارِيَةُ رَاحِيلَ الَّتِي أَعْطَاهَا إِيَّاهَا أَبُوهَا لابَانُ، وَعَدَدُهُمْ جَمِيعاً سَبْعَةُ أَشْخَاصٍ.
٢٦ فَكَانَ عَدَدُ جَمِيعِ الأَشْخَاصِ الْخَارِجِينَ مِنْ صُلْبِ يَعْقُوبَ، مِمَّنْ وَفَدُوا إِلَى مِصْرَ، سِتَّةً وَسِتِّينَ شَخْصاً مَاعَدَا زَوْجَاتِ أَبْنَائِهِ. ٢٧ وَابْنَا يُوسُفَ اللَّذَانِ وُلِدَا لَهُ فِي مِصْرَ هُمَا شَخْصَانِ. فَيَكُونُ عَدَدُ نُفُوسِ بَيْتِ يَعْقُوبَ الَّتِي قَدِمَتْ إِلَى مِصْرَ سَبْعِينَ نَفْساً.
٢٨ وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ يَهُوذَا أَمَامَهُ إِلَى يُوسُفَ لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى جَاسَانَ. ٢٩ فَأَعَدَّ يُوسُفُ مَرْكَبَتَهُ وَصَعِدَ لِلِقَاءِ أَبِيهِ إِسْرَائِيلَ فِي جَاسَانَ. وَمَا إِنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ حَتَّى عَانَقَهُ يُوسُفُ وَبَكَى زَمَاناً طَوِيلاً. ٣٠ وَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «دَعْنِي أَمُوتُ الآنَ إِذْ قَدْ أَبْصَرْتُ وَجْهَكَ وَرَأَيْتُ أَنَّكَ مَازِلْتَ حَيًّا».
٣١ وَخَاطَبَ يُوسُفُ إخْوَتَهُ وَبَيْتَ أَبِيهِ: «أَنَا مَاضٍ الآنَ إِلَى فِرْعَوْنَ لأُخْبِرَهُ أَنَّ إخْوَتِي وَبَيْتَ أَبِي الْمُقِيمِينَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ قَدْ قَدِمُوا إِلَيَّ. ٣٢ وَهُمْ رُعَاةُ غَنَمٍ، وَحِرْفَتُهُمْ رِعَايَةُ الْمَوَاشِي، لِذَلِكَ أَحْضَرُوا مَعَهُمْ غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَكُلَّ مَالَهُمْ. ٣٣ فَإِذَا دَعَاكُمْ وَسَأَلَكُمْ: مَا حِرْفَتُكُمْ؟ ٣٤ قُولُوا: حِرْفَتُنَا رِعَايَةُ الْمَوَاشِي مُنْذُ صِبَانَا إِلَى الآنَ، كَذَلِكَ نَحْنُ وَهَكَذَا كَانَ آبَاؤُنَا جَمِيعاً. لِكَيْ تُقِيمُوا فِي أَرْضِ جَاسَانَ؛ لأَنَّ كُلَّ رَاعِي غَنَمٍ نَجِسٌ لَدَى الْمِصْرِيِّينَ».
٤٧
١ وَمَثَلَ يُوسُفُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ جَاءَ أَبِي وَإِخْوَتِي مَعَ قُطْعَانِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَكُلِّ مَالَهُمْ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ، وَهَا هُمُ الآنَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ». ٢ وَأَخَذَ خَمْسَةً مِنْ إِخْوَتِهِ وَقَدَّمَهُمْ إِلَى فِرْعَوْنَ. ٣ فَسَأَلَهُمْ فِرْعَوْنُ: «مَا هِيَ حِرْفَتُكُمْ؟» فَأَجَابُوهُ: «عَبِيدُكَ وَآبَاؤُهُمْ رُعَاةُ غَنَمٍ. ٤ وَلَقَدْ جِئْنَا لِنَتَغَرَّبَ فِي الأَرْضِ إِذْ لَيْسَ لِغَنَمِ عَبِيدِكَ مَرْعىً مِنْ جَرَّاءِ وَطْأَةِ الْجُوعِ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، فَدَعْ عَبِيدَكَ يُقِيمُونَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ».
٥ فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «لَقَدْ جَاءَ إِلَيْكَ أَبُوكَ وَإِخْوَتُكَ، ٦ وَأَرْضُ مِصْرَ أَمَامَكَ، فَأَنْزِلْ أَبَاكَ وَإِخْوَتَكَ فِي أَفْضَلِ الأَرْضِ. دَعْهُمْ يُقِيمُونَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ. وَإِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ بَيْنَهُمْ ذَوِي خِبْرَةٍ فَاعْهَدْ إِلَيْهِمْ فِي الإِشْرَافِ عَلَى مَوَاشِيَّ».
٧ ثُمَّ أَحْضَرَ يُوسُفُ أَبَاهُ يَعْقُوبَ وَأَوْقَفَهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ، فَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ. ٨ وَسَأَلَ فِرْعَوْنُ يَعْقُوبَ: «كَمْ هُوَ عُمْرُكَ؟» ٩ فَأَجَابَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ: «سَنَوَاتُ غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاثُونَ سَنَةً، قَلِيلَةٌ وَشَاقَّةٌ، وَلَمْ تَبْلُغْ سِنِي غُرْبَةِ آبَائِي». ١٠ ثُمَّ بَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ وَخَرَجَ مِنْ لَدُنِهِ.
١١ وَأَنْزَلَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ فِي مِصْرَ وَمَلَّكَهُمْ فِي رَعَمْسِيسَ أَجْوَدَ الأَرْضِ كَمَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ. ١٢ وَأَمَدَّ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَهْلَ بَيْتِ أَبِيهِ بِالطَّعَامِ عَلَى حَسَبِ عَدَدِ أَوْلادِهِمْ.
يوسف والمجاعة
١٣ وَنَفَدَ الْخُبْزُ فِي جَمِيعِ الْبِلادِ لِشِدَّةِ الْمَجَاعَةِ، وَأَقْحَلَتْ أَرْضُ مِصْرَ وَأَرْضُ كَنْعَانَ مِنَ الْجُوعِ. ١٤ فَقَايَضَ يُوسُفُ الْقَمْحَ الَّذِي بِيعَ بِكُلِّ الْفِضَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَفِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَحَمَلَهَا إِلَى خَزِينَةِ فِرْعَوْنَ. ١٥ وَعِنْدَمَا نَفَدَتِ الْفِضَّةُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَمِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ أَقْبَلَ جَمِيعُ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى يُوسُفَ قَائِلِينَ: «أَعْطِنَا خُبْزاً، فَلِمَاذَا نَمُوتُ أَمَامَ عَيْنَيْكَ؟ إِنَّ فِضَّتَنَا قَدْ نَفَدَتْ». ١٦ فَأَجَابَهُمْ: «إِنْ نَفَدَتْ فِضَّتُكُمْ، فَهَاتُوا مَوَاشِيَكُمْ أُقَايِضُكُمْ بِها طَعَاماً». ١٧ فَأَتَوْا بِمَوَاشِيهِمْ، فَقَايَضَهُمْ يُوسُفُ خُبْزاً بِالْخَيْلِ وَمَوَاشِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ. وَهَكَذَا قَايَضَ جَميِعَ مَوَاشِيهِمْ بِالْخُبْزِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.
١٨ وَعِنْدَمَا انْقَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ، أَقْبَلُوا إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ قَائِلِينَ: «لا نُخْفِي عَنْ سَيِّدِي أَنَّ فِضَّتَنَا قَدْ نَفَدَتْ، وَأَنَّ مَوَاشِيَ الْبَهَائِمِ قَدْ أَصْبَحَتْ عِنْدَ سَيِّدِي، وَلَمْ يَبْقَ أَمَامَهُ إِلّا أَبْدَانُنَا وَأَرَاضِينَا، ١٩ فَلِمَاذَا نَمُوتُ نَحْنُ، وَأَرْضُنَا أَمَامَ عَيْنَيْكَ، اشْتَرِنَا نَحْنُ وَأَرْضَنَا لِقَاءَ الْخُبْزِ فَنُصْبِحَ نَحْنُ وَأَرَاضِينَا عَبِيداً لِفِرْعَوْنَ. وَأَعْطِنَا بُذُوراً لِنَزْرَعَهَا فَنَحْيَا وَلا نَمُوتَ وَلا تَصِيرَ أَرَاضِينَا مُقْفِرَةً».
٢٠ وَهَكَذَا اشْتَرَى يُوسُفُ لِفِرْعَوْنَ كُلَّ أَرْضِ مِصْرَ، لأَنَّ جَمِيعَ الْمِصْرِيِّينَ بَاعُوا حُقُولَهُمْ مِنْ جَرَّاءِ الْمَجَاعَةِ الَّتِي أَلَمَّتْ بِهِمْ، وَصَارَتْ كُلُّ الأَرْضِ مِلْكاً لِفِرْعَوْنَ. ٢١ أَمَّا الشَّعْبُ فَقَدْ نَقَلَهُمْ إِلَى الْمُدُنِ مِنْ أَقْصَى حُدُودِ مِصْرَ إِلَى أَقْصَاهَا. ٢٢ إِلّا أَنَّ أَرْضَ الْكَهَنَةِ لَمْ يَشْتَرِهَا، إِذْ كَانَ لِلْكَهَنَةِ مُخَصَّصَاتٌ مُعَيَّنَةٌ أَجْرَاهَا عَلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ، فَكَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْهَا، فَلَمْ يَبِيعُوا أَرْضَهُمْ.
٢٣ ثُمَّ قَالَ يُوسُفُ لِلشَّعْبِ: «هَا قَدِ اشْتَرَيْتُكُمُ الْيَوْمَ أَنْتُمْ وَأَرْضَكُمْ فَصِرْتُمْ مِلْكاً لِفِرْعَوْنَ، فَإِلَيْكُم الْبِذَارَ لِتَزْرَعُوا الأَرْضَ. ٢٤ وَيَكُونُ فِي مَوْسِمِ الْحَصَادِ أَنَّكُمْ تُقَدِّمُونَ لِفِرْعَوْنَ خُمْسَ الْغَلَّةِ وَتَحْتَفِظُونَ لَكُمْ بِالأَرْبَعَةِ الأَخْمَاسِ لِتَكُونَ بِذَاراً لِلْحَقْلِ وَطَعَاماً لَكُمْ وَلِمَنْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلأَوْلادِكُمْ». ٢٥ فَأَجَابُوا: «لَقَدْ أَنْقَذْتَ حَيَاتَنَا، فَيَا لَيْتَنَا نَحْظَى بِرِضَى سَيِّدِنَا فَنَكُونَ عَبِيداً لِفِرْعَوْنَ» ٢٦ وَمِنْ ذَلِكَ الْحِينِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا جَعَلَ يُوسُفُ فَرِيضَةَ الْخُمْسِ هَذِهِ ضَرِيبَةً عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ، تُجْبَى لِفِرْعَوْنَ، بِاسْتِثْنَاءِ أَرْضِ الْكَهَنَةِ الَّتِي لَمْ تُصْبِحْ مِلْكاً لِفِرْعَوْنَ.
وعد يوسف ليعقوب
٢٧ وَأَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ. وَاقْتَنَوْا فِيهَا أَمْلاكاً وَأَثْمَرُوا وَتَكَاثَرُوا. ٢٨ وَعَاشَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ مِصْرَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ مِئَةً وَسَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ عَاماً. ٢٩ وَعِنْدَمَا قَرُبَ يَوْمُ وَفَاتِهِ، اسْتَدْعَى ابْنَهُ يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ حَظِيتُ بِرِضَاكَ، فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي، وَأَسْدِ لِي مَعْرُوفاً وَأَمَانَةً: لَا تَدْفِنِّي فِي مِصْرَ ٣٠ بَلْ دَعْنِي أَضْطَجِعُ إِلَى جُوَارِ آبَائِي. انْقُلْنِي مِنْ مِصْرَ وَوَارِنِي فِي مَدْفَنِهِمْ»، فَقَالَ: «أَنَا أَفْعَلُ حَسَبَ قَوْلِكَ». ٣١ فَقَالَ يَعْقُوبُ: «احْلِفْ لِي». فَحَلَفَ لَهُ، فَسَجَدَ يَعْقُوبُ (شَاكِراً) عَلَى رَأْسِ السَّرِيرِ.
٤٨
منسى وأفرايم
١ ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ قِيلَ لِيُوسُفَ: «أَبُوكَ مَرِيضٌ» فَاصْطَحَبَ مَعَهُ ابْنَيْهِ مَنَسَّى وَأَفْرَايِمَ. ٢ وَقِيلَ لِيَعْقُوبَ: «ابْنُكَ يُوسُفُ قَادِمٌ إِلَيْكَ». فَاسْتَجْمَعَ قُوَاهُ وَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ.
٣ وَقَالَ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ: «تَجَلَّى اللهُ الْقَدِيرُ لِي فِي لُوزَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَبَارَكَنِي، ٤ وَقَالَ لِي: هَا أَنَا أَجْعَلُكَ مُثْمِراً، وَأُكَثِّرُكَ وَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ جُمْهُورُ شُعُوبٍ وَأَهَبُ ذُرِّيَّتَكَ هَذِهِ الأَرْضَ مِلْكاً أَبَدِيًّا. ٥ وَالآنَ، إِنَّ ابْنَيْكَ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى اللَّذَيْنِ أَنْجَبْتَهُمَا فِي مِصْرَ قَبْلَ مَجِيئِي إِلَيْكَ هُنَا هُمَا لِي يَرِثَانِنِي كَرَأُوبَيْنَ وَشِمْعُونَ. ٦ وَأَمَّا أَوْلادُكَ الَّذِينَ تُنْجِبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَكُونُونَ لَكَ، وَمَا يَرِثُونَهُ يَكُونُ تَحْتَ اسْمِ أَخَوَيْهِمْ. ٧ لأَنَّنِي فِيمَا كُنْتُ رَاجِعاً مِنْ سَهْلِ أَرَامَ، مَاتَتْ رَاحِيلُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ فِي الطَّرِيقِ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ أَفْرَاتَةَ، فَدَفَنْتُهَا فِي الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى أَفْرَاتَةَ، الَّتِي هِيَ بَيْتُ لَحْمٍ».
٨ وَأَبْصَرَ إِسْرَائِيلُ ابْنَيْ يُوسُفَ فَسَأَلَ: «مَنْ هَذَانِ؟» ٩ فَأَجَابَهُ يُوسُفُ: «هُمَا ابْنَايَ اللَّذَانِ رَزَقَنِي إِيَّاهُمَا اللهُ هُنَا». فَقَالَ: «أَدْنِهُمَا مِنِّي فَأُبَارِكَهُمَا». ١٠ وَكَانَتْ عَيْنَا إِسْرَائِيلَ قَدْ كَلَّتَا مِنَ الشَّيْخُوخَةِ، فَلَمْ يَكُنْ قَادِراً عَلَى النَّظَرِ، فَقَرَّبَهُمَا إِلَيْهِ فَقَبَّلَهُمَا وَاحْتَضَنَهُمَا ١١ وَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّنِي أُبْصِرُ وَجْهَكَ، وَهُوَذَا اللهُ قَدْ أَرَانِي ذُرِّيَّتَكَ أَيْضاً». ١٢ ثُمَّ أَبْعَدَهُمَا يُوسُفُ عَنْ حِضْنِ أَبِيهِ وَسَجَدَ فِي حَضْرَتِهِ إِلَى الأَرْضِ.
١٣ وَأَخَذَ يُوسُفُ أَفْرَايِمَ بِيَمِينِهِ وَأَوْقَفَهُ إِلَى يَسَارِ إِسْرَائِيلَ، وَأَخَذَ مَنَسَّى بِيَسَارِهِ وَأَوْقَفَهُ إِلَى يَمِينِهِ، ١٤ فَمَدَّ إِسْرَائِيلُ يَمِينَهُ، مُتَعَمِّداً، وَوَضَعَهَا عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ وَهُوَ الصَّغِيرُ، وَيَسَارَهُ عَلَى رَأْسِ مَنَسَّى مَعْ أَنَّهُ الْبِكْرُ. ١٥ وَبَارَكَ يُوسُفَ قَائِلاً: «إِنَّ اللهَ الَّذِي سَلَكَ أَمَامَهُ أَبَوَايَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحاقُ، اللهَ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، ١٦ الْمَلاكَ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ، يُبَارِكُ الْغُلامَيْنِ، وَلْيُدْعَ عَلَيْهِمَا اسْمِي وَاسْمَا أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحاقَ، وَلْيَكْثُرَا كَثِيراً فِي الأَرْضِ».
١٧ وَعِنْدَمَا رَأَى يُوسُفُ أَنَّ أَبَاهُ قَدْ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ سَاءَهُ ذَلِكَ، فَأَمْسَكَ بِيَدِ أَبِيهِ لِيَنْقُلَهَا مِنْ رَأْسِ أَفْرَايِمَ إِلَى رَأْسِ مَنَسَّى. ١٨ وَقَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ: «لَيْسَ هَكَذَا يَا أَبِي. فَهَذَا هُوَ الْبِكْرُ، ضَعْ يَمِينَكَ عَلَى رَأْسِهِ». ١٩ فَأَبَى أَبُوهُ وَقَالَ: «أَنَا أَعْرِفُ هَذَا يَا ابْنِي، أَنَا أَعْرِفُ هَذَا، فَإِنَّهُ أَيْضاً يُصْبِحُ أُمَّةً عَظِيمَةً، وَلَكِنَّ أَخَاهُ الصَّغِيرَ يُصْبِحُ أَكْبَرَ مِنْهُ، وَذُرِّيَّتَهُ تَصِيرُ جُمْهُوراً مِنَ الأُمَمِ». ٢٠ وَبَارَكَهُمَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً: «بِكَ يَتَبَارَكُ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: ’لِيَجْعَلْكَ اللهُ مِثْلَ أَفْرَايِمَ وَمِثْلَ مَنَسَّى‘». وَهَكَذَا قَدَّمَ أَفْرَايِمَ عَلَى مَنَسَّى. ٢١ ثُمَّ قَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «إِنَّنِي مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنَّ اللهَ سَيَكُونُ مَعَكُمْ وَيَرُدُّكُمْ إِلَى أَرْضِ آبَائِكُمْ. ٢٢ وَهَا أَنَا قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنَ الأَرْضِ سَهْماً وَاحِداً عَلاوَةً عَلَى إِخْوَتِكَ، أَخَذْتُهُ مِنَ الأَمُورِيِّينَ بِسَيْفِي وَقَوْسِي».
٤٩
يعقوب يبارك أبناءه
١ ثُمَّ اسْتَدْعَى يَعْقُوبُ أَبْنَاءَهُ وَقَالَ: «الْتَفُّوا حَوْلِي لأُنْبِئَكُمْ بِمَا سَيَحْدُثُ لَكُمْ فِي الأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ. ٢ اجْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا يَا أَبْنَاءَ يَعْقُوبَ، وَأَصْغَوْا إِلَى إِسْرَائِيلَ أَبِيكُمْ. ٣ رَأُوبَيْنُ أَنْتَ بِكْرِي وَقُوَّتِي وَأَوَّلُ مَظْهَرِ رُجُولَتِي، فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ ٤ لَكِنَّكَ فَائِرٌ كَالْمَاءِ لِذَلِكَ لَنْ تَظَلَّ مُتَفَوِّقاً، لأَنَّكَ اضْطَجَعْتَ فِي فِرَاشِ أَبِيكَ. صَعِدْتَ عَلَى سَرِيرِي فَدَنَّسْتَهُ. ٥ شِمْعُونُ وَلاوِي أَخَوَانِ سُيُوفُهُمَا آلاتُ ظُلْمٍ. ٦ فَيَا نَفْسِي لَا تَدْخُلِي فِي مَجْلِسِهِمَا، وَيَا رُوحِي لَا تَنْضَمِّي إِلَى مَجْمَعِهِمَا. ٧ لأَنَّهُمَا فِي غَضَبِهِمَا يَقْتُلانِ النَّاسَ، وَفِي رِضَاهُمَا يُعَرْقِلانِ الثِّيرَانَ. مَلْعُونٌ سْخْطُهُمَا لأَنَّهُ عَنِيفٌ وَغَضَبُهُمَا لأَنَّهُ ضَارٍ. أُفَرِّقُهُمَا فِي يَعْقُوبَ وَأُشَتِّتُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ. ٨ يَهُوذَا، إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ، وَتَكُونُ يَدُكَ عَلَى عُنُقِ أَعْدَائِكَ، وَيَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. ٩ يَهُوذَا شِبْلُ أَسَدٍ، عَنْ فَرِيسَةٍ قُمْتَ يَا ابْنِي. ثُمَّ جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ أَوْ كَلَبْوَةٍ، فَمَنْ يَجْرُؤُ عَلَى إِثَارَتِهِ؟ ١٠ لَا يَزُولُ صَوْلَجَانُ الْمُلْكِ مِنْ يَهُوذَا وَلا مُشْتَرِعٌ مِنْ صُلْبِهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُوهُ (وَمَعْنَاهُ: مَنْ لَهُ الأَمْرُ) فَتُطِيعُهُ الشُّعُوبُ. ١١ يَرْبِطُ بِالْكَرْمَةِ جَحْشَهُ، وَبِأَفْضَلِ جَفْنَةٍ ابْنَ أَتَانِهِ. بِالْخَمْرِ يَغْسِلُ لِبَاسَهُ وَبِدَمِ الْعِنَبِ ثَوْبَهُ. ١٢ تَكُونُ عَيْنَاهُ أَشَدَّ سَوَاداً مِنَ الْخَمْرِ، وَأَسْنَانُهُ أَكْثَرَ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ. ١٣ زَبُولُونُ يَسْكُنُ عِنْدَ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ، وَيُصْبِحُ مَقَرُّهُ مَرْفَأً لِلسُّفُنِ، وَتَمْتَدُّ تُخُومُهُ نَحْوَ صَيْدَا ١٤ يَسَّاكَرُ حِمَارٌ قَوِيٌّ رَابِضٌ بَيْنَ الْحَظَائِرِ. ١٥ عِنْدَمَا يَرَى خُصُوبَةَ مَرْتَعِهِ وَبَهْجَةَ أَرْضِهِ، تَسْتَكِينُ كَتِفَاهُ لِلأَثْقَالِ، وَيُسْتَعْبَدُ لِلْعَمَلِ الشَّاقِ. ١٦ دَانٌ يَقْضِي لِشَعْبِهِ كَأَحَدِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. ١٧ دَانٌ يَكُونُ ثُعْبَاناً عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ وَأُفْعُوَاناً عَلَى السَّبِيلِ، يَلْسَعُ عَقِبَيِ الْفَرَسِ فَيَهْوِي رَاكِبُهُ إِلَى الْوَرَاءِ. ١٨ إِنَّنِي انْتَظَرْتُ خَلاصَكَ يَا رَبُّ.
١٩ جَادٌ يَقْتَحِمُهُ الْغُزَاةُ، وَلَكِنَّهُ يُطَارِدُ فُلُولَهُمْ وَيَقْحَمُهُمْ. ٢٠ طَعَامُ أَشِيرَ دَسِمٌ، وَأَطَايبُهُ صَالِحَةٌ لِمَوَائِدِ الْمُلُوكِ. ٢١ نَفْتَالِي غَزَالَةٌ طَلِيقَةٌ يُرَدِّدُ أَقْوَالاً جَمِيلَةً. ٢٢ يُوسُفُ كَرْمَةٌ مُثْمِرَةٌ إِلَى جُوَارِ عَيْنٍ، تَسَلَّقَتْ أَغْصَانُهُ الْحَائِطَ. ٢٣ يُهَاجِمُهُ الرُّمَاةُ بِمَرَارَةٍ. وَيُطْلِقُونَ سِهَامَهُمْ عَلَيْهِ بِعَدَاوَةٍ. ٢٤ وَلَكِنْ قَوْسُهُ ظَلَّتْ مَتِينَةً، وَتَشَدَّدَتْ سَوَاعِدُ يَدَيْهِ بِفَضْلِ سَوَاعِدِ عَزِيزِ يَعْقُوبَ، الرَّاعِي صَخْرِ إِسْرَائِيلَ. ٢٥ بِفَضْلِ إِلَهِ أَبِيكَ الَّذِي يُعِينُكَ، بِفَضْلِ الْقَدِيرِ الَّذِي يُبَارِكُكَ بِبَرَكَاتِ السَّمَاوَاتِ مِنْ فَوْقُ، وَبَرَكَاتِ الْغَمْرِ مِنْ تَحْتُ، وَبَرَكَاتِ الثَّدْيِ وَالرَّحِمِ. ٢٦ إِنَّ بَرَكَاتِ أَبِيكَ أَعْظَمُ مِنْ بَرَكَاتِ الْجِبَالِ الدَّهْرِيَّةِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَخَائِرِ التِّلالِ الْقَدِيمَةِ، فَلْتَحُلَّ جَمِيعُهَا عَلَى رَأْسِكَ يَا يُوسُفُ وَعَلَى جَبِينِ الَّذِي انْفَصَلَ عَنْ إِخْوَتِهِ. ٢٧ بَنْيَامِينُ ذِئْبٌ ضَارٍ، يَفْتَرِسُ ضَحِيَّتَهُ فِي الصَّبَاحِ، وَيُفَرِّقُ الْغَنِيمَةَ فِي الْمَسَاءِ».
٢٨ هَؤُلاءِ جَمِيعاً هُمْ رُؤَسَاءُ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَهَذَا مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ أَبُوهُمْ وَبَارَكَهُمْ؛ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْبَرَكَةِ الْمُنَاسِبَةِ لَهُ.
موت يعقوب
٢٩ ثُمَّ أَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «قَرِيباً أَنْضَمُّ إِلَى آبَائِي، فَادْفِنُونِي إِلَى جُوَارِهِمْ فِي مَغَارَةِ حَقْلِ عِفْرُونَ الْحِثِّيِّ. ٣٠ الَّتِي فِي حَقْلِ الْمَكْفِيلَةِ الْمُوَاجِهَةِ لِمَمْرَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، الَّتِي اشْتَرَاهَا إِبْرَاهِيمُ مَعَ الْحَقْلِ مِنْ عِفْرُونَ الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ مَدْفَناً خَاصّاً. ٣١ فِيهَا دُفِنَ إِبْرَاهِيمُ وَزَوْجَتُهُ سَارَةُ، ثُمَّ إِسْحاقُ وَزَوْجَتُهُ رِفْقَةُ، وَأَيْضاً دَفَنْتُ لَيْئَةَ. ٣٢ وَقَدِ اشْتَرَى إِبْرَاهِيمُ الْحَقْلَ وَالْمَغَارَةَ الَّتِي فِيهِ مِنَ الْحِثِّيِّينَ.» ٣٣ وَلَمَّا فَرَغَ يَعْقُوبُ مِنْ تَوْصِيَةِ أَبْنَائِهِ تَمَدَّدَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَضَمَّ رِجْلَيْهِ مَعاً، ثُمَّ أَسْلَمَ رُوحَهُ وَلَحِقَ بِآبَائِهِ.
٥٠
١ فَأَلْقَى يُوسُفُ بِنَفْسِهِ عَلَى جُثْمَانِ أَبِيهِ، وَبَكَى وَقَبَّلَهُ. ٢ ثُمَّ أَمَرَ يُوسُفُ عَبِيدَهُ الأَطِبَّاءَ أَنْ يُحَنِّطُوا أَبَاهُ. ٣ وَقَدِ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَهِيَ الأَيَّامُ الْمَطْلُوبَةُ لاسْتِكْمَالِ التَّحْنِيطِ. وَبَكَى الْمِصْرِيُّونَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ يَوْماً.
٤ وَبَعْدَمَا انْقَضَتْ أَيَّامُ النُّوَاحِ عَلَيْهِ، قَالَ يُوسُفُ لأَهْلِ بَيْتِ فِرْعَوْنَ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ حَظِيتُ بِرِضَاكُمْ، فَتَكَلَّمُوا فِي مَسَامِعِ فِرْعَوْنَ قَائِلِينَ: ٥ لَقَدِ اسْتَحْلَفَنِي أَبِي وَقَالَ: أَنَا مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ، فَادْفِنِّي فِي الْقَبْرِ الَّذِي حَفَرْتُهُ لِنَفْسِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، فَاسْمَحْ لِيَ الآنَ بِأَنْ أَمْضِيَ لأَدْفِنَ أَبِي ثُمَّ أَعُودَ». ٦ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: «امْضِ وَادْفِنْ أَبَاكَ كَمَا اسْتَحْلَفَكَ».
٧ فَانْطَلَقَ يُوسُفُ لِيَدْفِنَ أَبَاهُ، وَرَافَقَتْهُ حَاشِيَةُ فِرْعَوْنَ مِنْ أَعْيَانِ بَيْتِهِ وَوُجَهَاءِ مِصْرَ، ٨ وَكَذَلِكَ أَهْلُ بَيْتِهِ وَإخْوَتُهُ وَأَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ. وَلَمْ يُخَلِّفُوا وَرَاءَهُمْ فِي أَرْضِ جَاسَانَ سِوَى صِغَارِهِمْ وَغَنَمِهِمْ وَقُطْعَانِهِمْ. ٩ وَصَاحَبَتْهُ أَيْضاً مَرْكَبَاتٌ وَفُرْسَانٌ، فَكَانُوا مَوْكِباً عَظِيماً. ١٠ وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى بَيْدَرِ أَطَادَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ أَقَامَ يُوسُفُ لأَبِيهِ مَنَاحَةً عَظِيمَةً مَرِيرَةً نَاحُوا فِيهَا عَلَيْهِ طَوَالَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ١١ وَعِنْدَمَا شَاهَدَ الْكَنْعَانِيُّونَ السَّاكِنُونَ هُنَاكَ الْمَنَاحَةَ فِي بَيْدَرِ أَطَادَ قَالُوا: «هَذِهِ مَنَاحَةٌ هَائِلَةٌ لِلْمَصْرِيِّينَ». وَسَمُّوا الْمَكَانَ الَّذِي فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ «آبِلَ مِصْرَايِمَ» (وَمَعْنَاهُ: مَنَاحَةُ الْمِصْرِيِّينَ). ١٢ وَنَفَّذَ أَبْنَاءُ يَعْقُوبَ وَصِيَّةَ أَبِيهِمْ، ١٣ فَنَقَلُوهُ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ وَدَفَنُوهُ فِي مَغَارَةِ حَقْلِ الْمَكْفِيلَةِ مُقَابِلَ مَمْرَا الَّتِي اشْتَرَاهَا إِبْرَاهِيمُ مَعَ الْحَقْلِ مِنْ عِفْرُونَ الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ مَدْفَناً خَاصّاً.
١٤ وَبَعْدَ أَنْ دَفَنَ يُوسُفُ أَبَاهُ، رَجَعَ هُوَ وَإخْوَتُهُ وَسَائِرُ الَّذِينَ رَافَقُوهُ إِلَى مِصْرَ.
إحسان يوسف لإخوته
١٥ وَلَمَا رَأى إِخْوَةُ يُوسُفُ أَنَّ أَبَاهُمْ قَدْ مَاتَ قَالُوا: «لَعَلَّ يُوسُفَ الآنَ يَشْرَعُ فِي اضْطِهَادِنَا وَيَنْتَقِمُ مِنَّا لإِسَاءَتِنَا إِلَيْهِ؟» ١٦ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ رَسُولاً قَائِلِينَ: «لَقَدْ أَوْصَى أَبُوكَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ: ١٧ هَكَذَا تَقُولُونَ لِيُوسُفَ: اغْفِرْ لإِخْوَتِكَ ذَنْبَهُمْ وَخَطِيئَتَهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَسَاءُوا إِلَيْكَ. فَالآنَ اصْفَحْ عَنْ إِثْمِ عَبِيدِ إِلَهِ أَبِيكَ». فَلَمَّا بَلَغَتْهُ رِسَالَتُهُمْ بَكَى يُوسُفُ. ١٨ وَجَاءَ إِخْوَتُهُ أَيْضاً وَانْطَرَحُوا أَمَامَهُ وَقَالُوا: «هَا نَحْنُ عَبِيدُكَ». ١٩ فَقَالَ لَهُمْ: «لا تَخَافُوا: هَلْ أَنَا أَقُومُ مَقَامَ اللهِ؟ ٢٠ أَنْتُمْ نَوَيْتُمْ لِي شَرّاً، وَلَكِنَّ اللهَ قَصَدَ بِالشَّرِّ خَيْراً، لِيُنْجِزَ مَا تَمَّ الْيَوْمَ، لإِحْيَاءِ شَعْبٍ كَثِيرٍ. ٢١ لِذَلِكَ لَا تَخَافُوا، فَأَنَا أَعُولُكُمْ أَنْتُمْ وَأَوْلادَكُمْ». فَطَمْأَنَهُمْ وَهَدَّأَ رَوْعَهُمْ.
موت يوسف
٢٢ وَأَقَامَ يُوسُفُ فِي مِصْرَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ. وَعَاشَ يُوسُفُ مِئَةً وَعَشْرَ سِنِينَ، ٢٣ حَتَّى شَهِدَ الجِيلَ الثَّالِثَ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَفْرَايِمَ، وَكَذَلِكَ أَوْلادَ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى الَّذِينَ احْتَضَنَهُمْ عِنْدَ وِلادَتِهِمْ. ٢٤ ثُمَّ قَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: «أَنَا مُوْشِكٌ عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ وَيُخْرِجُكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ وَيَرُدُّكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي وَعَدَ بِها بِقَسَمٍ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ». ٢٥ وَاسْتَحْلَفَ يُوسُفُ أَبْنَاءَ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: «إِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ فَانْقُلُوا عِظَامِي مِنْ هُنَا».
٢٦ ثُمَّ مَاتَ يُوسُفُ وَقَدْ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ مِئَةً وَعَشْرَ سِنِينَ. فَحَنَّطُوهُ وَوَضَعُوهُ فِي تَابُوتٍ فِي مِصْرَ.

هل تفهم ما تقرأ؟

تواصل معنا على ال واتساب لنجيب على جميع أسئلتكم
الفصل التالي

الكتاب المقدس هو مكتبة صغيرة من الكتب. كتبه كتاب كثيرون بوحي من الله. ويحوي بطياته على ٦٦ كتاب مقسمة على عهدين: العهد القديم والعهد الجديد. لقراءة فصل أو كتاب آخر من الكتاب المقدس، اختر من القائمة التالية.